مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

داء الوسوسة والعلاج

الشيخ محسن عطوي(*)

يُعتبر السلوك المعتدل للفرد مؤشّراً إلى سلامة قواه النفسيّة، ومعياراً للحكم عليه بالاتزان. فيما الإفراط في بعض التصرفات، هو على العكس من ذلك مؤشّر لاضطرابها. فمن يبالغ في الغيرة، أو النظافة والطهارة، أو في تكرار التأكد من إغلاقه الباب أو الموقد، أو في العناية بهندامه، فهو مصاب في نفسه ومبتلى بما يعرف بالوسواس، ما يجعله يعيش في وضع مؤلم ومربك له ولمن حوله، بل ومرفوض ومستنكر منه ومنهم.

*الوسواس في اللغة والاصطلاح
الوَسواس في اللغة مأخوذ من: وَسْوَس، ومصدره: وسواساً ووِسوسة، أي: حدّث حديثاً خفياً، والاسم منه: وَسواس. ومن معانيه: الكلام الخفي في اختلاط، أي: المضطرب وغير العقلائي. وأيضاً، يقال: وُسْوِسَ بِهِ: اخْتَلَطَ كَلاَمُهُ وَدُهِشَ. ووَسْوَسَ الرَجلُ: إذا تكلم بكلام لم يبيّنه(1)، لاضطرابه وتشوّشه.

أما في الاصطلاح، فهو في علم النفس يقرن عادة بصفة (القهري). وقد جاء في موقع (webteb) الإلكتروني تعريفه هكذا: "الوسواس القهري (أو الاضطراب الوسواسي القهري..) هو نوع من الاضطرابات المرتبطة بالقلق، تتميّز بأفكار ومخاوف غير منطقيّة (وسواسيّة) تؤدي إلى تصرّفات قهريّة. والأشخاص المصابون به يكونون، أحياناً، واعين لحقيقة أن تصرفاتهم الوسواسيّة ليست منطقية، ويحاولون تجاهلها أو تغييرها. لكن محاولاتهم هذه تزيد من احتدام الضائقة والقلق أكثر(2).

ولا يخفى أن المعنى اللغوي المتقدّم الذي وصّف "الوسوسة" بأنها تخليط في الكلام وأن "الوسواسي" يصيبه (الدهش) الذي يعني صدور تصرّفات غير عقلائية، قريب جداً من هذا المعنى الاصطلاحي.
ويكاد يكون هذا المعنى هو نفسه المراد بالوسوسة، في لغة الفقهاء والمتشرعة. إذ رغم اقتصارهم فيها على الجانب العبادي، فإنّ ما ذكروه عن طبيعتها، وأسبابها، وعلاجها لا يختلف عن سائر الجوانب الأخرى التي تتجلّى فيها اضطرابات الوسوسة.

*أسباب الوسوسة وعوارضها
لقد تحدّثتْ بحوث علم النفس باستفاضة عن الوسواس القهري، لجهة الأسباب والعوارض، ورغم إقرار علم النفس بأنه "لم يصل في بحوثه بعد إلى مسبّب صريح وواضح، فإنّه أشار إلى نظريّات ترجع أسبابه إلى عوامل "بيولوجية" أو "وراثية"، ومن ذلك حدوث نقص في مادة السيروتونين التي يؤثر نقصها على عمل الدماغ، أو إلى عوامل "شخصية" لها علاقة بعادات وتصرّفات ينتج عنها الوسواس"(3).

أما العوارض فهي "تتمثل في تصرّفات متكرّرة مراراً، نتيجة لرغبات ودوافع جامحة يصعب السيطرة عليها. وهي تتجلى وتظهر في أمور عديدة مثل: خوف من التلوث وحرص مفرط على النظافة، أو شكوك حول إقفال الباب أو إطفاء الموقد، أو خوف من العدوى من الجراثيم ونحوها، أو خوف من التقصير في التزام الواجب الديني المطلوب، أو تخيلات وأمور أخرى".

*ضغوط الحياة ضاعفت الوسوسة
وفي إطار اندفاع الوسواسي في الاستجابة لإلحاح هذه الأفكار القهرية، فإنه قد يؤذي جسده بأمور مثل: حدوث التهابات، وتسلخات في الجلد نتيجة تكرار غسل اليد، مبالغة في تطهيرها ونظافتها، أو تساقط شعره نتيجة قيامه بنتف شعره في بعض الحالات، أو شعور بالاكتئاب، وأمور أخرى على هذا النحو(4).

بَيْد أنه قد لاحظنا أن التوتر الذي يصيب الإنسان الحديث جراء ضغوط الحياة المختلفة يكاد يكون من أهم أسباب القلق، وحين يتعاظم هذا القلق قد ينجم عنه اضطراب الوسواس، وقد يتعاظم هذا الوسواس فيصير من نوع الوسواس القهري. ذلك أن مقارنة بسيطة بين اهتمامات ومخاوف إنسان بدايات القرن المنصرم وما قبله، وبين اهتمامات ومخاوف الإنسان المعاصر، تبيّن لنا أن التطوّر الذي شهده قد جعل اهتماماته ومطالبه ومخاوفه كبيرة بما يكاد يفوق التصوّر، حيث صار منذ نعومة أظفاره يعيش ضغوطاً تربويّة في ضرورة اهتمامه بأعراف وتقاليد كثيرة، وضغوطاً ناجمة عن برامج التعليم التي يتعاظم همّها على نفس الولد الغضّة كلّما تقدمت مرحلته الدراسية، وضغوطاً لها علاقة بمخاوف على صحته وأمنه ومستقبله.

إنّ جميع ذلك قد عاينّا آثاره، رغم أننا لا نمانع أن يكون الذين أصيبوا منهم بالوسواس إنما أصيبوا به جرّاء وجود استعداد بيولوجي أو غيره من الأسباب التي عرض لها علماء النفس.

*علاج الوسواس
أما عن العلاج، فيمكن القول إن الوسواس الابتدائي العارض يمكن علاجه، أما الحالات من الوسواس القهري المستحكم فقد ذكر علماء النفس أن العلاج يصبح عملية معقدة وغير مضمونة النجاح في جميع الحالات. وفي بعض الأحيان، قد تكون هنالك حاجة إلى علاج متواصل يستمر مدى الحياة. وبينوا أن ثمة نوعين من العلاج هما: العلاج النفسي والعلاج الدوائي، وأن العلاج الأفضل منهما يختلف من مريض إلى آخر، وقد يحتاج الأمر إلى كلا الوسيلتين(5).

*خطوات العلاج
وفي هذا الصدد رأينا من بعض الملاحظات لحالات بعض المبتلين بالوسوسة أموراً نافعة في علاجها والوقاية منها، وهي ما يلي:

أ- قد ينتفع الوسواسي في الأمور العبادية إن ركّزنا في توجيهنا له، على أنّه إن كان في تدقيقه المفرّط يحرص على نيل رضا الله تعالى، فإنّ الله يرضى منه بأقلّ من ذلك، كما نؤكّد له أن وسواسه قد يؤدي إلى بطلان العمل، فيقع في ضدّ ما يهدف إليه، وهو أنّه ينال غضب الله تعالى بدلاً عن رضاه، وربّما من أجل ذلك وُصف في بعض الأحاديث أنه "يطيع الشيطان"(6).

ب- على الآباء والموجّهين أن يقيموا مع الفتية والفتيات، في بدايات سن التكليف، علاقات هادئة ومتوازنة وبنّاءة، وأن يخفّفوا عنهم قدر الإمكان من دواعي القلق وضغوط الحياة، وأن يحبّبوا لهم الحياة، والمعاني السامية بأساليبهم التربويّة الحكيمة، بدلاً من أن يحوّلوها إلى كابوس يتعاظم ليتحوّل إلى مرض نفسي ينغّص حياتهم، ويهدّد مستقبلهم.

ت - حيث إن للقلق علاقة بالوسواس القهري، فإنّ من الضروري لمن يعاني من الوسواس العادي أو القهري أن يحرص على التخفيف من الضغوط المحيطة به، كالتي تنتج عن وضع عائلي مربك، أو وضع دراسي صعب، أو غيرهما. وذلك بأن يبتعد عن موجبات القلق، أو أن يوطّن النفس على تحمّلها، وأن ينأى بنفسه عن استماع المشاكل والأمور المؤلمة والحزينة، وأن ينظّم أوقات نشاطاته المعتادة، وبخاصة مواعيد أكله ونومه، وأن يقلل من السهر ويحرص على النوم ليلاً ومبكراً، وأن يدع تناول المنبهات، وأن يلتزم التنزه والرياضة، وأن يمارس هوايات بعيدة عن العنف والتوتر، فيشاهد من التلفاز برامج وثائقيّة أو كوميديّة، ويتجنب الدراما أو ما يشبهها.

وعلى العموم، فإنه كلما جلب لنفسه الهدوء والطمأنينة، وأبعدها عن دواعي التوتر والقلق، سيكون أبعد نفسه عن العديد من أنواع الاضطرابات النفسيّة، وربما على رأسها الوسواس.

ث - لا شك في أن للتقوى والتزام توجيهات الشريعة، وخصوصاً في توجيهاتها الأخلاقية وآدابها الاختيارية على صعيد المستحبات والمكروهات، دوراً مهماً على صعيد تحقيق التوازن في السلوك والطمأنينة النفسية، ما يساهم في مواجهة بواعث القلق والوسواس والسيطرة عليهما، وذلك انسجاماً مع قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد: 28)، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (الأنفال: 24).

وأخيراً، فإن نفوسنا أمانة بأيدينا، وقد أرادها الله تعالى مطمئنة، وأداة لإفاضة السعادة فينا، وهي إذ تمرض كما يمرض الجسد، فإنّ علينا أن نرعى حقها علينا، سلامةً تُسعدنا وتسعد من حولنا فيها، وطريقاً إلى رضوانه تعالى وجنته.


(*) كاتب وباحث إسلامي.
1- تاج العروس، الزبيدي، ج9، ص13.
2- الوسواس القهري، موقع: www.webteb.com الإلكتروني (بتصرف يسير).
3- م.ن.
4- م.ن.
5- م.ن.
6- الكافي، الكليني، ج1، ص12.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع