أحمد سماحة
إن المدقق في النباتات والحيوانات، بل في كل موجود حي يرى انسجاماً تاماً مع المحيط الذي يعيش فيه ويتلمس معرفة كاملة وهداية رشيدة بطرق إدامة الحياة ومتطلباتها، من تأمين الغذاء وبناء المسكن والتكاثر وتربية الأولاد وتعليمهم كيف يحيون أو يختفون عن أعدائهم أو كيف يحيون أو يختفون عن أعدائهم أو كيف يواجهونهم عند اللزوم. فالنباتات على اختلاف أنواعها وتفرّق أماكن وجودها، والطيور والحيوانات البحرية والشحرات والزواحف مهيَّأة لتتدبر أمر استمرار نوعها والصمود في عالم تنازع البقاء، وهذا ما نسميه بملاءمة البيئة أو التكيّف.
ويعرف علماء الطبيعات التكيُّف بأنه "وجود أعضاء في تركيب الكائن الحي ـ حيواناً كان أو نباتاً ـ تسمح له أن يتحرك ويعيش في بيئة ما" واحد أشكال هذا التكيُّف هو التمويه الذي يقوم به النبات أو الحيوان عن طريق تغيير اللون أو الشكل أو ما يشبه ذلك بحيث تحتاج إلى فحص دقيق للكشف عن الحشرة وذلك بهدف الهرب من طريق عدو ما أو لاصطياد فريسة تكون غذاء ضرورياً.
والمعروف أن النبات يعد طعامه من التربة والماء والهواء وضوء الشمس وهو بدوره يمثل طعاماً للحيوانات التي لا تكف عن التهامه. لكن كما لكل قاعدة استثناء فإن من بين مجموع النباتات ما هو آكل للحشرات لأنه لا يكتفي بما زودته به قدرة وحكمة الخالق العظيم من أسلوب مألوف لإنتاج غذائه عن طريق عملية التمثيل الضوئي المعروفة بل يطور أساليب جديدة في الحصول على مصادر أخرى لغذائه أو للبقاء حياً في ظل ظروف مناخية صعبة.
فعندما توجد النباتات في بيئات فقيرة بالغذاء تقوم بإحاطة أوراقها بغلاف جاف أو تعطي لهذه الأوراق شكل أشواك رفيعة فتصغر بذلك مساحة السطح المعرض للشمس وتقل بالتالي كمية الماء المتبخرة من ناحية ومن ناحية أخرى تبعد عنها الحيوانات آكلة الأعشاب.
وبالرغم من فائدة هذا الأسلوب في التكيف فإن بعض النباتات لا تكتفي به بل إنها تطور أساليب جديدة وطرقاً ذكية للتغلب على مشاق الحياة فتقوم بتكييف نفسها لتأكل الحشرات ويزدهر نموها بزيادة أسمدة حيوانية على طعامها، فكيف تفعل؟
غالبية النباتات آكلة الحشرات تملك أوراقاً تستطيع امتصاص الغذاء بينما تقوم الجذور بهذه المهمة في النباتات الأخرى، وهذه النباتات منتشرة في الأماكن الرطبة، أوراقها مستطيلة تحورت على شكل قدور يوجد فيها سائل يحوي أنزيمات هاضمة مثل البيبسين وهذه القدور لها غطاء شمعي دائم يحميها من ماء المطر من جهة ومن جهة ثانية يقوم باستدراك الحشرات بواسطة غدد تفرز الرحيق الجذاب. وهذه الغدد محاطة بأضلاع بارزة تتدلى حوافها الحادة نحو الداخل، وهذه الحواف ملساء لا تتيح فرصة للحشرة للتمكن من الوقوف فتنزلق ويكون الفخ قد تكون، فعندما تأتي حشرات المستنقع من عناكب وبعوض لزيارة تلك النباتات موعودة برحيقها، وما إن تصل إلى الغدد الرحيقية أسفل الحافة وتحط على السطح الأملس المصقول حتى تجد نفسها غير قادرة على الاتزان فتقع في السائل الهاضم الموجود في الأسفل وتموت وتهضم وتتحول إلى غذاء لتلك النبتة، "فسبحان الذي أعطى كل شيء خلفه ثم هدى".