نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

اكفنا شرّ الوسواس الخنّاس

الشيخ د. إبراهيم بدوي

قال الله تبارك وتعالى:
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (سورة الناس).
يحذّرنا الله تعالى في هذه السورة المباركة من عمل الشيطان وتأثيره فينا، ويدعونا إلى التحصّن منه بذكر الله، والاستعاذة به منه.

*في اللغة
الوسواس في اللغة هو فاعل الوسوسة، وهي: مِنْ جِنْسِ الْوَشْوَشَةِ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ . يُقَالُ: فُلَانٌ يُوَشْوِشُ فُلَاناً، وَقَدْ وَشْوَشَهُ، إذَا حَدَّثَهُ سِرّاً فِي أُذُنِهِ.
إلّا أنّ الوشوشة قد تكون بأمر صالح فيه خير، وقد تكون بأمر طالح فيه شرّ، أما الوسوسة فلا تكون إلّا بما فيه شرّ ومعصية.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما مِن مُؤمِن إلّا ولِقَلبِهِ أُذُنانِ في جَوفِهِ: أُذُنٌ يَنفِثُ فيهَا الوَسواسُ الخَنّاسُ، وأُذُنٌ يَنفِثُ فيهَا المَلَكُ، فَيُؤَيِّدُ الله المُؤمِنَ بِالمَلَكِ، فَذلِكَ قَولُهُ: ﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوح مِّنْهُ (المجادلة: 22)"(1).
ثم إنّ الوسوسة قد تكون من الشيطان، أي من موسوسٍ خفيّ لا نراه، وقد تكون من موسوسٍ ظاهر نراه، وهو الإنسان. ولذلك قال تعالى: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ. فالجِنّة هي المخلوقات الخفية، من جنّه الليل إذا ستره وغشيه.

*الخنّاس يختفي ويبرّر
وأما الخنّاس فقد ذكر له معنيان:
الأول: هو الذي يوسوس ثم يخنس، أي يختفي. فهو "منبسط على قلب الإنسان، فإذا ذَكَرَ الله سبحانه خنس وانقبض، وإذا غفل انبسط"(2).

الثاني: هو الذي يوسوس بالشر مع ذكر التبرير له والدليل عليه. يقول العلّامة المظاهري:
معنى الخناس: الوسوسة مع التبرير... وبعض الوسواسيين على هذه الشاكلة فلا يقولون: عملُنا حرام أو غُسلنا باطل، بل يقولون غُسلنا صحيح، ولكن الناس نَجسون ونحن طاهرون(3).
ومن الواضح أن هذا المعنى أخطر بكثير على الإنسان لأنه يوهمه بأنه محق، وأن الآخرين على باطل، ولذلك يصبح لديه مناعة من قبول النصيحة والانزجار عما هو فيه.

*مدى تأثير الوسواس
تأثير الوسواس على الناس يختلف شدةً وضعفاً من شخص لآخر بحسب استعدادهم لقبول الشر. فعمله يشبه الريح التي تهب على جميع الناس، فمن يفتح بابه لها تدخل إلى بيته وتعبث به وتخربه، ومن يوصد أبوابه في وجهها يسلَم من شرِّها.

* بماذا يوسوس لنا الخنّاس؟
يعتمد الوسواس الخنّاس طريقة التدرّج في إغواء الإنسان، فيبدأ معه في الصغير من الأمور لينتهي إلى أكبر الكبائر. وذلك على الترتيب التالي:
1 - ترك الفاضل من العمل إلى المفضول.
2 - ترك الواجب إلى المباح.
3 - فعل الحرام، من المعاصي الصغيرة.
4 - فعل الكبائر، وترك الواجبات.
5 - تحريف عقائده وزلزلة إيمانه.
6 - تزيين البدعة له ليضلّ بها عباد الله تعالى تحت عنوان هدايتهم.
7 - تحويله إلى وسواس مثله يدعو إلى الشر.

وكلّما أطاعه الإنسان في أمر يزداد قدرة على التأثير فيدعوه إلى ما هو أكبر منه حتى يبلغ المرتبة القصوى. والعكس صحيح، فكلّما عصاه في أمر ضعفت قوته حتى لا يعود له عليه أي سلطان.

*ميدان عمل الوسواس
ميدان عمله هو الفكر الإنساني، وهذا معنى أنه يوسوس في صدور الناس، وهو المعبّر عنه في الآيات بالإيحاء: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِم (الأنعام: 121).
﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَالله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 268).

*وسائل الوسواس
وسيلة عمل الوسواس العواطف والإحساسات الداخلية، فهو يلقي الأوهام الكاذبة والأفكار الباطلة في النفس الإنسانية. وتقوم في الغالب على أنواع الإيحاء والتأثير على الوهم وعلى المدارك وذلك من خلال ما يقوم به من التسويل للنفس والحديث إليها، فيمنّيها، ويعدها، ويبرّر لها. وذلك عبر أحد الأمور التالية:

1 - التزيين:

بأن يجمِّل ويزيّن لهم فعل الشر.
﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون (الأنعام: 43).
﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ (الأنفال: 48).


2 - الإغواء:
﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (ص: 82).
والإغواء يكون بالإضلال عن طريق الحق وذلك بأنْ يدعوهم لسلوك طريق آخر فينحرفون عن جادة الحق والصواب. فيدعوهم مثلاً لترك الكسب الحلال وأكل المال الحرام، ثم يدعوهم لصرف ما يكسبونه في الحرام أيضاً، وبهذا يضيع العبد عن الطريق، فهذه هي الغواية بمعنى الضلالة. ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (الأعراف: 16-17).

3 - النسيان:
فعندما يشغل الوسواس قدراتنا الذهنية بالوساوس والأوهام والأفكار وما شابه ذلك ننسى بعض الأشياء الهامة كذكر الله تعالى مثلاً، فينسب النسيان إليه بهذا الاعتبار.
﴿وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين (الأنعام: 68).
﴿فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ (يوسف: 42).


4 - التخويف:

﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين (آل عمران: 175).
فهو يؤثر على الوهم، فيجعلنا نتخيّل أشياء لا واقع لها، أو يخوّفنا من أعداء الله، أو يخوّفنا من الفشل، أو يخوّفنا على رزقنا وعيالنا فيدعونا إلى الجبن والطمع والحرص والعداوة.

*طرق المواجهة
المواجهة والتخلص من تأثير الوسواس لها برنامج عمل مفصّل يتكون من عدة أمور لا بدّ من الالتزام بها، ونقتصر هنا على أبرزها، وهي بعد الإيمان بالله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والعقائد الحقّة:
1 - العزم على عدم طاعته وعدم الانخداع به.

2 - الاستعاذة منه دائماً والتوكّل على الله.

﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (النحل: 98-99).
﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِالله إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (فصلت: 36).

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الشيطان ليجثم على قلب بني آدم، إذا ذكر العبدُ الله، عزَّ وجلّ، خنس، أي رجع على عقبيه، وإذا غفل عن ذكر الله وسوس"(4).

3 - قراءة القرآن: فإنّ كلام الله يحمل النفس على الابتعاد عن تأثير الشيطان ويقوّي فينا الوثوق بالله تعالى. فعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "إنه ليعجبني أن يكون في البيت مصحف يطرد الله عزَّ وجلّ به الشياطين"(5).
ومن القرآن سورة الناس المتقدّم ذكرها.


1- الكافي، الكليني، ج2، ص267.
2- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، محمد بن جرير، ج30، ص462.
3- الفضائل والرذائل، المظاهري، ص62.
4- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج67، ص49.
5- الكافي، الكليني، ج2، ص613.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع