آية الله الشيخ عبدالله جوادي الآملي (حفظه الله)
من جملة الأمور المؤلمة لنا جميعاً، أننا عندما نكون في داخل المقام الأخلاقي (أي العبادة) يكون فكرنا خارجاً عنها! وعندما نكون في صلب العمل البنّاء بالنسبة لنا، يكون التفاتنا متوجهاً نحو الآخرين؛ فالإنسان الذي يصلّي، على سبيل المثال، والذي هو في موقع مناجاة العبد للمولى، والذي يمتلك أفضل وسيلة للنداء والنجوى بين العبد والله، هذا الإنسان لا يعرف ماذا يقول. لا يقتصر حاله على عدم معرفته بمعارف الصلاة أو أنها لا تخطر في ذهنه، بل هو يعيش خارج ذلك كلياً.
*صلاة لا أثر لها
قد يصلي الشخص كما تقتضي الشريعة أي أنه يراعي واجبات ومستحبات الوضوء والصلاة، إلا أنه يفتقد حضور القلب. وإذا كانت هذه الصلاة غير باطلة من الناحية الفقهية إلّا أنّها من الناحية الأخلاقية، صلاة لا أثر لها.
من الصعب جداً إحضار القلب أثناء الصلاة. ومع أن الصلاة لا تطول أكثر من دقائق معدودة، إلّا أنه من الإنجاز الهام أن يتمكّن المصلّي من ضبط نفسه أثناءها. فإذا تمكّن من ذلك في تلك الدقائق المعدودة وعرف مع من يتحدث، أصبحت باقي أموره ميسّرة؛ ولكن إذا لم يتمكن من ضبط نفسه وجَعْلِها حاضرة في هذا الزمن القليل، فلن يكون موفقاً في باقي أموره.
*ويلٌ... لهؤلاء المصلّين
الصلاة صراط... والصراط لا يتماهى مع غفلة السالك؛ فإذا غفل الإنسان، سقط عن الصراط الذي هو أرفع من الشعرة وأحدّ من السيف: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ (المؤمنون: 74).
طبعاً، هناك تلازم بين الصلاة الصحيحة والامتناع عن القبائح. فالأعمال القبيحة تمنع الإنسان عن الإتيان بالصلاة الصحيحة وبالعبادات الأخرى. إن المصلي الذي لا يلتفت إلى أعضائه وجوارحه على مستوى الحلال والحرام، لن يوفّق في الصلاة إلى حضور القلب، ولن يتمكّن من معرفة الشخص الذي يتكلم معه وبالتالي لن يدرك الإجابات التي يسمعها منه. قد يكون هذا المصلي قد وصل إلى المقصد من الناحية الفقهية إلا أنه بقي مقصراً من الناحية الاعتقادية والأخلاقية.
جاء في القرآن الكريم: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ (الماعون: 4-5).
تؤثّر العبادة على مستوى تهذيب وتزكية الروح عندما يكون العابد عارفاً بمضامينها، معتقداً بها وعندما يحفرها في ذهنه؛ ولكن إذا دخلت الغفلة إلى العبادة، عند ذلك لا يبقى أي مجال للتزكية.
*أوساخ الروح
الغفلة كما في عبارات الأئمة عليهم السلام عبارة عن أوساخ الروح(1). عندما يغطي الصدأ مرآة القلب الشفافة، فلن يظهر أي شيء. وإذا ابتلينا بالغفلة والصدأ في العبادة، فلن يبقى أمامنا طريقٌ لتهذيب الروح.
إنّ الصلوات الخمس سبيل نجاة الإنسان من الغفلة. وبما أنّ الإنسان يقع أثناء الصلاة في شرك الغفلة، أُمرنا بصلاة "الغفلية" التي تؤدّى بين صلاتي المغرب والعشاء. إذ كان البعض في صدر الإسلام يستريح بين صلاتي المغرب والعشاء ويغفل عن ذكر الله في هذه المدة، لذلك شرّع الله تعالى هذه الصلاة للنجاة من الغفلة فعرفت بـ"صلاة الغفيلة".
قد يجلس شخص إلى جانب أصدقائه ويتحدث بكلام عادي لا يشعر معه بالتعب، ولكن عندما يقف للصلاة يكون ذلك صعباً عليه؛ لأنه غير مأنوس بالله تعالى. والكلام مع شخص لا يستأنس الإنسان به يؤدي إلى الملل. لذلك، إذا أردنا أن نعرف هل نحن نشعر بالأنُس بالله أو لا، فعلينا أن نلجأ إلى قراءة القرآن الذي هو خطاب الله تعالى لنا، وإلى الصلاة التي هي كلامنا مع الله، لنرَ هل نشعر أثناء ذلك بالملل أو بالنشاط.
* طريق الحل
إن ما أشرنا إليه هو تحليل مؤلم وعلينا معرفة العلاج. لأن تهذيب الروح غير ممكن من دون معرفة الألم ومعرفة طريق العلاج.
ويقدم القرآن الكريم طرقاً للحل:
- أولها، "مراقبة النفس"
- ثانيها، "ذكر الله".
في البداية ينبغي للإنسان مراقبة جلساته، قراءاته، مسموعاته، أكله ولبسه، يجب أن يلتفت إلى الكلام الذي يسمعه أو يتحدث به، يجب أن يدقّق هل يجلس على مائدة طعام حلال أم حرام، يجب أن يدقق هل اللباس الذي يرتديه حلال وليس للشهرة. قد يرتدي الشخص لباساً يفرح به، ليصبح مشهوراً، حتى أنه بمجرد أن يخرج تتوجّه الأنظار إليه. هذا يدل على أنه مبتلى بالأنانية.
إذا كان الإنسان مراقباً لجلساته العلميّة، ولا يتحدث إلا بما فيه رضا لله تعالى ومصلحة للمجتمع الإسلامي، تتهيّأ الأرضيّة بالتدريج ليتعلق قلبه بذكر الله، وترتسم الخواطر الحسنة في ذهنه بسهولة. لذلك علّمنا القرآن الكريم الذكر لإبعاد الغفلة وللقرب من الحق.
*مَلَكة التعلّق بالحقّ
إن لكل واحدة من العبادات العادية حدّاً ونصاباً. إلّا أنّ ذكر الله في القلب وعلى اللسان لا حدود له: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: 41). الذي يذكر الله كثيراً، تصبح علاقته بالله متينة ويصبح صاحب ملكة واجتهاد وتخصّص في مسألة التعلق بالحق والتخلّق بالأخلاق الإلهية. هنا يدرك أنه يتحدث مع معبوده، ليس أثناء العبادة فقط، بل يرافقه ذكر الله خارج العبادة، وعند ذلك يتضح الفرق بينه وبين الآخرين. عندما يكون الآخرون في الصلاة، لا تكون حواسهم عند الله والقيامة ومعارف الصلاة، بينما هو يكون ذاكراً لله حتى أثناء كونه في غير حالة الصلاة.
ذكر الله حسنة وكل من جاهد في هذا الطريق وتحرك فيه كان له ثواب مضاعف: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾ (النمل: 89)، ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ (الأنعام: 160).
كل من بذل جهداً في المراقبة لمدة ساعة، حُفِظ لمدة عشر ساعات وكان من الناجين، لا بل أصبح حفظ الخواطر في الصلاة سهلاً يسيراً له.
1.مفاتيح الجنان، المناجاة الشعبانية.
just amazing
Nadine
2014-11-09 05:20:56
it would be amazing if you always focus on this subject because we all are in need of it , ma2joorin