مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تربية: ملاحظات تربوية في أجواء الطفل الأسرية


عندما نتحدث عن التربية إنما نتحدث عن الأجواء والعوامل المطلوبة، وإن الثمار التي يرجى قطفها إنما تكون نتيجة لذلك، إلا أن التلازم بين الأجواء والعوامل التربوية الظاهرة وبين النتائج التربوية ليس مطرداً. فليس دائماً كلما كان هناك مربياً صالحاً أو بيئة صالحة، كان الأولاد صالحين وسعداء. وفي المعاكس، ليس كلما كانت أجواء وعوامل التربية منحرفة فإن النتائج التربوية ستأتي بأولاد فاسدين.


* المنبت التربوي‏
مما لا شك فيه فإن للمنبت العائلي والتربوي أثره الأساسي في بناء الإنسان إلا أن تاريخ هذا الإنسان حافل بالمتناقضات، وكذلك الأمر بالنسبة للأنبياء. ونقرأ في القرآن الكريم قصة النبي يوسف عليه السلام وأخوته الذين ولدوا وترعرعوا في بيت واحد وعاشوا مؤثرات واحدة، ومع ذلك فقد كان يوسف نبياً بينما وقع أخوته في عداوته وحسده. ثم نرى النبي موسى عليه السلام الذي ترعرع في بيت فرعون الطاغية. وكذلك الأمر بالنسبة للنبي إبراهيم عليه السلام الذي كان تحت رعاية والد كافر معادٍ لله ولنبيه. وكذلك نقرأ قصة ولد النبي نوح عليه السلام الذي تربى في كنف والده ومع ذلك قال عنه القرآن: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير. "هود/ 46"، وبعد وقبل كل هذا النبي آدم عليه السلام الذي هو أبو البشر جميعاً، كم هي بينه وبينهم.

- إذاً ليس المطلوب منا أن نحقق النتائج الباهرة من التربية، وإنما علينا أن نهي‏ء الأجواء السليمة والمنبت الخصب، ونقوم بالتربية الصالحة، وهذا هو غاية ما يرام من المربين.

* الحب والاحترام‏
كثير من الآباء يختصر عملية بناء الإنسان بالأمر والنهي، وعلى المستوى العملي لا مجال إلا لصيغة الإكراه والعسف والتوجيه القسري لميول ولرغبات الأطفال، فهي المتحكمة بأسلوب التربية، فتتوجه شخصية الأطفال نحو أمور قد يكون بعضها محبباً ومطلوباً، إلا أن بشاعة الأسلوب وقسوته تحول دون تكوين سمات الولد الصالح.

وعلى المربين الالتفات إلى أن عملية التربية إنما تهدف إلى تركيز وتنمية الميول الفطرية الصافية، من دون قهر فالطفل في سن السابعة يجب أن يأخذ قسطه من الدلال وقسطه من الاحترام لكي تنمو لديه الرغبة في الالتجاء إلى الأبوين ومبادلتهم الاحترام، وهذان الأمران يشكلان روح البر للوالدين. وعندما يكتشف الطفل في سن مبكرة حبه العميق لوالديه وحاجته الشديدة إليهم، وإذا شعر بقيمة الاحترام الكبير لهما فهذا يعني أنه لن يحدث نفسه بأذيتهما أو التأفف منهما. وأن جواً رقيقاً مثل هذا كفيل بشعور الطفل وبالتالي الأهل بسعادة غامرة ولذة لا ألطف ولا أعذب. فالحذر كل الحذر من إهمال هذه الأمور في هذه المرحلة الحساسة، حيث أن شخصية الطفل تتأثر لطريقة لا شعورية بما حولها سيما بما يراه الطفل ويسمعه من الأهل.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبوا الصبيان وارحموهم وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم فإنهم لا يدرون إلا أنكم ترزقونهم". وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "رحم الله من أعان ولده على بره، فقال الراوي: كيف يعينه على بره قال صلى الله عليه وآله وسلم: يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به" أي على المربين عدم التصرف لحظة الغضب حتى لا يطيش عقلهم فيفعلون ما فيه تجاوز للحدود وعليهم أيضاً أن يتسامحوا مع الأطفال ولا يحملوهم مالا يطيقون".
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال بشأن البنات:"لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات".

