مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناجاة المريدين (3): يسارعون إليك

آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (حفظه الله)

يتعرّض هذا المقال لدراسة كيفيّة الوصول إلى مقام القرب الإلهي. ويظهر من التعاليم الدينيّة أنّ البشر، ومن خلال العمل والسعي المضاعف، يتمكّنون من طيّ مسير القرب، والكمال، والوصول إلى الفلاح والصلاح. ويصل الإنسان إلى الكمال بمقدار الجهد الذي يبذله.

* أصحاب السَّفَر
ورد عن الإمام السجاد عليه السلام في تتمة مناجاة المريدين "وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون، وبابك على الدوام يطرقون، وإيّاك في الليل والنهار يعبدون، وهم من هيبتك مشفقون...".
يحتاج الإنسان للوصول إلى مقام القرب، بحسب ما بيّنه الإمام السجّاد عليه السلام، إلى أصحابٍ في السفر يمتازون بما يلي: يتحرّكون بسرعة وباستمرار، وهم من أهل العبادة ليلاً ونهاراً، ومن أهل الخشية.
أما طريق الوصول إلى الخشية من الله تعالى فهو الإذعان بضَعف وعَجزِ أنفُسنا أمام عظمة وجلال الله تعالى.
إنّ الهدف والمقصد النهائي للإنسان هو القرب من الله والوصول إليه. وأمامه في ذلك طريقٌ طويلٌ، مليء بالتعرّجات والمطبّات.
يقول الإمام علي عليه السلام في هذا الشأن، مع كل ما كان عليه من إحياء الليل والمناجاة والعبادة: "آهٍ من قلّة الزاد وطول الطريق وبُعْد السفر وعظيم المَورد"(1).

يتحسّر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لأنه لا يمتلك الزاد الكافي لعبور طريق الآخرة الطويل. مع العلم أن عبادة الإمام عليه السلام كانت كثيرة وشاقة حتى أنه عندما قرأ الإمام السجاد عليه السلام صحيفةً تبيّن أحوال وعبادة الإمام علي عليه السلام، قال: "من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام؟"(2).

* الهدف هو مقام القرب من الله
صحيح أنه يستفاد من الروايات والتعاليم الدينية أن طريق الآخرة طويل ومتعرّج، إلا أن الإنسان يمكنه عبور ذاك الطريق من خلال العمل، وبذل الجهد، وتربية النفس، فيصل سالماً إلى المقصد.

إن رسالة أنبياء الله والأئمة الأطهار عليهم السلام توضح لنا مقصد الآخرة، وأوج سعادتنا وكمالنا وكيفية الحركة نحو قمة الفلاح والصلاح. فكل مسافة يقطعها الإنسان في هذا الطريق وحسب همّته، تعني أنّه أنجز عملاً قَيّماً... وليس صحيحاً القول إنّ الإنسان إذا لم يصل إلى القمّة، فقد تخلّف ولم يحصل على شيء، لا بل هو مأجور على كل خطوة يخطوها في هذا الطريق وعليها تترتب آثار إيجابية. طبعاً يجب أن يمتلك الإنسان همة عالية ويجب أن يكون هدفه الوصول إلى أعلى مقامات القرب من الله وعدم الاكتفاء بالمراتب النازلة.

* خصائص طلائع طريق القرب الإلهي
يظهر، من القسم الأول من المناجاة، وجود طُرق متعدّدة للوصول إلى مقصد الآخرة والقرب الإلهي "وسيّرنا في أقرب الطرق للوفود عليك...". والطريق المستقيم هو أقصر الطرق نحو المقصد. لذا، ينبغي لنا أن نطلب من الله تعالى إرشادنا إلى الطريق الأقرب والمستقيم، وأن يهوّن علينا صعوبات طريق الآخرة.
بعد أن نتعرّف إلى المقصد الذي هو القرب الإلهي - وعلى فرض أن الله تعالى قد استجاب دعاءنا وعرّفنا أقرب الطرق إليه، وساعدنا في طي ذاك الطريق رغم كَثرة الأخطار - وفي مسير الوصول إلى الله، نحن في ذلك الطريق بحاجة ماسة إلى رفيقِ سفر. لنلتفت إلى المثال الآتي:

