نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

وسواسك: يؤذيك ويؤذيهم

الشيخ إسماعيل حريري

تَكثر في هذه الأيام الأمراض النفسية التي يُبتلى بها الناس، وأبرزها وأخطرها ما يُعبّر عنه بـ"الوسواس القهري" الذي ينتاب الإنسان، بشكلٍ مفاجئ، تأثّراً بحالة معيّنة أو ظرف معيّن، فيأخذ الاهتمام به والانتباه إليه. وشيئاً فشيئاً يقوى عنده ويشتد، فيصل إلى حالة لا يستطيع معها الخروج منه بسهولة وكأنّه يصبح مقهوراً على مماشاته والسير معه وإلّا فإنّه يعيش حالة من القلق النفسي والتوتّر العصبي الذي يُفقده في كثير من الأحيان توازنه العقلاني، واستواءه العقلائي.

*علاقات اجتماعية مضطربة
وما يهمّنا في هذه المقالة المختصرة، ذكر جانب تأثّري مهم من جوانب حياة الشخص المصاب بهذه الحالة المعبّر عنها بالوسوسة وهو الجانب الاجتماعي، أي تأثُّر العلاقات الاجتماعية بحالة الوسوسة التي تنتاب هذا الشخص.
وعندما نتحدّث عن العلاقات الاجتماعية، نعني بها علاقته مع الشريك في الحياة الزوجية، الأصدقاء، الأولاد، زملاء العمل، الجيران، وغيرهم.
ومن المعلوم، أنّ الوسوسة قد تتعلّق بأمر عبادي من صلاة وصوم مثلاً أو ما يرتبط بالعبادة كالطهارة والنجاسة، وقد تتعلّق بأمرٍ آخر كالموت والحساب، أو ببعض الأمور المتعلّقة بعقيدة الإنسان ونظرته إلى ربّه وصفاته.
ومن الطبيعي أنّ كل هذه الحالات تؤثر على سلوك الإنسان نفسه، وعلى محيطه العائلي، بل الاجتماعي كلّه.

*كيف يحصل التأثّر؟
الوسواسي، هو الإنسان الذي لديه حساسيّة نفسيّة شديدة في أمرٍ ما(1). ونتيجة هذه الحالة النفسيّة تلتبس عليه الأمور فيصير أكثر حذراً من الآخرين في كيفية التعاطي معهم، ومن ذلك الوسوسة في النجاسة، ولعلها الحالة الأكثر انتشاراً وتأثيراً في حالات الوسوسة عند الناس.

فالوسواسيّ، في أمر النجاسة، يكون الأصل عنده في كلّ شيء هو النجاسة، وبمجرد أن يلمس شيئاً، شخصاً كان أم جماداً أم مائعاً، يذهب إلى التطهير الفوري بلا أي تردّد، ولو لم يفعل فإنّه سيعيش حالة من القلق، والارتباك، والتوتّر النفسي فكأنّه يخيّل إليه أنه محاطٌ بالنجاسة من جميع الجهات فيتحاشى الناس، ويتأفّف منهم ولا يرغب في زيارتهم. وهذا يجعل الآخرين يبتعدون عنه ويتجنّبون التواصل معه.

*علاقات وسواسي
1 - علاقته مع زوجه
فالزوج الوسواسيّ أو الزوجة الوسواسيّة، تتأثّر علاقته مع الطرف الآخر سواء في العلاقة الزوجيّة الخاصّة أم في مجمل علاقتهما. وهناك علاقات وصلت إلى حدّ القطيعة بين الزوجين في البيت الواحد لأنّ الزوج الآخر لم يعد قادراً على تحمّل ما عليه زوجه من وسوسة تؤدّي إلى فرض نظام حياة متشنّج ومتوتّر وصارم في البيت، وهو لم يعد قادراً على تفهّم هواجس صاحبه، ومماشاته فيما هو واقع فيه. وفي بعض الأحيان، إن لم نقل في كثير من الأحيان، تنتهي العلاقة الزوجية بطلاق وفِراق.

2 - علاقته مع الأولاد

الأم، هي الأكثر تماساً مع أولادها في مأكلهم، ومشربهم، ونظافتهم وسائر شؤونهم البيتية، فإذا كانت تعاني من الوسواس في النجاسة فإنّ هذا الوسواس سينعكس على سلوكها اتجاه أولادها، فعندما يصلون من المدرسة وهم خارج باب المنزل تحملهم فوراً إلى الحمام وتقوم بغسل أبدانهم لتطهيرها من نجاساتٍ، تعتقد أنها وصلت إليهم من ملاقاة الآخرين، وتتبنّى نظرية نجاسة ألبستهم وأبدانهم.

ولنتصوّر حال حياة هؤلاء الأولاد، وما هي الفكرة الخاطئة التي سترسخ في أذهانهم حول الدين وأحكامه والالتزام الديني الذي يصلهم مشوباً بالتعقيد والتشدّد غير المبرَّر في أمر الطهارة والنجاسة.
وحينها، إمّا أن ينشأ الأولاد متأثّرين بأمّهم فيعيشون حياتهم بحيث تنتقل عدوى الوسوسة إليهم، وباعتقادهم أنّ هذا هو الدين، وإمّا يرفضون هذه الحياة، والبديل بنظرهم ترك الالتزام الديني بعد أن اعتقدوا أنه هو ما عليه أمّهم.

