يذكر القرآن الكريم الوالدين في الكثير من الآيات الشريفة
على نحو التبجيل والاحترام، مؤكداً على ضرورة الاهتمام بهما، وأداء حقوقهما، وبرهما
والإحسان إليهما، وعدم تعنيفهما وتسبيب الأذى لهما بأي نحو كان ولو كانا كافرين مع
ملاحظة التشديد على خصوصية الأم أكثر من الأب، نعم إذا كانا كافرين، فلا يعني
الإحسان إليهما أن يتبعهما في الكفر والعصيان، "فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
وفيما يلي بعض ما ورد في الكتاب المجيد في حق الوالدين:
1- وصية اللّه:
الوالدان وصية اللّه تبارك وتعالى للإنسان، فقد أوصى بالإحسان إليهما مباشرة بعدما
أمر بعبادة اللّه الواحد الأحد ونهى عن الشرك حيث قال تعالى:
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى... إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا
فَخُورًا﴾
النساء/36. وفي معرض تعداده لأهم الأوامر والنواهي الإلهية يقول تعالى
مخاطباً نبيه صلى الله عليه وآله:
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا .. ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾
الأنعام/151. ومما يدل على عظمة حقوق الوالدين أيضاً أن اللّه تعالى جعل
شكرهما متلازماً مع شكره، فلم يشكر الخالق من لم يشكر والديه كما في قوله تعالى:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ .. أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾
لقمان/14.
ويتأكد الإحسان للوالدين ووجوب البر لهما عندما يكونان في
مرحلة الكبر والشيخوخة، حيث يعجزان عن القيام بالأعمال المطلوبة وتأمين متطلبات
الحياة، ولذلك يشدد
القرآن الكريم الوصية في هذه الحالة فيقول:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ً﴾الإسراء/23-24.
وقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن هذا الإحسان ما هو؟ فقال: "الإحسان أن
تحسن صحبتهما، وأن لا تكلِّفهما أن يسألا شيئاً مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين".
وعن القول الكريم الذي أمر به
القرآن قال عليه السلام: "إن ضرباك فقل لهما: غفر
اللّه لكما، فذلك منك قول كريم". وعن قوله تعالى:
﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ﴾
قال عليه السلام: "لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة، ولا ترفع
صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدم قدامهما".
2- وصية الأنبياء عليهم السلام:
الأنبياء هم عباد اللّه الأكرمون وأولياءه المقربون، اختصهم اللّه بالوحي لما
يملكون من سمو النفوس وصفاء الأرواح، وإنما وصلوا إلى ما وصلوا إليه بصدق عبادتهم
وحسن أخلاقهم وجميل فعالهم والتي منها بر الوالدين، فهذا يحيى عليه السلام عندما
يصفه القرآن يقول:
﴿وَكَانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾
مريم/14. وكذا عيسى عليه السلام، وهو أحد أنبياء أولي العزم، يذكر ما وصاه
اللّه تعالى به فيقول:
﴿..وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا
بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾
مريم/31-32. وعندما يدعو الأنبياء عليهم السلام ويبتهلون إلى اللّه تعالى في
إنزال الرحمة وتسبيب المغفرة فإنهم لا ينسون والديهم أبداً. فهذا إبراهيم الخليل
عليه السلام يدعو فيقول:
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ
الْحِسَابُ﴾
إبراهيم/41. ويذكر نوح عليه السلام في دعائه:
﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾
نوح/28.
3- الأم أولى من الأب:
ومع كل هذه التبجيلات المشتركة، عندما يريد
القرآن التفريق والتفصيل يتحدّث عن
أتعاب الأم والمشاق التي تتكبدها دون أن يذكر شيئاً عن الأب. فيقول تعالى:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ
كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾
الأحقاف/15. فنراه يتحدث عن أتعاب الثلاثين شهراً للأم، حيث أن مرحلة الحمل
والولادة ومرحلة الإرضاع من المراحل الصعبة والشاقة على الأم، ويذكرها
القرآن
الكريم تحت عنوان خدمات خاصة للأم. ويقول تعالى في هذا الصدد أيضاً:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى
وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ
الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ
مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ﴾
لقمان/14-15، مضافاً إلى ما مرّ، يبين تعالى
في هذه الآية المباركة حدود الطاعة للوالدين، وهي أن لا يأمرا بمعصية الخالق،
فحينئذٍ لا طاعة لهما، ولكن تبقى الصحبة بالمعروف والإحسان إليهما مطلوبة على كل
حال.