في الماضي، كان السفر عبر وسائل بسيطة مثل: الحصان والجمل، وكان بعضٌ يسافر ماشياً، وسواء كان هذا السفر طويلاً أو قصيراً فإن وجود رفيق بين المسافرين نشيط يتحرّك بجديّة وعزم راسخيْن، يكون سبباً في نشاط الآخرين، بحيث لا يشعر أحد من المسافرين بتعب الطريق. ويكون عكس ذلك، إذا كان رفيق السفر شخصاً عاجزاً وسريع الضجر...
لذلك يمكن القول إنّ أحد أسرار موفقيّة السفر وجود رفيق نشيط يعرفُ المسير ويبعث على زيادة نشاط الآخرين ويقلّل من تعبهم. من هذا المنطلق يقول الإمام عليه السلام حول رفقاء السفر: "أَلْحِقْنا بِعِبادِكَ الَّذِينَ هُمْ بِالبِدارِ(3) إِلَيْكَ يُسارِعُونَ(4) وَبابَكَ عَلى الدَّوامِ يَطْرِقُونَ وَإيَّاكَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يَعْبُدُونَ وَهُمْ مِنْ هَيْبَتِكَ مُشْفِقُونَ".

* أوصاف رفاق السفر
بعد أن يطلب الإمام عليه السلام من الله إرشاده إلى أقرب طرق السلوك والوصول إلى مقام قربه، يطلب منه رفاق سفر لائقين يمتلكون الصفات الآتية:
أ- سرعة الحركة.
ب- الثبات والاستمرار.
ج- دوام العبادة ليلاً ونهاراً.
د- الخشية أمام عظمة الله.


أ – السرعة في الحركة نحو القرب الإلهي
لتوضيح الصفة الأولى، أي السرعة في الحركة، نضرب المثال التالي: افرضوا أنكم على مرتفع وتشاهدون أناساً يتحركون نحو مقصد واحد، إلا أن بعضاً منهم يتحرك مسرعاً بجدية وعزم راسخين وبعضهم الآخر أبطأ من المجموعة الأولى والمجموعة الثالثة بطيئة للغاية وتتحرك نحو الهدف من دون نشاط ودافع كافيين. إذا كنتم تحاولون الوصول إلى المقصد نفسه وتعملون للوصول إليه بسرعة، فأيّ مجموعة تختارون؟ مما لا شك فيه أنكم ستختارون المجموعة الأسرع التي تتخذ الطريق المستقيم. كذلك هو الأمر في مسير التعالي، والكمال والقرب إلى الله. حيث يرافق الشخص منّا أشخاصاً هم في طليعة القافلة ويتأسّى بهم ويقتبس منهم الخصائص الممتازة والمتعالية.

من دون شك، إنّ الأشخاص الذين يرغب الإمام السجاد عليه السلام في رفقتهم هم أنبياء الله وبالأخصّ خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، وأمير المؤمنين، والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام الذين هم في طليعة قافلة البشرية العظيمة، الراسخون في حركتهم، الذين تتوجّه قلوبهم نحو الله فقط. فهم لا يلتفتون إلى أيّ من الجهات وبالتالي هم الأسرع في الوصول إلى المقصد.

وعلى هذا الأساس، فالخاصية الأولى للرفيق المناسب في مسير التعالي والقرب الإلهي هي: الجدية، السرعة، الأسبقيّة على الآخرين، والابتعاد عن الكسل والملل واتخاذ القرار القاطع لطيّ طريق التعالي والسموّ.


1.نهج البلاغة، الحكمة (77).
2.بحار الأنوار، المجلسي، ج41، ص7.
3."بدار" ومبادرة أي عندما يكون أمام الإنسان أكثر من عمل ثم يختار أحد هذه الأعمال وينهض بجديّة للقيام به ويترك الأعمال الأخرى.
4."المسارعة" من باب "المفاعلة" تدلّ على مفهوم أعلى من السرعة، والسبق والعمل لأجل الأسبقيّة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

مناجات المريدين

محمد

2015-03-07 19:57:00

بسمه تعالى اللهم صل على محمد وال محمد فعلا اه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفروعظيم المورد , ما احوج الانسان الى من يدله على هدا الطريق طريق القرب الى مولاه وخالقه في ضل هدا الزحام في الدنيا وتعلق الناس بها وانشغالهم بمصائبها وافراحها نعم تاخدهم اما الى القنوط واما الى الفرح المفرط الدي ينسى الانسان فيه نفسه وان مقبل على عالم لو يعلم هوله ما نام ولااكل ولاشرب الله بحق محمد واله لاتخزنا في هدا اليوم ويسر لنا الطريق اليك ووفقنا فانه لايوفق الى دلك الا انت