* تحفة الجنة
روى الأصبغ بن نباتة عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم ينادي منادٍ من بطون العرش: نكّسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم فإن هذه فاطمة بنت محمد تريد أن تمر على الصراط.
وفي رواية أوردها العلامة الحلّي أن جبرائيل هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فناداه: يا محمد، العلي الأعلى يقرأ عليك السلام وهو يأمرك أن تعتزل خديجة أربعين صباحاً، فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل، فأخذت خديجة تحزن كل يوم مراراً لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرائيل فقال: يا محمد، العلي الأعلى يقرئك السلام وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبرائيل وما تحفة رب العالمين، وما تحيته، فقال جبرائيل: تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام... ثم قام النبي ليصل فأقبل عليه جبرائيل وقال: الصلاة محرمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإن الله عز وجل آلى على نفسه أن يخلق من صلبك هذه الليلة ذرية طيبة.
قالت خديجة: فلما كانت تلك الليلة... وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها، فلا والذي سمك السماء ونبع الماء، ما تباعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أحسست بثقل فاطمة في بطني.
* أفضل النساء
ولتسعة من الشهور ولدت فاطمة طاهرة نظيفة في العشرين من شهر جمادى الثانية لخمس أو ثلاث تلون بعثة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم [على اختلاف الروايات]. وإننا لا نستطيع أن نتحدث عن امرأة كاملة معصومة بلغت مقام الكاملات من النساء وأصبحت قدوة لبني البشر أجمع.
وقد روى ابن صباغ المالكي عن مسلم والترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم "امرأة فرعون"، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وينقل ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً يقول فيه: أفضل رجال العالمين في زماني هذا علي وأفضل العالمين من نساء الأولين والآخرين فاطمة.
وقد ورد أيضاً في سر تسمية النبي لها بفاطمة، لأن الله فطمها وشيعتها من النار. وينقل صاحب كتاب أسد الغابة عن علي بن أبي طالب عليه السلام قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام: "إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك". وهذه الرواية تشير صراحة إلى عصمتها (عليها السلام). لأن ما تقوم به وترضاه يرضى عنه الله تعالى.
* فاطمة المعصومة
ليس الحديث السالف الذكر هو الدليل الوحيد على عصمة الزهراء عليه السلام. فالقرآن الكريم له حصة بالغة في الدلالة على ذلك.
فمنها آية التطهير: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (الأحزاب/ 33)،
والذنوب والمعاصي من الرجس وأهل البيت مطهرون عنها. روى الطبري أنه لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجعل عليهم كساءً خيبرياً وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي. أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً..".
ومنها آية المودة ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ (الشورى/ 23)، وهم أهل البيت أيضاً. فعن الأعمش سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى﴾، قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة وولدها رضي الله عنهم [هكذا ورد في تفسر ابن كثير].
ومن الآيات الدالة على عظمة مقامها وجلالة قدرها دخولها في آية المباهلة.
ففيما يُروى عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه لما نزلت الآية ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ (آل عمران61)،
لم يدّع أحد أنه أدخله النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الكساء عند المباهلة إلا علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فكان تأويل قوله عز وجل "أبناءنا وأبناءكم" الحسن والحسين، "ونساءنا" فاطمة، و "أنفسنا" علي بن أبي طالب عليه السلام.
* قلب الزهراء بيت الأحزان
لقد اعترف بمقام الزهراء العظيم وقدرها الجليل عند الله عز وجل كل قريب وبعيد، واتفق عليه المؤلف والمخالف بما تواتر على ذلك في القرآن الكريم والسنة الشريفة. ولكن ترى ماذا أصاب القوم وما الذي دهاهم حتى أصبحت فاطمة بعد رسول الله أسيرة الأحزان؟!.
وفي الحقيقة، لم تكن رحلة الزهراء نحو بيت الأحزان وليدة لحظتها، بل تشكلت مع بداية الصراع الذي واجهه والدها صلى الله عليه وآله وسلم مع أقوام عشعشت في صدورهم أحقاد بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهن، أقوام تربوا على حب الذات والسلطان، وترسخت في نفوسهم أخلاق الجاهلية إلى أن عبّروا عنها يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلسان: من ينازعنا سلطان محمد؟!.
ولأنها كانت بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قدرها أن تتحمل أضغانهم من الأيام الأولى للدعوة وماتلاها من أحداث. كان نصيبها أن تشاهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مجروحاً مكلوماً محثياً على رأسه التراب، فتحمل معه الآلام. وحينما توفّت والدتها كانت "أم أبيها".
ولقد عاشت أمرّ الأيام وأقسى الليالي حين منع بعلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من الخلافة. فكان أن حوصرت خلف الباب ودّفعت حتى كسر ضلعها وأُسْقِط جنينها. ومن ذلك أيضاً غصبها أرض فدك التي ورثتها من أبيها، بل نحلها إياها أبوها في حياته، حتى خرجت عليها السلام، فدخلت مجلس أبي بكر وخطبت بهم قائلة: يا ابن أبي قحافة. أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئاً فرياً.. أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها؟.. فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم إذ تندمون..".
وكان ختام أمرها عليها السلام أدمع مدرارة بعد وفاة أبيها، فتوفيت مقهورة مظلومة، ودفنت بالليل سراً وما يزال قبرها مجهولاً إلى هذا اليوم كشاهد حي على الظلم والعذاب والخطر المحدق برسالة الإسلام.
ولأي الأمور تدفن ليلاً |
بضعة المصطفى ويُعفى ثراها؟ |
بنت من؟ أم من؟ حليلة من؟ |
ويل لمن سن ظلمها وأذاها. |