3 - علاقته مع زملاء العمل أو الدراسة

والحال هنا لا يختلف، وإن كان بدرجة أقل من الزوج والأولاد، لأنّ زملاء العمل أو الدراسة أو حتى الجيران لا يعيشون مع الوسواسيّ تحت سقف واحد، إلّا أنّ الوسواسيّ بمقدار تماسّه مع الآخرين سيؤدّي إلى تجنّب الآخرين له، واعتزاله لهم في نهاية المطاف وبالتالي سيؤثر سلباً على العلاقات بينهم.
وحاصل حياة الوسواسيّ الاجتماعية، أنها حياة غير مستقرة، فيها الكثير من التوتّر واللااستقرار وتكاد تكون حياة انعزالية تحكمها هواجس المراقبة، والحذر الشديد في التعاطي.

ولا يخفى أنّ الوسواسيّ، بما هو عليه من سلوك، تحكمه هذه النفسيّة؛ فهو دائماً يرى الجانب الفارغ من الكوب، والجانب السلبي من تعاطي الآخرين معه، وينظر إلى أيّ انتقاد له، ولو لمحاولة مساعدته، تعدياً عليه وتعريضاً به لإسقاطه وضربه؛ فيواجهه بعداوة ليدافع عن نفسه، حسب اعتقاده.

*سُبُل التعاطي
الإسلام يرفض أن يكون الإنسان وسواسيّاً لأنّ الوسوسة من الشيطان، وقد دعا إلى مواجهته وعدم الاستسلام له أبداً، بل بيّن سُبُل المعالجة التي يمكن أن يقوم بها الوسواسيّ بنفسه لتعينه على الخروج من الوسوسة، مضافاً إلى ما يقوم به الآخرون لمساعدته. ومن ذلك:

1 - أن يدرب الوسواسيّ نفسه على عدم الاهتمام بشكوكه مهما كانت لأنّ النفس تنقاد إلى ما تعوّدته، فكما اعتادت على الأخذ بالشكوك، فلتعتد على العكس حتى يخرج عن حالة الوسوسة.

2 - أن يتحمّل محيطُ الإنسان الوسواسيّ سلوكه ويرأفوا به، ويأخذوا بيده من خلال إرشاده بالحسنى والكلمة الطيّبة، بعيداً عن القساوة التي قد تعطي مفعولاً عكسياً عند كثيرين. نعم إذا قُدِّر أن القساوة بدرجة ما تساعد الوسواسيّ في التخلّص من مرضه فليكن، لكنها ليست القاعدة، بل القاعدة هي الحسنى والحكمة.

3 - الاستعانة بالله تعالى قبل كل شيء، والأخذ بالأذكار التي وردت في الروايات منها:
أ- ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ آدم عليه السلام شكا إلى الله عزَّ وجلَّ ما يلقى من حديث النفس والحزن، فنزل جبرائيل عليه السلام فقال له: "يا آدم، قل: لا حول ولا قوة إلّا بالله، فقالها، فذهب عنه الوسوسة والحزن"(2).

ب- صوم ثلاثة أيام معيّنة من كل شهر قمري، فقد ورد أنها تذهب بوخز الصدر (الوسوسة) وهي أول خميس وآخر خميس منه، وأول أربعاء من العشر الثانية من الشهر كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(3).

ج- ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: أنَّ رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه الوسوسة وحديث النفس وديناً قد فدحه والعِيلة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قل "توكّلت على الحيّ الذي لا يموت، والحمد لله الذي لم يتّخذ ولداً ولم يكن له شريك في المُلك ولم يكن له وليّ من الذلّ وكبّره تكبيراً، وكرّرها مراراً، فما لبث أن عاد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله قد أذهب الله عني الوسوسة وأدّى عني الدَّين وأغناني عن العِيلة"(4).

د- في وصيّة أمير المؤمنين علي عليه السلام لكميل بن زياد: "يا كميل إذا وسوس الشيطان في صدرك فقل: أعوذ بالله القوي من الشيطان الغويّ، وأعوذ بمحمد الرضيّ من شرّ ما قدَّر وقضى، وأعوذ بإله الناس من شرّ الجِنّة والناس أجمعين، وسلِّم تُكفَ مؤونة إبليس والشياطين معه ولو أنهم كلّهم أبالسة مثله"(5).

هـ - بعض الصحابة شكا الوسوسة فقال: "يا رسول الله، إنَّ الشيطان قد حال بيني وبين صلواتي يُلبسها عليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذلك شيطان يقال له: خَنْزَب، فإذا أحسست به فتعوّذ بالله منه، واتفِل عن يسارك ثلاثاً. فقال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني"(6).

نعوذ بالله تعالى من وساوس الشيطان الرجيم ونسأله العون على مواجهته والخلاص منه إنه سميعٌ مجيب.


1- مقتبس من أجوبة الاستفتاءات، ج1، ص90، جواب سؤال 311.
2- أمالي الصدوق، الشيخ الصدوق، ص637، ح855/5.
3- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج2، ص82، ح1786.
4- مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص328.
5- مستدرك الوسائل، الميرزا حسين الطبرسي، ج6، ص425.
6- م.ن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع