مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الوسوسة: موعد مع العذاب

الشيخ موسى خشّاب

لا نبالغ إن قلنا إنّ "الوسوسة" موعد مع العذاب حين كلّ صلاة، بل في كل ساعة من ساعات اليوم يسعى فيها المصاب بالوسوسة ليضمن بقاء الطهارة في بدنه وثوبه دون جدوى، مع ما يبذله من جهد جسدي، ويضيّعه من وقت ومال. والسؤال هل لهذا المرض من علاج؟ وما هي طريقة علاجه؟ أسئلة سنتعرّف إلى إجاباتها من خلال هذه المقالة المفصّلة.

*احتياط أم وسوسة؟
من المؤكد أن الموسوس ينفي إصابته بمرض الوسواس ولا يعترف أنه كذلك أمام الآخرين. فليس أمراً محبذاً له أن يظهر أمام الآخرين أنه لا يحسن الوضوء الذي هو عبارة عن غسلتين ومسحتين، أو أنه لا يُحسن التلفّظ بكلمة محدّدة في الصلاة، كتكبيرة الإحرام أو الضالين، في حين أنه يتكلّم بطَلاقة خارج الصلاة. وإذا ما تمّ ضبطه بالجرم المشهود فإنه يقول إنه محتاط، ويضع كل أشكال الوسوسة المعروفة والشائعة تحت مظلّة الاحتياط. ثم لا يجد وسيلة للدفاع عن نفسه إلّا الهروب إلى الأمام، حين يتّهم كلّ من لم يكن مثله ومجارياً له في فعله بأنهم مستخفّون بأمور الدين.

على أنه من الواضح وجود فرق كبير بين الموسوس والمحتاط. فالمحتاط يتّبع أوامر الله تعالى من خلال اتباع الشرع الحنيف في احتياطه، في حين أن الوسوسة هي اتباع لخطوات الشيطان وطاعة له.

قال الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ (النور: 21)، في رواية عن عبد الله بن سنان قال: "ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد الله: وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله الذي يأتيه من أي شيء هو، فإنه يقول لك من عمل الشيطان"(1).

* أنا له... في عبادته!
وفي رواية عن الإمام السجاد عليه السلام: "كان عابد من بني إسرائيل فقال إبليس لجنده: مَن له فإنه قد غمّني؟ فقال واحد منهم: أنا له، فقال: في أي شيء؟ قال: أزيّن له الدنيا، قال: لستَ بصاحبه، قال الآخر: فأنا له، قال: في أي شيء؟ قال: في النساء، قال: لست بصاحبه؛ قال الثالث: أنا له، قال: في أي شيء؟ قال: في عبادته، قال: أنت له"(2).

فالشيطان رسم خريطة لإغواء ذلك العابد من خلال العبادة. وهو نفس الطريق الذي يأتي من خلاله إلى الموسوس. وهو الأسلوب المضاد للأسلوب الإلهي الوارد في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (الحج: 78) وقوله تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ (المائدة: 6) إذ يُعتبر إيقاع الإنسان في الحرج من خلال الوسوسة هو المقدمة الأساسية لإخراج هذا الإنسان من حزب الرحمن وإدخاله في حزب الشيطان. هذا الحرج في المال، وفي الوقت، وفي الجهد. فالموسوس يحتاج إلى كميّات مضاعفة من المياه، ويقوم بتلف الكثير من الأجهزة، ويحتاج إلى وقت أطول للقيام بأفعاله العباديّة وإلى جهد يصل إلى حدّ المشقّة حيث تتحوّل العبادة إلى عبء عليه ما يجعله على مسافة قريبة جداً من التخلي عن الالتزام الديني إن لم تتداركه الرحمة الإلهية. وهذا ما شهدناه في العديد من الحالات المصابة بهذا الداء الخطير.

*اكتشاف المرض
من المهم أن نشير إلى الكيفية التي يكتشف بها الإنسان أنه مصاب بذلك المرض الخطير كي لا يبقى مختبئاً تحت مظلّة الاحتياط، كذلك كي يكتشف من كان مرضه بهذا الوسواس إن كان ما زال في بداياته، وكي يتوقى منه من كان لديه القابلية للإصابة به.

كي يكتشف الشخص أنه موسوس أم لا، لا بدّ أن يجري اختباراً بسيطاً بشكل ذاتي ليدرك إن كان من ضمن هذه الفئة أم لا. مع الالتفات إلى أن درجة الإصابة بمرض الوسوسة تتفاوت بين شخص وآخر بشكل بسيط، ومحدود. والخطوة الأولى في العلاج هي اكتشاف المرض. ولا بدّ أن نوضح أن المكلفين ينقسمون إلى قسمين:
- الأول: هم كثيرو الشك.
- والثاني: هم مَن ليسوا كذلك، حتى لو كانوا يشكّون كما هو الحال مع غالبية الناس. ولكن لا يدخلون في دائرة القسم الأول. وحتى يتّضح الأمر لا بدّ أن نبيّن من هو كثير الشك.

*كثير الشكّ
ليس من الصعب تحديد الشخص كثير الشكّ، وقد ذكر بعض الفقهاء ومنهم الإمام "روح الله الخميني قدس سره" أن كثير الشكّ هو الذي يتكرّر منه الشكّ في الركعات والأفعال أو الشرائط بنحو يتجاوز المألوف. والمرجع في تحقّقه العرف، ولا يبعد تحقّقه إذا لم تخل منه ثلاث صلوات متتالية(3): أي الشكّ في واحدة من كل ثلاث صلوات متتالية على الأقل، يمكن أن يُعدّ صاحبه "كثير الشكّ". (سواء كان شكّه في أنه قد أتى بالفعل أم لا، أو أنه هل أبطل صلاته أم لا، أو شكّ في عدد الركعات، أو أنه هل ركع أم لا، أو أنه شك أنه قد ركع مرّتين أم لا، أو أنه قد تلفظ بالكلمة بشكل صحيح أم لا).

والآن، إذا كنت كثير الشكّ ولو بواحد من الأمثلة التي ذكرت أو غيرها، عليك أن تنتقل إلى المرحلة التالية وهي إجراء الاختبار (ملحق بآخر المقال).

*علاج الوسوسة
فإذا عرفت وجود مرض الوسوسة لديك، وأنه ليس من الاحتياط في شيء، وعرفت خطورته على دينك وآخرتك، لا بدّ أن تفكر بشكل جدي بمعالجته وصولاً إلى الشفاء التام على يدي أطباء النفوس محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين. وهل يوجد في عالم الوجود من هو أمهر منهم صلوات الله عليهم في معالجة أمراض النفوس؟ لكنك دون شك تعلم أن الشفاء يعتمد على تجاوب المريض مع طبيبه وعلى اتباع إرشاداته وتعاليمه، لذا لا بدّ من اتباع الأمور التالية:

1 - جدّد الثقة بطبيبك الإلهي الرباني وأكد في نفسك أنه قادر على أن يشفيك من مرضك بشكل قاطع ونهائي.

2 - اعلم أن العلاج يحتاج منك إلى عزم وإرادة وتحمّل للآلام النفسية المرافقة له دون تراجع.

3 - اختر اللحظة المناسبة التي سوف تبدأ فيها بتطبيق العلاج بحيث لا يشغلك عنه شيء واجلس في غرفة هادئة بمفردك وقم بالأمور التالية:
أ- تخيّل لو أن حياتك من دون وسواس كم ستكون مريحة وسعيدة وقارن ذلك مع وضعك الحالي.
ب- عدّد الأمور المبتلى بها واحداً تلو الآخر وتصور نفسك تقوم بالفعل الصحيح دون وسوسة، مثلاً: إن كنت تغسل وجهك عدة مرات تخيّل أنك تقوم بغسله مرة واحدة وتكمل الوضوء.

4 - تضرّع بشكل دائم، أثناء العلاج، إلى ساحة الحق المتعالي، والتجئ إلى ذاته المقدّس من شر ذاك الملعون ومن شر النفس واستعذ بالله منه، وهو يعينك عليه.

5 - بعد تحقيق هذه المقدمات نبدأ بتطبيق العلاج الوارد على لسان أهل بيت العصمة والطهارة. فعن الكافي بإسناده عن زرارة وأبي بصير قالا: "قلنا له: الرجل يشك في صلاته حتى لا يدري كم صلى، ولا ما بقي عليه، قال: يعيد، قلنا له: فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شكّ، قال يمضي في شكه ثم قال: لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتُطمعوه فإن الشيطان خبيث يعتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم ولا يُكثرن نقض الصلاة، فإنّه إن فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك. قال زرارة، ثم قال: إنما يريد الخبيث أن يُطاع فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم"(4).

وفي رواية أخرى عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: "إذا كثر عليك السهو، فامضِ في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك، إنما هو من الشيطان"(5).

*جوهر العلاج
إذاً، جوهر العلاج هو أن تمضي في عملك، وتفصيله كالآتي:

الخطوة الأولى: أن تتجاهل الفكرة الوسواسية بشكل تام فلا تفكر بها.

الخطوة الثانية: أن لا تجعل الوسواس يحول بينك وبين العمل، فلا تمتنع عن أي فعل عبادي تريد أن تقوم به هرباً من الوسواس.

الخطوة الثالثة: أن تثبت على عملك ولا تقطعه أو تعيده بأي شكل من الأشكال حتى تتمّه وتنهيه. كذلك عليك أن لا تتحقق من صحة وسواسك بعد العمل.

الخطوة الرابعة: المداومة على العلاج، والاستمرار، وعدم التراخي في حال حصول تحسّن كي لا يعاود الوسواس التسلّط عليك من جديد.

*دواؤك تكليفك
أخي العزيز، تذكّر جيداً أن الأحكام الشرعية المتعلقة بك تختلف عن أحكام سائر المكلفين تماماً كالدواء الذي يعطيه الطبيب للمريض المبتلى بمرض معين يختلف عن مرض الآخرين. فلا عليك أن تعمل بالأحكام التكليفية لغير كثيري الشك، بل عليك أن تعمل بتكليفك الشرعي الذي أمرك الله به فلا تنصب نفسك مشرعاً وتفتِ لنفسك أحكاماً خاصة. ولا تعمل بما يمليه عليك الوسواس، بل اعمل بما يمليه عليك ربك الذي يريد بك اليسر. والمأمول إن شاء الله تعالى أن تشفى من هذا المرض الخبيث كما وعد أهل بيت العصمة والطهارة. وما عليك سوى أن تتبع العلاج لتطرد عنك الوسواس وتكون على موعد مع الراحة بدل العذاب.


1- الكافي الكليني، ج1، ص12.
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج60، ص270.
3- تحرير الوسيلة، الإمام الخميني، ج1 ص 207.
4- الوافي، الكاشاني، ج8، ص997.
5- م.ن، ص998.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

لبنان

ميرنا

2020-08-03 14:37:46

ماجورين مولانا