السيد عباس نور الدين
رسالة قارئ..
عزيزي رئيس تحرير مجلة بقية الله الغرَّاء.
سلام عليكم ورحمة الله،
ارتج الصدر من صدى صرختكم المدوية التي أعلنتموها في أرجاء المعمورة، وجاشت النفس بألم الشكوى من أمة لا تقرأ، وقد جعلها الله أمة الهداية والعلم، وافتتح نور البعثة إليها بأمر عظيم هو القراءة.
وإنني منذ فترة طويلة أعيش هذا الهاجس وأكتوي بناره المحرقة وآلامه الموجعة. وحيث إنني على تماس دائم مع هذه القضية الكبرى والمسألة الهامة فإنني كنت وما زلت أسأل وأبحث عن سبب هذه المصيبة المفجعة.
كنت أدرِّس وألتقي بالشباب من مختلف الأعمار، وأطرح عليهم عشرات القضايا الإسلامية والمعارف الإلهية، وأحاول أن أشعرهم بكنوز الإسلام الكبرى المستودعة في كتب الأئمة عليهم السلام والعلماء وأبحاث المحققين الأجلاء. ولكن القلة القليلة منهم كانت تنحاز إلى الخط المستقيم وتتخذ لها من الكتاب أنيساً وجليساً. وكنت أعجب كثيراً من أمة وشباب أمة يتركون أجمل متع الحياة وآنس لحظات العمر مؤثرين عليها جلسات السمر التي لا طائل لها.
كنت أغرق في تفكيري إلى حد اليأس. عبثاً كنت أحاول أن أجد حلاً لهذه المعضلة الكبرى، وأعود مجدداً إلى اتهام نفسي بالتقصير هارباً من القنوط والخيبة.
هل أن المناخ هو السبب؟
وهل أن طبيعة العرب هكذا؟
هل أن هذا العرق بأصله يحب البداوة والترحال ويكره العلم والاطلاع؟ هل وهل... وألف هل...!!
والواقع أنني في غمرة تفكيري متحملاً بعضاً من المسؤولية الاجتماعية. في هذا المجال وكنت أعثر من حين إلى آخر على بعض الاحتمالات التي قد تساعدنا على وضع الحلول المناسبة، وربما تكون طريقاً للخلاص.
* أولاً: البيئة المتخلفة:
أظهرت الاستطلاعات الميدانية أن معظم الذين يحبون المطالعة ويقبلون عليها قد تربوا في أسرة تحبذ المطالعة أو أن أحد الوالدين يقضي جزءاً من وقته في المطالعة.
فالولد الذي ينشأ في مثل هذا الجو الإيجابي لا يحتاج إلى الكثير من التشجيع والتحفيز لأنه في مرحلة من عمره يتمثل بأبيه أو بأمه. وهو إذا اكتشف في المراحل الأولى من حياته لذة المطالعة وتعرف إليها فستصبح جزءاً من سيرة حياته.
إن واقع أكثر آبائنا في المجتمع الذي يقرأ بالضاد على وجه الخصوص، يحكي عن انعدام شبه كامل لمثل هذه السيرة.
* ثانياً: أنظمة التربية والتعليم:
أثمن فرصة للإنسان لك ينشىء علاقة قوية وسليمة مع المطالعة هي الفرصة الزمنية التي يقضيها في المدرسة. ولكن واقع أنظمتنا التعليمية يبين بشكل فاضح العداوة الكبرى بين المدرسة والكتاب!! نحن لا نفاجأ بهذا لأننا نعلم أن هذه المناهج قدأعدت بدقة على أيدي المستكبرين وعملائهم في بلداننا من الخونة والجهلة المغفلين، وكان الهدف من وراء هذه المناهج إنشاء أجيال جاهلة بلباس العلم!!
* ثالثاً: المواضيع المطروحة للقراءة:
تتميز المكتبة العربية بفوضى عارمة وتخلف مطبق في مجال طرح الموضوعات الحساسة وبطريقة جاذبة للقراء. إنني ومنذ أكثر من 15 سنة أزور معرض الكتاب العربي الذي يقام سنوياً في بيروت. وما زالت أكثر دور النشر تعرض كتباً عمرها أكثر من عشرين سنة لا تمتُّ إلى واقعنا ومشاكلنا بصلة.
وإذا وجدنا بعض المواضيع المهمة بعد البحث والتنقيب والتصادف. نجدها في حلة بائسة وإخراج منفّر وطباعة سيئة.
إن حال الكتاب العربي تعيسة للغاية.
* رابعاً: الوفرة وسهولة التناول:
أكثر أحيائنا وقرانا لا يوجد فيها أية مكتبة تعرض فيها الكتب بشكل جيد.
عشرات القرى ومئات الأحياء ليس لها أي نصيب من الكتاب، رغم أنها تغص بمحلات "السمانة" والألبسة وغيرها من السلع الاستهلاكية.
لو كان شعبنا معتاداً على رؤية الكتاب فإنه ولا بد أن يتأثر شيئاً فشيئاً بهذه المشاهدة.
إن الذي يدخل إلى بستان الورد، لا بد وأن يحمل معه ألف عطر، وأن الذي يعيش بين القذارة لا بد وأن يبتلى بألف رائحة كريهة.
إنني أدعو مجلة بقية الله لتفتح على صفحاتها باباً واسعاً للتداول بشأن هذه القضية الكبرى. لعل الله سبحانه يوفقنا للخروج بمشروع واقعي ينهض بهذه الأمة التي ما زالت تعاني من ويلات البعد عن أهل البيت عليهم السلام.
* نشكر السيد عباس نور الدين على تلك المشاعر الطيبة والنبيلة وعلى الروح العالية التائقة إلى التغيير، فاتحين الباب أمام القراء الأعزاء للتداول في موضوع المطالعة والقراءة.. والمجلة التي بين يديك.
أخي القارئ. ترحِّب باقتراحاتك العملية في سبيل خلق جيلٍ مثقفٍ وواعٍ، وها نحن بالانتظار.