إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

مناجاة المريدين(13): يا حبيبَ التائبين

آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (حفظه الله)


ذكر القرآن الكريم والروايات مجموعة من المعايير والعلامات لجلب محبّة الله، من جملة ذلك الخصائص الثلاثة التي أشار إليها القرآن الكريم: التوبة - الطهارة - التضحية.

1- التوبة

يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة: 222).

التوّاب صيغة مبالغة تدلّ على الزيادة والإصرار على التوبة، وتبيّن الآية الشريفة أن الله تعالى يحبّ الذين يسارعون إلى التوبة كلّما وقعوا في خطأ. ويمكن لكلّ شخص أن يختبر مسألة التوبة في حياته حيث يسارع إلى الندم بعد المعصية ومن ثمّ التوبة. إلّا أن البعض يتصوّر أنه لا يمكن له البقاء على التوبة وذلك لغفلته ولصدور الذنب عنه باستمرار (وهذا من مصائد الشيطان). إلّا أن الله يحب التوابين الذين يُكثرون التوبة والذين يسارعون إلى التوبة كلّما وقعوا في المعصية، فلا يتركون التوبة إذا عادوا إليها.

ثم إنّ الإصرار على التوبة يؤدّي إلى عدم سقوط قبح الذنب من عين الإنسان ويؤدي إلى عدم الغفلة عن عاقبة الأعمال القبيحة فيسارع بعد المعصية الناشئة من الغفلة إلى الندم والحزن، فيتوجه مباشرة إلى التوبة وجبران ما حصل من خطأ.

2- الطهارة

تشتمل الطهارة في الآية الشريفة ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ على النظافة والطهارة الظاهريّة، وكذلك الطهارة الشرعية التي تحصل من خلال الوضوء والغسل، وتشتمل أيضاً على الطهارة القلبية التي تحصل على أثر تصفية القلب من المعصية وترك الأعمال التي لا تُرضي الله. مثال ذلك، تطهير القلب من سوء الظنّ بالآخرين والابتعاد عن الحقد.

3- التضحية في سبيل الله

يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ (الصف: 4).

من الطبيعيّ أنّ الله يُحبّ المجاهدين بإخلاص في سبيله والجاهزين لتقديم أنفسهم في سبيل الله. هل يمكن أن يقدّم الشخص كلّ وجوده فداءً للمحبوب ولا يحبُّه؟

جاء في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام حول بعض صفات العباد التي يحبّها الله تعالى: "طلبتُ حبّ الله عزَّ وجلَّ فوجدته في بُغْض أهل المعاصي"(1).

بناءً على هذه الرواية، إذا أراد الشخص محبّة الله وأن يحبّه الله، يجب عليه معاداة أعداء الله. إنّ الذين يتوهَّمون إمكانية الجمع بين الإيمان والإسلام ومحبة الله وإقامة علاقة مع أعداء الله، مشتبهون، لأنّه لا يمكن أن تكون المحبّة متعلقة بالله وبأحبابه وبأعدائه. طبعاً، المقصود من أهل المعاصي في الرواية، هم الذين تصدُر عنهم الأخطاء على أثر الغفلة؛ والذين يتوجّهون نحو المعصية على أثر الانسياق وراء الشهوات.

نعم، يمكن لهؤلاء الأشخاص العودة إلى الصلاح واليقظة من خلال الهداية والإرشاد، وبالتالي يمكنهم الندم والتوبة وإخراج الكدورات من القلب، وبالتالي يمكنهم أن يكونوا من خواصّ أحباب الله. الأشخاص الفاسدون هم الذين يصرّون على العداء لله ويسدّون كلّ أبواب العودة إلى الفلاح والصلاح.

*سبيل زيادة المحبّة لله
من جملة الأسئلة التي يطرحها الراغبون في السلوك إلى الله والذين يريدون تذوّق طعم محبة الله، سؤالٌ مفاده: ما هو السبيل إلى وجود محبّة الله وزيادة تلك المحبة؟ طبعاً الحصول على جواب من خلال الأدلة التعبّدية والنقلية؛ أي الآيات والروايات يحتاج إلى بحث واسع. لذلك نكتفي بالجواب الإجماليّ والقصير، وهو أنّ القواعد والأصول العامة التي تأتي من خلال التجارب الشخصيّة لمحبّة الأفراد لبعضهم البعض أنّه كلّما فكّر الشخص في حسنات الآخر، أصبح أكثر حبّاً له.

*يا داود حبّبني إلى خَلقي
في الحديث القدسيّ يخاطب الله تعالى نبيَّه داود عليه السلام: "أحبّني وحبّبني إلى خلقي. قال: يا رب، نَعَمْ أنا أحبّك، فكيف أحبِّبُك إلى خلقك؟ قال: اذكر أياديَّ عندهم، فإنّك إذا ذكرتَ ذلك لهم أحبّوني"(2).
الإنسان، وبفطرته، يحبّ الشخص الذي يحسن إليه. وتشتد محبته كلما ازداد إحسانه. كما إنّ الإنسان يحب الشخص صاحب الصفات الحسنة حتى لو لم يُحسن إليه.

مثال ذلك، أنّ الجميع يحبّ حاتم الطائيّ وذلك لسخائه وكرمه وخَيره؛ مع العلم أنّه لم يبقَ أيّ شيء اليوم من آثار الصفات الحسنة لحاتم الطائي. وإذا كان الإنسان على علاقة بإنسان سخيّ وكان خيره يصل إليه، يزداد حبّه عنده. من هنا، كلّما فكّر الإنسان في النعم الإلهية والصفات التي هي منشأ هذه النعم، ازدادت محبة الله عنده. فإذا فكّر الإنسان بأنّه غارق في النعم الإلهيّة، ونظر إلى المساعدة التي قدّمها الله له طوال حياته، وإذا دقّق في الحالات التي حفظ الله تعالى فيها ماء وجهه، وإذا أدرك البلايا التي رفعها الله من أمامه، وإذا فكّر في المقدّمات التي وفرها الله له ليمتنع من الوقوع في الخطأ، عند ذلك تزداد محبّته لله تعالى. طبعاً مهما فكرنا فلن ندرك مقدار نِعَم الله وإحسانه في حقنا، لأنّ نِعَم الله لا تحصى: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (إبراهيم: 34).

*ثبات محبّة الله فينا
إذاً، يجب على الإنسان الإتيان بأمرين لزيادة محبّة الله:

الأول: معرفة الحسنات والكمالات والنِعَم الإلهية.

الثاني: التركيز على الحسنات والكمالات والنِعَم الإلهية.

نعم، قد يصاب الإنسان بالغفلة نتيجة التعلّقات الدنيوية. لذلك، فإنّ مجرد معرفة النِعَم فقط قد لا يترك أثراً. قد يحبّ الإنسان شخصاً ثم يضعف هذا الحبّ على أثر الابتعاد عنه، حتّى إنّه يتدنّى إلى أدنى المستويات بمرور الزمان.

فإذا أردنا للتعلّقات الدنيوية أن لا تنسينا ذكر الله، وإذا أردنا أن لا يضعف حبّنا لله يجب الاهتمام بشدّة بنِعَم الله وتذكُّرها دائماً ويجب أن نركز أذهاننا فيها. عند ذلك، تبقى شعلة محبّة الله مضيئة في قلوبنا.

في البداية يجب علينا النظر والتدقيق في العلامات والآيات الإلهيّة الموجودة من حولنا وأن ندرك أنّ العالم بأكمله آية من آيات الله تعالى. علينا أن ندقّق وننظر إلى النِعَم التي أوجدها الله تعالى في داخلنا؛ وكذلك إلى النِعَم الموجودة خارج وجودنا أمثال: نعمة الأب، والأمّ، والأستاذ، والصديق والأشخاص كافة الذين نستفيد من إحسانهم ونأنس بهم. مما لا شك فيه أن التفكير في نِعَم الله، يزيد من محبتنا له ثم إنّ التركيز على الله ونعمه، يطرد الأسباب التي تؤدي إلى غفلتنا فتصبح محبة الله ثابتة فينا.


1- مستدرك الوسائل، الطبرسي، ج12، ص173.
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج14، ص38.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع