الأرض كوكبٌ يمتاز بكل الخصائص اللازمة والضرورية، لظهور الإنسان- والذي هو أشرف وأكرم المخلوقات- على سطحه، ومن عليه يكون الامتحان الإلهي والسير التكاملي للقاء الله.. فما طبيعة هذا الكوكب المَوْطِنْ، وما هي هويته الفلكية وكيف أشار إليه القرآن الكريم؟!
* أولاً: دوران الأرض حول الشمس
1- ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾
اعتقد أكثر الناس خطأً بأن الأرض ثابتة، وأنها مركز الكون حتى القرن الرابع عشر، إلى أن أتى "محمد بن زكريا القزويني" (1386) و"كوبر نيك" (1554) و"غاليلو" (1609) وقالوا بدوران الأرض، ووضع كابلر من بعدها تصوراً صحيحاً للنظام الشمسي. أما التنزيل فقد وصف حركة الأرض والشمس والقمر والنجوم في أبسط وأعمق وأوجز عبارة: (كلٌ في فلك يسبحون)، ولقد رأى أكثر الناس في النصف الثاني من القرن العشرين على شاشة التلفاز كيف تسبح الأرض والنجوم والمجرات في الكون. وتدور الأرض حول الشمس في مدار شبه دائري (اهليلجي) فتجري مسافة عشرة آلاف مليون كلم تقريباً (9600,000,000 كلم) لتتم دورة كاملة حول الشمس وهي السنة الشمسية (365 يوماً، و6 ساعات، و9 د. و9,5 ث).
2- ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا﴾
ومعنى كلمة كفات، سريع، وعليه يصبح المعنى المقصود في الآية الكريمة ألم نجعل الأرض سريعة الدوران، فالأرض تدور حول الشمس بسرعة 29,8 كلم في الثانية وتدور حول نفسها بسرعة 1666 كلم في الساعة عند خط الاستواء و1500 كلم في المناطق القطبية، وهكذا نقول أن القرآن الكريم حدد أن الأرض ليست فقط متحركة، بل سريعة الحركة كما بيّنته الأرقام العلمية لاحقاً في القرن التاسع عشر.
* ثانياً: دوران الأرض حول نفسها
في الوقت نفسه الذي تدور الأرض فيه حول الشمس، تدور أيضاً حول نفسها، وقد رمز القرآن الكريم إلى دوران الأرض حول نفسها في آيات عديدة منها:
1- ﴿إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾
وردت جملة (اختلاف الليل والنهار) في خمس آيات كريمة، منها الآية 190 من سورة آل عمران (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب).
وعندما تتكرر الجملة الواحدة في الآيات الكريمة فإن في ذلك تنبيهاً للقارئ لكي يتدبر المعاني العلمية الكامنة فيها.
فمن معاني (اختلاف الليل والنهار) تعاقبهما وتفاوتهما.
تعاقب الليل والنهار: أي أن الليل يأتي بعد النهار، والنهار يتلو الليل بفعل دوران الأرض حول نفسها بصورة معتدلة. كما نلاحظ من خلال الوقت الممتد بين الغروب والعشاء، والفجر وطلوع الشمس. فلو زادت سرعة دوران الأرض حول نفسها عما قدّرها المولى (107 كلم في الساعة) لحل الليل والنهار فجأة خلال تعاقبهما، ولو نقص دوران الأرض عن سرعته الحالية لحصل العكس. ونلاحظ أيضاً الإعجاز اللغوي في كلمات (نسلخ) و(يغشي) و(حثيثاً) و(عسعس) و(تنفس). في الآيات الكريمة التالية التي تعطي القارئ صورة سمعية وحسية وتكاد تكون بصرية عن تدرج تعاقب الليل والنهار.
﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ﴾(يس: 37).
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف: 54).
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ -، وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ (التكوير: 17- 18).
تفاوت الليل والنهار: كما ذكرنا من معاني (اختلاف الليل والنهار) عدم تشابههما وتفاوتهما بالميزات والخصائص، فلا ليل يتشابه مع آخر ولا نهار مع آخر منذ خلق الله الأرض وحتى قيام الساعة، وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ (الفرقان: 62).
2- إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل.
﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (آل عمران: 27).
الإيلاج هو إدخال شيء في آخر برفق، والمولى سبحانه وتعالى بجعله الأرض مائلة عن محورها العمودي خلال دورانها- وهذا سوف نتعرض لشرحه لاحقاً- حول نفسها يولج جزءاً من الليل في النهار خلال ستة أشهر من السنة فيقصر الليل ويطول النهار (من 21 كانون الأول أطول ليل في السنة، حتى 22 حزيران أطول نهار في السنة بالنسبة للنصف الشمالي من الكرة الأرضية، والعكس من ذلك بالنسبة للنصف الجنوبي من الكرة الأرضية). والمولى سبحانه يولج جزءاً من النهار في الليل خلال ستة أشهر من السنة فيقصر النهار ويطول الليل (من 22 حزيران أطول نهار في السنة- 15 ساعة تقريباً- إلى 21 كانون الأول أطول ليل بالنسبة للنصف الشمالي من الكرة الأرضية والعكس من ذلك بالنسبة للنصف الجنوبي من الكرة الأرضية)، ويتساوى الليل والنهار في 23 آذار تقريباً و23 أيلول تقريباً.
3- امتداد الظل
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾ (الفرقان: 45).
إن طول وقصر وانعدام ظل الأشياء غير الشفافة التي تسقط عليها أشعة الشمس يكون تبعاً لدوران الأرض حول نفسها، ولو سكنت الأرض لسكن الظل، ومبدأ الساعة الشمسية قائم على امتداد الظل وموقعه خلال مختلف أوقات النهار، فالشمس هي دليل الظل، والظل دليل على أوقات النهار.
4- الجبال التي نحسبها جامدة
وأخيراً نتوقف عند الآية الكريمة التي نرى فيها دليلاً قرآنياً على دوران الأرض حول نفسها.
﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون﴾َ (النمل: 88).
تدور الأرض بما عليها من مخلوقات بالسرعة نفسها، لذلك نظن أن الجبال ثابتة، بينما هي في الحقيقة متحركة تحرك السحاب، ولتقريب الصورة من ذهن القارئ يكفي أن نتصور قطارين انطلقا في الوقت نفسه والسرعة والاتجاه، فالراكب في واحد منهما إذا نظر إلى الراكب الموازي له في القطار الآخر يظنه جامداً لا يتحرك.
* معلومات فلكية عن دوران الأرض حول نفسها
تدور الأرض حول نفسها بشكل مائل وليس مستقيم، أي أن محور دورانها حول نفسها يشكل مع محورها العمودي زاوية قدرها 23,37 درجة ومن هذا الدوران المائل للأرض نشأت الفصول واختلف الليل والنهار ولو كان عكس ذلك لحصل التالي:
أ- انعدمت الفصول وتساوى الليل والنهار في كل بقعة من الأرض وفي كل أيام السنة.
ب- لتفاوتت درجات الحرارة بين الليل والنهار تفاوتاً كبيراً؛ بحيث تنعدم إمكانية الحياة على سطح الأرض.
ج- لاختل كل النظام البديع في تصريف الرياح، وتوزيع السحب، والماء في مختلف بقاع الأرض.
وفي الختام لو سكنت الأرض من الدوران لغرق نصف الكرة الأرضية في ليل سرمدي وغرق نصفها الآخر في نهار سرمدي.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ (القصص: 71).
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾َ (القصص: 72).
والحمد لله رب العالمين.