* هل يستطيع الوجدان الأخلاقي تنظيم الغرائز؟
إنّ الأمور الغرائزية تنبع من العاطفة والوجدان الإنساني، وما ألطف وجود العاطفة! كما أن العقل والعلم ثمينيْن. لكن هل يمكن للوجدان الأخلاقي أن يكون قوّة منَظِّمة للإنسان؟ والجواب هو أنّه في الأحوال العادية نعم يمكنه وهو قوّة جيّدة، لكن لو طغت إحدى الغرائز فلا أثر للوجدان الأخلاقي عند ذلك. هناك كثير من المجرمين اختلّتْ عقولهم بعد إجرامهم بسبب الضربات التي يوجهها لهم الوجدان الأخلاقي. لكنهم كانوا قد سحقوا الوجدان عند إقدامهم على الجريمة وعند طغيان غريزتهم. وهذا أفضل دليل على أن الوجدان الأخلاقي جيّد ومؤثّر لكن في الأحوال العادية لا في حال طغيان الغرائز. حطّم أينشتاين الذرّة. وأوّل نتيجة لعمله هي القنبلة التي قتلت 75 ألف إنسان بريء في اليابان! وذلك عندما منِحَ ضابط له من العمر 25 عاماً في القوة الجويّة جائزة (وهي الارتقاء من درجة الضابط إلى الآمر والفريق) وقال له إرْمِ هذه القنبلة على اليابان وَعُدْ.
وعند هيجان غريزة حُب الشهرة والمال وتحسين البيت الأبيض الأميركي له، طغت غرائزه وثارت. وعند ذلك سُحِقَ الوجدان الأخلاقي، فرمى القنبلة على اليابان وعاد، ثم سمع بمقتل 75 ألف إنسان بريء. فعند ذلك اهتزّت نفسه ولم تغمضْ عينهُ ليلاً. ومن هنا بدأت ضربات الوجدان الأخلاقي، فكان يكرر: أنا الذي قتلت 75 ألف بريء. فلم يستطع النوم وضعفت أعصابه، وكلّما زادوا من ارتقاء درجاته لم يتمكن من النوم وازداد ضعفه، حتى اختلَّ عقلهُ وأُخِذَ إلى دار المجانين، وقد فرَّ من هناك عدّة مرات.
فلو عاند الإنسان عندما يؤنّبه الوجدان الأخلاقي فقد تحصل عواقب سيئة. فإنّه كان يقول أنا قاتل ومجرم لكنه عندما كان يفرّ كان يقتل ويسرق حتى سُجِنَ في غرفة مغلقة. فكان يكرر قوله أنا قاتل ومجرم حتى مات، تأمّلوا في هذا الرجل فإنه قبل أن يرمي القنبلة لأنّ غرائزه كانت عاصفة لم يؤثر فيه الوجدان الأخلاقي، لكنه عندما ارتكب عملاً سيئاً وقبيحاً جاء هنا دور الوجدان الأخلاقي.
وهذا أفضل دليل على أنّه لا أثر للوجدان الأخلاقي في تقييد الغرائز وتنظيمها؛ لأنّ الغرائز لو عصفت وطغت فإنها تسحق الوجدان الأخلاقي.