مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

بين الـ Bonjour وال bye لغتنا العربية تبحث عن هويتها

هنادي سلمان‏

 



لا شي‏ء أصعب من أن ننظر إلى الحقائق ونتعامى عنها، ولا شي‏ء أخطر من أن نرى الخطأ فنخاله صواباً من هذا الخطر ما يلحق اليوم بمجتمعنا العربي مع التغيرات التي شهدها في السنوات الأخيرة. فنحن كأمة عربية تقبّل الكثيرون منا الآخر بكل حسناته ومساوئه حتى أصبحوا آلة مبرمجة على نغمات غربية، وهذا التقبل للآخر لم يقتصر على ميدان واحد، لأن الاستلاب الغربي تغلغل كافة ميادين حياتهم، بل وحتى لغتهم التي هي رمز دينهم وعروبتهم، وعليه نجد أننا أمام واقع لا بد وأن نعترف بوجوده وهو سيطرة اللغات الأجنبية على حياتنا حيث نراها شائعة الاستعمال إلى الحد الذي جعلها تطغى على لغتنا الأم.

* أسباب سيطرة اللغات الأجنبية على العربية:
إن هذه السيطرة كانت نتيجة طبيعية لوجود عدة عوامل تضافرت منذ سنوات طويلة فالمجتمع العربي كان، وما زال، هدفاً للاستعمار والاستكبار العالمي الذي كان جلّ هدفه الغزو الثقافي قبل الغزو العسكري. كما إن الدوافع الخفية لحرب الغرب على الأمة العربية والإسلامية هي ذات أبعاد سياسية وثقافية وأخلاقية، إذ أنها تستهدف ثروات ومدَّخرات هذه الأمة إضافة إلى سلبها أثمن ما تملك، كدينها وكنوزها الثقافية والأخلاقية، و"الحرب الثقافية هي أخطر وألعن من الحرب الساخنة لأن الأخيرة تعبئ الجماهير بينما الأولى تشل الإرادات حيث تتسلل بمكر، وتدريجياً، وتدق بمطرقتها بإلحاح واستمرار على الأذهان والعقول والأذواق فتسممها ليصبح المرء عبد قيم وأخلاقيات مستوردة غريبة"(1). وفي مقال لرئيس تحرير صحيفة اللوموند الفرنسية نجد ما يشير إلى المحاولات التي تقوم بها أمريكا في هذا المجال "فلغتها وقيمها ونتاجاتها الثقافية أخذت تهدد بلدان العالم كله في هويتها الثقافية"(2).

* اللغة العربية واقع مؤلم‏
وكما هو معلوم أن للغة العربية أهمية بالغة فهي أولاً لغة الدين الإسلامي الشريف ولغة القران الكريم ﴿وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل/103)، ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِين (الأحقاف/12). وهذه اللغة العربية تسير إلى مصير مجهول المعلم، إنها تتدهور شيئاً فشيئاً أمام لغات غريبة تتسلل إلى كل تفاصيل حياتنا اليومية في الشوارع، في الإعلانات، وعلى شاشات التلفاز. ولا حاجة للفت النظر إلى المواد والسلع التجارية واللافتات المسوقة لها والتي تكتب بلغات أجنبية حتى نظن أنفسنا نعيش في نيويورك أو باريس وبالانتقال إلى حياتنا اليومية نجد أن التحدث باللغات الأجنبية هو مفخرة للبعض في مجتمعنا، تغص بالألفاظ الأجنبية التي تقال على سبيل المفاخرة ليس إلا، وكأننا نفتخر بالتنكر لإرثنا اللغوي والحضاري والارتماء في أحضان حضارة أخرى. أما في المدارس، فحدث ولا حرج، لأن الإهمال الذي تتعرض له اللغة العربية هو بارز إلى حد كبير حيث تعمد معظم المدارس ومنذ السنوات الدراسية الأولى إلى تعليم لغتين أجنبيتين على حساب اللغة العربية. كما أصبح الهم الأكبر لذوي الطلاب تعليم أولادهم اللغات الأجنبية لإتقانها وإهمال تعليمهم للغة العربية والاستخفاف بها، نظراً لاختلاط الفصحى بالعامية وعدم تمييز الكثير من الناس بينهما حتى باتوا يظنون أن سهولة الفصحى توازي سهولة العامية. وقد جاء في دراسة حول تصورات طلاب السنة الرابعة المتوسطة في عشر مدارس خاصة ورسمية ممثلة للأنماط التربوية في مدارس العاصمة ما يأتي:  "عبَّر 3,68% من أفراد العينة عن رغبتهم بحذف اللغة العربية من المنهاج. وعبَّر 2,79% إنهم يحبون اللغة الأجنبية أكثر من اللغة العربية. أما بالنسبة إلى موقف الأهل والمربين فقد جاء في دراسة ميدانية أن الغالبية من أهالي الأطفال في صفوف الروضة يفضلون اتقان اللغة الأجنبية أولاً في المدرسة باعتبارهم يتعلمون لغتهم في البيت"(3).

* أين أخطأنا؟
أخطأنا حين حوَّلنا صفقة التحديث التي تعني الحفاظ على منجزات العقل العربي مع الاستفادة من منجزات العقل الغربي في العلوم والتكنولوجيا، إلى صفقة حضارية وثقافية شاملة وتحولنا من الانتقاء من ثمرات الحضارة الغربية إلى الارتماء الكامل في أحضانها(4). فبدلاً من اللجوء إلى ألفاظ جديدة تناسب المسميات الحديثة في هذا العصر عصر العلوم والاختراعات حتى تصبح اللغة ثرية بألفاظها وغير عاجزة عن مسايرة التقدم، استعملنا اللغات الأجنبية ومصطلحاتها في جميع التخصصات دون محاولة جادة لإكساب اللغة العربية المعرفة العلمية الحديثة. وأمام هذا الواقع ما كان من الجميع إلا اللجوء إلى دراسة اللغات الأجنبية والتخصص فيها كي يتمكنوا من مواكبة العصر على حساب اللُّغة الأم التي اعتبروها لغة التراث والتاريخ فقط، والوسيلة التي تعيق تقدمهم.

* على من تقع المسؤولية
الواقع كلنا مسؤول، وكلنا مطالب بإنقاذ اللغة العربية، لغة تراثنا وتاريخنا، وديننا وحضارتنا، فإنقاذها يتطلب تعاوناً جماعياً لتدعيم وتعزيز تعليمها وتعلمها باعتبارها نقطة انطلاقنا إلى تحصيل اللغات الأخرى. حيث لا يمكن إتقان اللغات الأجنبية قبل التمكن من اللغة الأم، ونحن لا نقول بعدم أهمية اكتساب اللغات الأجنبية، فمن تعلم لغة قوم أمن شرهم، ولا نقول بعدم ضرورة الانفتاح على الثقافات الأخرى بهدف الاستفادة قدر المستطاع من مواكبة التطور العلمي السريع و"لا ضير من أخذ ثقافة الآخرين بشرط أن نملك حرية الاختيار وتكون لنا القدرة على الهضم، فالإنسان يتعلم مما عند الآخرين على محاسن وأشياء جيدة ولكن من الأفضل أن يذوب ما يكسبه في ثقافته ثم يستفيد فيها(5). لكننا نؤكد على ضرورة المحافظة على هويتنا الثقافية الذاتية والحضارية لدفع الغربة عن لغتنا الأم ولجعلها لغة العلم والعمل والمجتمع على السواء. وعلى ضرورة الوقوف بوجه الاستعمار اللغوي الغازي من خلال تعريب العلوم خدمةً للغة الأم، والجدير بالذكر أن اللغة العربية هي من أكثر لغات العالم مرونة بحيث يمكنها أن تستوعب كل ما يستجد من مصطلحات. وهي الآن تستغيثنا وتنادينا علّها تجد من يغيثها ويلبي نداءها؟

 


(1) الحرب الثقافية هني غوبار، ص‏20
(2) المصدر السابق، ص‏22.
(3) جريدة النهار مقالة عايدة الجوهري عن التعدد اللغوي في لبنان (1998).
(4) عالم المعرفة ثقافة الشرخ العدد 272، ص‏30.
(5) مقدمات تأسيسية في مقولتي الغزو الثقافي والتبادل الثقافي السيد علي الخامنئي دام ظله، ص‏303.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع