كنت أجلس إلى جانب جدتي التي كانت تُسمعني من نسج خيالها شعراً ونثراً "مكسراً"... وحينها لم أكن أفهم اللغة العربية الفصيحة حتى "أتضايق" أو "أنفر" من شعرها، لكن الذي كان ينعشني أنها تتكلم "العربية" التي "أفهم"...
ورحلت جدتي وتركت لي من ذكراها أنها لم تتخل عن "عربيتها" وظلت متمسكة بلهجتها و"لكنتها المعهودة" طالما أنها تربّت في هذا البلد الذي أعرف أن لغته "عربية"، وأوصتني أن لا أترك هذه اللغة حتى ولو مرت الأيام "وسافرت إلى أي بلد"، فلغتنا "تقول جدتي" هي أجمل لغة...
أما وقد مرت الأيام، ونزلت إلى "العاصمة" لأرى "الحضارة والتمدن، والتقدم، والرقي"، فسرت في شوارعها ودخلت إلى محلاتها وشاهدت محطاتها "المرئية المسموعة"، ما استوقفني هو لهجة ولكنة أهلها، فبين الـ"بونجور" و"أورفوار" جمل لم أسمعها في "قريتي غير الصغيرة"، تارة أسمع منادياً من إحدى الشرفات لصديقه "هل أنت ذاهب إلى الـ"ميزون"، وتارة أخرى أسمع امرأة تنادي زوجها أين الـ"آنفون"، وهل رأيت الـ"صولد" وأعطني الـ"كرايون"، و.....
تعجبت من نفسي: فلعلي خرجت من حدود بلدي ولا أدري... فسألت أحدهم هل نحن في لبنان؟ قال باستهزاء "وي، مونسيور"، وسألته هل أنت لبناني قال لي "وي، بوركوا" فتركته مسرعاً وأنا أتذكر شعراً نقلته جدتي عن شاعر "ولم تُكسَّره هذه المرّة".
لغة إذا وقعت على مسامعنا |
كانت لنا برداً على الأكباد |
ستظل رابطة تؤلف بيننا |
فهي الرجاء لناطق بالضاد |