لقد تتالت الدعوات الموجّهة من قِبل الرحمن لعباده إلى ولوج باب التوبة، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي التي تسود صفحة أعمالهم عند ربّهم، وترديهم في نار جهنّم إلى أسفل سافلين، وبشرت هذه الدعوات التائبين بالمغفرة ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ﴾، وبجنات النعيم. ورغبتهم في سلوك هذا الطريق بتبيان محبة الله تعالى ورعايته لهم ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾. فماذا في جعبتنا من آيات التوبة؟
هذا ما سنعرضه في هذه الحلقة.
1- التوبة والعمل الصالح:
إنّ للتوبة شروطاً لا بدّ من تحقّقها حتّى يعد المرء تائباً حقيقياً. وأهم هذه الشروط إرفاق التوبة بالعمل الصالح، إذ لا معنى لها ولا تترتّب آثارها دونه. قال تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ "طه/82".
2- التوبة وإخلاص الدين:
وكما يجب أن تكون التوبة مقرونة بالعمل الصالح، كذلك يجب إرفاقها بالإصلاح سواء على صعيد ذات الفرد، أم على صعيد المجتمع، وبالاعتصام بالله تعالى وإخلاص الدين والعمل له وحده لا شريك له، وبذلك يحصل التائب مرحلة الإيمان، ويكون في زمرة المؤمنين. قال تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ "النساء/146".
فلا توبة ولا أية وسيلة تنفع للنجاة عند حلول الأجل ما لم يكن المرء تائباً مصلحاً لسريرته وأعماله، وإلاّ فمصيره مصير فرعون الذي أدركه الغرق نتيجة لما ارتكبه من موبقات: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ "النساء/18" وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾ "النساء/17" منصرف إلى هذا المعنى من لزوم وقوع التوبة قبل حلول الأجل وظهور إمارات الموت.
3- موجبات التوبة
للتوبة إلى الله تعالى نتائج وآثار حسنة تصيب التائب وتعود عليه بالفائدة والخير العميم، منها:
أ- الفلاح: قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾ "القصص/67".
ب- تنزل الرزق: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾ "هود/52".
ج- محبة الله له: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ "البقرة/222".