* الميول والطموح‏

يظهر بعض الأطفال رغبة بالقيام بعمل وضيع وهامشي، بينما يطمح البعض الأخر إلى نيل العلوم والمعارف العالية، وفي هذا المجال ماذا نفعل؟
هل نقاوم رغباتهم ونكبت ميولهم؟ أم لا بد من الرعاية والحكمة في توجيه وتصحيح هذه الميول.

مما لا ريب فيه أن التعنيف لا يغرز في القلب حباً لنوع من الاهتمامات البعيدة عن رغبة الطفل، إلا في حالات شاذة لا بد فيها للطفل من صدمة قاسية لإعادة تشكيل دوافع أكثر منطقية لاختيار نوع الأعمال أو العلوم.

وفي الأعم الأغلب لا سبيل إلى توجيه طموح الطفل إلا بعد الالتفات إلى الأمور التالية:

- عمر الطفل: فإذا كان ما دون السابعة فليس هناك سوى الترويض والتوجيه غير المباشر، لبيان مفاسد بعض الأعمال وحسنات وجمالية بعض الأعمال الأخرى.

- قابليات الطفل: فإن بعض الأطفال لا يملكون قدرة عقلية طبيعية، أو أنهم يعيشون ضمن ظروف بيئية واجتماعية وتربوية مختلفة.

- الميول الحادة: فإن بعض الأطفال تنشأ عندهم ميول حادة ناتجة عن ردة فعل تربوية وأجواء اجتماعية مساعدة، فالطفل قد يعبر عن نقمته من والديه فيختار ما يؤذيهما، وقد يهمل من قبل والديه فيتأثر بأقرانه في الحي أو المدرسة.

وهنا ينبغي الالتفات إلى قابليات الطفل والتدرج معه لتصحيح ميوله ورفع طموحه، مع عدم إغفال أهمية إشعاره بحرية التفكير وإظهار الميول، لينطلق إلى المرحلة الثانية - بين السن السابعة والرابعة عشرة - مستعداً لتقبل أي توجيه مباشر.

* التدريس التربوي‏
يحاول بعض الآباء أن يلقن أطفاله دروساً في المرحلة الأولى - بين سن الولادة لا يتحمل التعليم عن طريق التلقين والتدريس وإنما يتعلم غالباً عن طريق التقليد، باعتبارها أسهل وباعتبار أن استعداداته العلمية ضئيلة، وإن ما يجري اليوم من تدريس الأطفال قبل السن السابعة هو أمر سي‏ء للغاية ولا يلتقي وتوجيهات الأئمة من العترة الطاهرة عليهم السلام.
نعم بالتأكد فإن جانباً مهماً من التربية إنما يأتي عن طريق التدريس ولكن ليس في هذه المرحلة.

بعض الأهل يقول بأن على الطفل أن يسمع ويطيع ما يقال له، اعتقاداً منهم بأن الطفل عنده هذه القدرة. ونلفت نظر هؤلاء بأن هذا الاعتقاد غير صحيح، بل إن ذكاء الطفل وقدراته العقلية إنما تنمو في تمام سن السابعة ثم تأخذ بالتكامل.

* الرعاية الفاسدة
من الشائع جداً في كثير من الأسر بأن تأمين حياة أفضل للطفل كفيلة بتربيته تربية صحيحة وهذه الحياة الفضلى إنما تتكون من الاهتمام بالمسكن المريح والطعام الوافر وألوان اللباس، والنظافة المستمرة، وتوفير الحاجات والألعاب وإعطاء المال الكثير.
حينما يذهب الطفل إلى المدرسة، كل هذا كفيل بتأمين مناخ تربوي صحيح.

بينما ينشغل الأهل عن أولادهم بكثير من الأمور وكأن عملية التربية هي عملية جد أساسي فيها دور الأب والأم. ثم إن العناية الزائدة بالأمور التي ذكرت قد تجعل من الطفل إنساناً ضعيفاً، حيث يجعله الاكتفاء والرفاه مهملاً لا يعبأ بشي‏ء، وقد لا تظهر آثار ذلك في المرحلة الأولى إلا أنه إذا استمر هذا النمط من التعاطي فإن سيئات ذلك سوف تقوى فيما بعد.

* اللعب والترفيه والمشاركة
منذ الأشهر الأولى يبدأ الطفل بالإلحاح للخروج خارج البيت، ويشعر بحاجة ماسة إلى اللعب والترفيه ومشاركة الأطفال في اللعب.
وكثيراً ما يبكي الطفل أو يتضجر ويكون ذلك بمثابة جرس إشعار بضرورة الخروج والتفسح واللعب مع الأطفال الآخرين. ولعل الروايات التي تقول"اتركوا أولادكم سبعاً.." إنما تريد منا عدم تحميلهم مسؤولية التعليم والدراسة، وتشير إلى أن هذه المرحلة مرحلة اللهو، واللعب، والمرحلة التي بعدها مرحلة الاستعداد الجاد والمرحلة الثالثة هي مرحلة تحمل المسؤولية الإلهية والالتزام بالتوجيهات العبادية.
فإذن اللعب أمر ضروري، فكثير من مشكلات الأطفال في هذه المرحلة سببها عدم أخذ القسط الكافي من اللعب والتفسح، وإن آثار كبت هذه الحاجات تظهر فيما بعد حيث يميل الطفل إلى اللهو ولا يندفع كثيراً إلى العلم.

* عقد دفينة
عندما يلجأ الأهل إلى التأنيب والتسخط المتكرر فإن الطفل يفقد الشعور بالاحترام والمحبة لوالديه، وأخطر من ذلك أن يقع الطفل في براثن عقدة الحقارة والانطوائية والكآبة، وقد يلجأ إلى الكذب والمخادعة، وقد يفشل في المشي أو التكلم، أو العمل، والنباهة أيضاً.

وبالحقيقة فإن ذلك إيذاناً بأن العملية التربوية انحرفت عن مسارها. وأصبح من الصعب، بل في غاية الصعوبة العودة بها إلى مسارها الصحيح.
وإذا ما اعتقد الآباء بأن الشدة هي السبيل لجعل الطفل يعود إلى الجادة المستقيمة فإن الأمور تصبح في مهب الريح حيث يأخذ الطفل بالدخول في المتاهة، سيما إذا استمر هذا الوضع إلى المراحل الثانية والثالثة.
 

* التربية على أساس العدل والحكمة
كثيراً ما يحصل في داخل الأسر أن يستأثر الآباء بامتيازات في المأكل والملبس، والنفقات، من دون أن يكون للأطفال مثل هذه المكاسب، فيشعرون بالمظلومية ويبادلون بالكراهية، كما أن بعض الأهل يعمدون إلى نبذ بعض أولادهم بحيث يؤدي بهم ذلك إلى الغيرة والحسد، وانحراف الطباع. وربما إلى العداوة والعنف.
ولعل اعقد المشكلات إنما تأتي من عدم العدل في التصرف تجاه الأولاد، ومن عدم الحكمة في معالجة المشكلات أيضاً.
ويجدر بنا القول هنا بأن الاحتضان والرأفة والتسامح ينبغي أن تبقى خصائص للآباء الناجحين، وإلا فرط عقد الحياة العائلية.

وعلى الآباء أن يوازنوا تصرفاتهم بدقة تجاه أبنائهم بحيث يلتفتوا إلى نسبة العواطف الممنوحة إلى الأولاد وسد النقائص التي يشعر بها هذا الطفل أو ذلك ليصار إلى سد الثغرات سريعاً قبل أن تتفاقم. وكذلك ينبغي الالتفات جيداً إلى المكاسب التي يحصل عليها هذا الطفل دون غيره، حتى تلك التي لا تأتي عن طريق الأهل، فالأمر هنا يحتاج إلى أحداث توازن نفسي قدر الإمكان ليبقى جو الأسرة صالحاً للتربية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع