مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

التجليات الكمالية في قلب السالك



إن السالك إلى الله عز وجل، على قدر صفاء نفسه وتحققه بالعبودية، يصبح مظهراً للتجليات الكمالية الإلهية، والمراتب والمقامات التي يشار إليها في سير الإنسان المعنوي ليست سوى هذه الكمالات التي يتحقق بها السالك، والتي تشتق من الكمال النهائي الذي أشار إليه الإمام في حديثه عن العبودية.

 

...فالكمال النهائي هو وصول الإنسان إلى الله، حيث لا يبقى بينه وبين الله أي حجاب يحجبه عن مشاهدة أسمائه وصفاته وعبور مراتب توحيده. والكمالات التي يحصل عليها سالك طريق الله تكون على قدر هذا الشهود ومنه.
فأول هذه المراتب: مرتبة العلم البرهاني بحقيقة الربوبية.

والمرتبة الثانية: دخول الإيمان بهذه الحقيقة إلى قلب الإنسان.

أما المرتبة الثالثة: فهي رسوخ هذا الإيمان، وهو ما يعبّر عنه بالطمأنينة إلى أن يصل إن المرتبة الرابعة والنهائية وهي مقام الشهود.

ونحن البشر، لأننا لا نعلم عن حقيقة العلم شيئاً نعجب كيف يكون العلم بالله وأسمائه وصفاته كمالاً أصيلاً، بل وحيداً. وسبب ذلك هو أن ما خبرناه وجربناه من العلم لا يعدو كونه مجرد انتقاش صور خيالية في الذهن. وبطبيعة الحال، فإن علمنا في هذا المقام بأنواع الحيوانات التي تعيش في بعض مناطق أفريقيا، مثلاً، لا يختلف عن علمنا ببرهان التمانع لإثبات التوحيد.

ولكن هذه المرتبة من العلم هي أخس المراتب. بل هي عند أهل الله حجاب العلم: "رب عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه". أما العلم الذي هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده فهو كمال حقيقي، وهو أصل كل كمال إنساني. ومن هنا يعلم سر امتياز آدم عليه السلامعن الملائكة المقربين بمقام تعلّمه الأسماء: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ...

فآدم عليه السلام لم يرتفع إلى هذا المقام الشامخ حيث صار مسجوداً للملائكة لمجرد تعلم بعض النقوش والألفاظ. أما تعليم الملائكة الذي جرى على لسان آدم عليه السلامفلم يكن تنبؤاً بألفاظ أيضاً. لأن الملائكة موجودات مجردة لا علاقة لها بالألفاظ والأصوات.
﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ "البقرة/33".

ومن هنا نعلم لماذا اعتبر الإمام الخميني قدس سره مراتب مقامات أهل السلوك منحصرة بالعلم، بدءً بالبرهاني الفلسفي، وانتهاءً بالشهودي الإحناطي.

أما المحور الذي يدور حوله العلم، أو بتعبير آخر موضوع هذا العلم الذي ينبغي أن يكون مطلباً لسالك طريق الله. فهو معرفة حقيقة "ذلة العبودية وعزة الربوبية" كما أشار الإمام صريحاً.
وها هنا مطلب عظيم، يستفاد منه في هذا المقام السريع، أن العلم بأسماء الله وصفاته لا يكون حقيقياً إذا لم يفهم على ضوء تجلي هذه الأسماء في عالم وجود الإنسان. وبتعبير آخر، إن معرفة الله حق معرفته إنما تكون بمعرفة موقع الإنسان في عالم الوجود.

ومن هنا نفهم سر تفسير العبودية بالربوبية وبمعرفة الله في العديد من الأحاديث الشريفة. منها ما قاله الإمام الصادق عليه السلام في قول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ "الذاريات/56".
قال عليه السلام: إلا ليعرفون...
وكذلك حديث الإمام الحسين سيد الشهداء عليه السلام حينما سئل عن سبب خلق الإنسان: لماذا خلق الله الخلق؟
قال عليه السلام: أن الله خلق خلقه ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه.
فالمعرفة الحقة هي التي تتجلى بصورة العبودية، وكل معرفة خارج هذا الإطار حجاب في حجاب.

ويفهم هذا المطلب أيضاً بالالتفات إلى أحد الأسماء الإلهية وهو القيوم. وبتعبير الإمام في شرح دعاء السحر هو أبو الأسماء الأفعالية. فإن القيومية الإلهية تعني أن كل شيء قائم به. وإن وجود الإنسان هو عين الربط والتعلق والفقر الذاتي.

 فوجودنا هو عين الفقر والاحتياج إلى الله لا أنه تابع له. قال الله تعالى في الإشارة إلى هذه الحقيقة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ "فاطر/15".

وقد ثبت في البراهين الحكمية أن أسماء الله عين ذاته الواحدة البسيطة. فأسماء الله هي عين بعضها البعض. كل ما هناك أننا نراها من حيثيات مختلفة. وإلا فإن علمه عين حكمته. وقدرته عين لطفه. وقيومته عين حياته.
فإذا فرضنا أن إنساناً أدعَى معرفة الله تعالى كما ينبغي، ولم يعرف القيومية الإلهية، أي لم يعرف حقيقة تعلقه وفقره الذاتي إلى الله، فكأنه لم يعرف شيئاً. وهكذا، فإن الإمام، تقدست أسراره، قد أشار إلى لب المعرفة ولبابها الأصيل حينما ربطها بالعبودية.

ونعود لنخلص الحديث في الكلمات التالية:

1- يعبر الإنسان السالك مراتب ومقامات في سيره إلى المقام النهائي.
2- جميع هذه المقامات مشتقة من المقام النهائي وهو مقام شهود أسماء الله وصفاته.
3- وتبدأ هذه المقامات بالمعرفة البرهانية والطرق العقلية، حيث يثبت السالك حقيقة "ذل العبودية وعز الربوبية" بالدليل والبرهان العقلي.
4- ثم يخرق السالك حجاب العلم ليكتب بقلم العقل على صحيفة قلبه هذه الحقيقة.
5- فإذا ثبت على هذا المقام وتمكن يصل إلى مقام الطمأنينة المشار إليه بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "البقرة/260".
6- أما المرتبة الرابعة فهي مقام المشاهدة: وهو نور إلهي وتجلٍ رحماني يظهر في سر السالك تبعاً للتجليات الأسمائية والصفاتية، وينور جميع قلبه بنور شهودي... "الآداب/ ص37".
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع