أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الاجتهاد في مدرسة أهل البيت

سماحة العلامة الشيخ محمد علي التسخيري


هذا البحث في الاجتهاد للعلاّمة الشيخ محمد علي التسخيري، كان قد قدّمه في بعض المؤتمرات للفكر الإسلامي، يعتبر من أهم الأبحاث في هذا المجال، ويمكن تقسيم البحث في الموضوع إلى أربعة فصول:
1- نظرة عامّة حول الاجتهاد.
2- تاريخ الاجتهاد لدى مدرسة أهل البيت عليهم الصلاة و السلام.
3- خصائص المدرسة الحديثة.
4- الإجتهاد والثورة الإسلامية.
ونظراً لأهميته تنشره بقية الله على صفحاتها.

* نظرة عامّة حول موضوع البحث
والذي يهمّنا فعلاً. منه ما يمهدّ للفصل التالي.

التعريف: وهو مأخوذ من الجهد، وبذلك الوسع للقيام بعمل ما. وحين ننتقل إلى المعنى المصطلح نجد أن له معيين: عام وخاص.
أمّا المعنى العام: فقد قيل أنّ الاجتهاد وهو "استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي".
ولدى الاعتراض بخصوصيّة أخذ الظن – والمقصود به المعتبر قطعاً – عدل إلى ذكر العلم، فعرّفه الخضري بأنّه: "بذلك الفقيه وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة".
وإذا أريد لهذا التعريف أن يسلم من بعض الاعتراض لزم أن يراد بالعلم: العلم الوجداني، والعلم التعبدي، أو يراد بالحكم ما يعم الحكم الواقعي أو الظاهري. إلاّ أنّ التعريف يبقى ناقصاً لعدم شموله عمليات استنباط الوظيفة العملية العقلية، ولذا عرفته المدرسة الأصولية الحديثة بأنّه؛ "ملكة تحصيل الحجج على الأحكام الشرعية أو الوظائف العملية شرعية أو عقلية"، فهو يشمل كلّ جهد يبذل للتوصّل إلى أحكام الشريعة.
 

أمّا المفهوم الخاص للاجتهاد: فقد ذكروا له تعريفات تنتهي إلى أنّ المراد به هو "الرأي" الذي يقف إلى جنب الأصول الفقهية الأخرى وله مصاديق مختلفة؛ كالقياس والاستحسان على أحد معانيه. ولكي لا يمتلك جانب الرأي الشخصي غير المسموح به فقد عرفه الدكتور خلاف بأنّه؛ "بذل الوسع للتوصّل إلى الحكم في واقعه لا نصّ فيه بالتفكير، واستخدام الوسائل التي هدى الشرع إليها للاستنباط بها فيما لا نصّ فيه".
وإذا قبلنا هذا التعريف، عاد النزاع حول الاجتهاد بالمعنى الخاص نزاعاً حول ما إذا كان الشارع قد سمح بالرأي كمنبع أصيل للفقه فيما لا نصّ فيه طبعاً أم لا؟
 

أمّا إذا أريد منه إعمال النظر في الاستفادة من المنابع الأخرى فقد دخل في الاجتهاد العام ولم يتفرّد بخاصيّة معيّنة، فإذا عرفنا الاستحسان – مثلاً – بأنّه تقديم أقوى الدليلين لم يكن الاستحسان مصدراً رئيسياً بقدر ما هو تعيين للحجّة الفعلية من اللاحجّة.
فالنزاع إذن ينصبّ حول جعل الرأي منبعاً أصيلاً طبعاً إذا كان يؤدّي إلى الظن- أمّا ما أدّى إلى القطع فلا ينازع في حجيته إلاّ البعض ممن يرفضون حجية القطع إذا أنتجه إعمال الرأي، ومدرسة أهل البيت معروفة بموقفها المعارض من هذا النوع من الاجتهاد.
 

أمّا اعتمادها على العقل كأصل رابع فهو اعتماد على ما أدّى فيه الحكم العقلي إلى القطع بالحكم أو فلنعبر ما كشف العقل فيه عن الحكم الشرعي قطعاً، وإن كانت بعض المسالك ترفض حتّى مثل هذا القطع كما ستأتي الإشارة إليه.
ولا أجدني الآن بصدد الاستدلال لهذا الموقف أو ذاك بقدر هدفي في التعريف بهذه المدرسة الفقهية العريقة.

* ضرورة الاجتهاد:
إذا لاحظنا معنى الاجتهاد في كونه عملية تحديد الموقف تجاه الشريعة تحديداً استدلالياً، أدركنا بكلّ بساطة ضرورة عملية الاجتهاد. وبشيء من التحليل وملاحظة النقاط التالية ندرك لا ضرورة الاجتهاد فحسب بل تزايد هذه الضرورة يوماً بعد يوم، وما دام في الأرض إنسان يعمل الإسلام على قيادته نحو السعادة.
 

وقبل كلّ شيء يجب أن نقول إنّنا نتحدّث عن الاجتهاد وبالمعنى العام هنا. أمّا النقاط التي يجب ملاحظتها فمنها:
أولاً: إنّ الشريعة إنّما أعطيت في المجموع الكلّي للكتاب والسنّة وبصورة تفرض الحاجة لجهد علمي في دراستها ومقارنتها. فهناك العام والخاص، والمطلق والمقيّد، والناسخ والمنسوخ، والحاكم والمحكوم، والوارد والمورود، وهناك التعارض والتزاحم في التطبيق وغير ذلك كثير كثير من الأمور التي تستدعي حالة خبروية مجهدة.
 

ثانياً: وتزداد هذه الحاجة كلّما ابتعد الشخص عن زمن صدور النص، وهذا الفاصل الزمني يحمل في طياته الكثير من المضاعفات كضياع بعض النصوص، ونسيانها، ودخول الموضوع بينها وتغير كثير من أساليب التعبير، وقرائن التفهم وغير ذلك ممّا يتطلّب الفحص والدقّة والجهد المستمرّ.
 

ثالثاً: وإنّ تطوّر الحياة وتعقدها يصحبه انطراح عدد كبير من الوقائع التي لم يرد فيها نص خاص ممّا يوجب الرجوع إلى القواعد العامّة.. وبنفس المستوى نجد الإسلام يواجه أسئلة متكرّرة تطرح مدى القبول بالانفتاح على بعض النظم المستوردة أو المتحدية له والآتية من عقول البشر "شرقيهم وغربيهم".
 

رابعاً: وإنّ الإسلام رسالة حياة وتنظيم خالد لكلّ شؤون المجتمع وحينئذٍ فهناك مواقع في عملية التربية الكبرى لا يمكن تسليمها إلاّ لمجتهد بالشريعة عالم بخفاياها وروحها وتعاليمها حتّى يملك كلمة الفصل من خلال ذلك، فالقيادة والقضاء مثلاً لا تتمّان من دون فقيه ومجتهد متضلّع في الشريعة.
 

ويمكننا بعد هذه النقاط أن نسرد عناصر أخرى ولكنّنا نكتفي بما ذكر لنقول – باختصار – أنّ الاجتهاد – في الواقع – يعني:
إبقاء الروح الإسلامية الفعّالة الحركية المواكبة للتحول، والموفرة للقدرة على الخلود، ونفي الجمود الممتد، وتعميق الاستفادة الأكبر من تعاليم الإسلام، وضمان الوصول الأقرب إلى واقعه، وتقديم الحلول الأنجع للحياة الإنسانية، والأجوبة المحكمة للأسئلة الحادثة المتجدّدة،
 

وقطع الطريق على المتطفلين على عملية إبداء الرأي في الأحكام ممّن امتلكوا أبواق الدعاية وكراسي السلطة وراحوا يفتون هنا وهناك وهم لا يملكون أي تخصيص في ذلك، والممر المحاسب والمسيطر على كلّ ما يراد إدخاله إلى الإسلام من تصوّر وحكم، أو إلى المجتمع الإسلامي كنظام تطبيقي، أو إلى السلوك الفردي كخلق وأمثال ذلك، والمجال التقريبي المنطقي بين المسالك المتنوّعة والمذاهب والمناحي المتفاوتة، والضمان لوجود مجموعة طليعية همّها الحفاظ على الإسلام الأصيل من عبث المنافقين والمتحللين وذوي الفكر الخليط، أو التربية العقلية اللاإسلامية، ونفي أي ذيلية فكرية واجتماعية ممّا يؤهلها للتأكيد على تطبيقه الصحيح في الحياة الاجتماعية، وتوفّر القدرة على الرؤية الاستنباطية الصحيحة في كلّ المجالات، ومنها مجال معرفة المفاهيم الإسلامية.
وبالتالي فإنّ الاجتهاد يوفّر للنظام الإسلامي من يملأ له منصب القيادة الواعية السليمة، ومنصب الفتوى المهم، ومنصب القضاء الشرعي.

ذلك أنّ الإسلام بتخطيطه للحياة الاجتماعية لاحظ الجوانب الفطرية الثابتة فشرع لها قوانين ثابتة لإشباع متطلباتها، كما لاحظ الجوانب المتغيّرة فواجهها بقوانين عامّة تشمل حالاتها المتنوّعة وترك لوليّ الأمر المجتهد القائد الفرصة للقيام بتنظيم الحياة على أساس المصلحة الاجتماعية المتغيّرة بعد أن وضع له إشعاعات وتعليمات يسلك بها أفضل البدائل المطروحة أمامه عبر التشاور مع ذوي الخبرة المتخصّصين الرساليين.
 

ولو كان في المجال متسع لتحدّثنا عن التطبيقات العلمية لهذا المبدأ في حقول مختلفة ولكن لا مجال هنا لذلك.
وبعد هذا كلّه لا تجدنا بحاجة لعرض ضرورة فتح مجال تقليد غير المجتهدين لهم في الأحكام الشرعية بعد ملاحظة الأسلوب العقلائي، بل وقبل ذلك دلالة الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة على هذه الحقيقة.
إنّها ضرورة الرجوع للخبراء؛ "وما كانَ المؤمنون لينفروا كافة" على أن الشريعة احتاطت في التقليد فشرحت شروط العالم المقلّد بل أوجبت – في أكثر الآراء – الرجوع إلى الأعلم.
وهكذا يستمر هذان المبدآن بعد انحفاظ مصادر الشريعة "الكتاب والسنّة" وتراكم خبرات المجتهدين.
 

أمّا ما دعا إلى إغلاق باب الاجتهاد من عوامل:
كإنقسام الدولة الإسلامية وتناحر الحكام وانشغالهم عن تشجيع حركة التشريع، وانشغال العلماء بأمور الدنيا، أو انقسام المجتهدين إلى فرق وأحزاب متعصّبة، أو انتشار المتطفلين على الفتوى والقضاء وعدم وجود ضوابط، أو ما قيل من شيوع شيء من التحاسد،
 

أو نبوغ شخصيات علمية لامعة سدّت بطبيعة عظمتها الطريق للآخرين احتراماً وانبهاراً بها، أو ما هنالك من عوامل سياسية أو حتّى فقهية أو غير ذلك، أمّا كل هذه العوامل فيمكنها أن تذوب إذا لاحظنا: ضرورة الاجتهاد المستمر، وانضباط القواعد الاجتهادية حتّى عادت متقاربة وهذا ما نجده بوضوح في "الاستحسان"، واتساع الحياة والتعقيدات والوقائع المطروحة، وقبل كلّ ذلك انحفاظ المصادر التشريعية الأولى، وتزايد خبرات المجتهدين المتراكمة عبر الأمن والتنقيب. فمن يقارن ما وصلت إليه الجامعة في قم اليوم من نظريات أصولية يجد البون شاسعاً بينه وبين المستوى قبل مائة عام مثلاً.
ومن الملاحظ، أنّ الاجتهاد يتعقد بتعقّد الحاجة وفي مرحلة من تطوّره يتحوّل إلى عمليتين معاقبتين؛ إحداهما: أصولية تركز على دراسة العناصر المشتركة التي يمكن الاستفادة منها في مختلف الأبواب الفقهية.
 

والثانية: فقهية تدرس الواقعة وتطبق تلك القواعد.
ومن هنا عبر عن علم الأصول: بمنطق الفقه، باعتبار أنّه يقوم بنفس ما يقوم به علم المنطق بالنسبة للأفكار الإنسانية عموماً من تنظيم قواعدها التي تعصمها عن الخطأ.
وهنا ندرك أنّ علم الأصول نشأ في أحضان علم الفقه، كما نشأ علم الفقه في أحضان علم الحديث – كما يعبّر المرحوم الشهيد الصدر-.

* الاجتهاد وخطر الذاتية:
ولأستاذنا المرحوم الشهيد الصدر بحث رائع في هذا المجال جاء في بحثه تحت عنوان عملية الاجتهاد والذاتية في كتابه القيم "اقتصادنا" وهو بصدد اكتشاف المذهب الاقتصادي الإسلامي من خلال الأبنية العلوية له، وهي الأحكام والأسس التي تشكل أرضيته الاجتماعية وهي العقيدة والمفاهيم والعواطف، وملخص بحثه هو أنّ:
الاجتهاد يعني تسرّب بعض المواقف الذاتية أحياناً إلى النتيجة، ويشتدّ الخطر ويتفاقم عندما تفصل بين الشخص الممارس والنصوص التي يمارسها فواصل تاريخية وواقعية كبيرة وحين تكون تلك النصوص بصدد علاج قضايا يعيش الممارس واقعاً مخالفاً كلّ المخالفة لطريق النصوص في علاج تلك القضايا، يتسرّب خطر الذاتية إلى عملية الاجتهاد. ويعتبر السيد الشهيد الصدر أنّ هناك أربعة أسباب لمنابع هذه الذاتية:
 

أ‌- تبرير الواقع: أي أنّه قد ينظر المجتهد إلى الواقع باعتباره واقعاً لا مناص من الرضوخ إليه فيندفع للبحث عمّا يبرّر سلوكه فيه بدلاً من التفكير في تغيير الواقع على أساس النص.
 

ب‌- فهم النص ضمن إطار خاص: أي أنّ الفقيه قد يرتكز إلى مسلّمة من المسلّمات العقلية الناشئة من عرف تاريخي مستمر بحيث يفرض عليه ذلك تجاوز النصوص المخالفة وغير المقرّرة لهذه المسلّمة إلى نصوص أخرى أو قد تحكم هذه المسلّمة على النص بحيث يتجه البحث بدل الكشف عن مدلول النص إلى تأويله لصالح هذه المسلّمة أو تلك والتي فرضتها هيبة التاريخ ومسلّماته. وكما أنّه قد يغفل الفقيه عن المدلول التاريخي اللغوي للنص يستفيد منه المعنى الانتقالي الجديد وهكذا.
 

ج- تجريد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه: عندما يكون هناك عرف لدى الناس في حياة المعصوم فقد نتوهم إقراره لهذا الواقع حيث يعطي هذا الإقرار شرعية لهذا العرف أو ذاك.
 

لاّ أنّ هذا التوهم إنّما ينشأ من تجريد هذا العرف باعتباره دليلاً من ظروفه وشروطه وهذه الشروط هي التالية:
أولاً:
يجب التأكد من أنّ هذا السلوك كان ضمن الحقبة التاريخية للمعصوم الفلاني.
 

ثانياً: يجب التأكد من عدم صدور نهي عن هذا السلوك.
 

ثالثاً: يجب الالتفات إلى الظروف الموضوعية المتوفّرة التي منعت من عدم النهي. أو تلك القرائن الدّالة للسكوت الإمضائي والإقراري شرعية السلوك السائد.
ثمّ لا يغيب عن البال مدى أهمية البحث عن الاعتبارات الموضوعية التي تثبت اشتراط هذا الإقرار بحالة ما أو لمدّة محدودة.. وهكذا فإنّه من الخطأ عزل السلوك المعاصر لعصر المعصوم عن ظروفه وخصائصه.

رابعاً: اتخاذ موقف مسبق بفعل الميل النفسي، إنّ للاتجاه النفسي للباحث أثراً كبيراً على عملية فهم النص وبالتالي الإستدلال به إذ عندما يكون للباحث ميل لموضوع معيّن فقد يوجد كلّ طاقته لفهم أبعاد هذا النص أو ذاك الدليل. بينما لا يتفاعل معه من ليس له ميل أو خبرة في موضع البحث بحيث يبدو عقيماً مع العلم أنّ المشكلة هنا لدى الباحث نفسه. وهي مشكلة قد تؤدّي إلى التضليل والانحراف.
 

ومن الجدير ذكره أنّ المعصوم في بعض الحالات يتصرّف كمبلغ للأحكام بعينها باعتبارها ثابتة ومرّة أخرى يتصرّف كولي أمر فيلاحظ المصالح التي تفرضها الظروف.. وعليه ففي الحالة الثانية هناك ضرورة للتدقيق في كلّ معطيات الموضوع.
ثمّ تطرّق الشهيد الصدر إلى نقطتين الأولى عدم إمكانية التخلّص من الذاتية أحياناً وهذا هو ما يؤدّي إلى تعدّد أو تنوّع الإجتهادات. الثانية: صراع الواقع الموضوعي حيث يتوهّم الباحث من عدّة تصرّفات زمن المعصوم بما يوحي بتصوّر للإسلام فيمضي نحو هذا التصوّر. وبهذا المختصر تكون قد تصوّرنا منابع الذاتية وخطرها.

* تاريخ الاجتهاد في مدرسة أهل البيت
إنّ عملية الاجتهاد هي عبارة عن تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديداً استدلالياً وهي عملية لا غنى عنها، ما دامت الأحكام الشرعية في غالب الأحيان ليست من البداهة والوضوح بدرجة تغني عن إقامة الدليل. وهذا هو المعنى المقصود اليوم لدى مدرسة أهل البيت.
بينما كانت ترمز لفظة الاجتهاد إلى الاجتهاد الشخصي والقياس لدى المدرسة السنية على قاعدة "أنّ عليه في الكتاب أو السنّة رجع إلى الاجتهاد بدلاً عن النص" أي أنّ المجتهد حينما لا يجد نصاً يعتمد عليه فله أن يعود إلى رأسه الشخصي أو القياس.
 

وقد نادت بهذا مدارس كثيرة على رأسها مدرسة أبي حنيفة. إلاّ أنّه كانت هناك بعض المدارس السنية المخالفة، والتي منها المدرسة الظاهرية على سبيل المثال فقد شنّت حملة ضدّ القياس.
وعلى أيّ حال فربّما أدّى اشتراك لفظ الاجتهاد بين المعنى العام والمعنى الخاص إلى التحرّز عن اللفظ وتأليف الكتب ضدّ "الاجتهاد" ويقصد به المعنى الخاص طبعاً من مثل مصنّف عبد الله بن عبد الرحمن الزبيري الذي أسماه: "الاستفادة في الطعون على الأوائل والرد على أصحاب الاجتهاد والقياس" وصنّف إسماعيل بن علي النوبختي في عصر الغيبة الصغرى كتاباً في الرد على الاجتهاد – كما ذكر الرجالي الشيعي المعروف – النجاشي في كتابه -.
 

وبعد الغيبة الصغرى يأتي العالم الكبير "الصدوق" في أواسط القرن الرابع ليواصل الحملة، ويأتي بعده تلميذه الشيخ المفيد في أواخر القرن فينقض على ابن الجنيد في "اجتهاد الرأي".
ثمّ يأتي دور تلميذه السيد المرتضى في أوائل القرن الخامس فيذمّ الاجتهاد وطريقة من عول عليه في كتبه كالذريعة والانتصار.
ويأتي بعده تلميذه المجدّد الكبير الشيخ الطوسي في أواسط القرن الخامس ليقول في كتابه العدّ؛ "أمّا القياس والاجتهاد فعندنا أنّهما ليسا بدليلين، بل محظور في الشريعة استعمالها".
ويأتي بعده ابن إدريس في أواخر القرن السادس ليقول؛ "والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا".
 

ويرى أستاذنا الشهيد الصدر أنّ الكلمة ظلّت هكذا حتّى رأينا المحقّق الحلي المتوفي سنة "676" هـ، في كتابه "المعارج" يفرق بين المفهومين بعد أن يعرف الاجتهاد بأنّه؛ "بذلك الجهد في استخراج الأحكام الشرعية" ثمّ يعترض على نفسه فيقول:
فإن قيل: يلزم – على هذا – أن يكون الإمامية من أهل الاجتهاد، قلنا: الأمر كذلك لكن فيه إيهام من حيث أنّ القياس من جملة الاجتهاد فإذا استثني القياس كنّا من أهل الاجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس.
 

ولكن المرحوم الحلي يحصره في عمليات الاستنباط من غير ظواهر النصوص ولكنّه حدّد ذلك بالأصول العملية حيث الشكّ في الحكم الشرعي.
وربّما كان لتفريق علماء السنّة بين المفهومين أثره في هذا التحوّل فإنّنا نجد الغزالي مثلاً في كتابه المعروف "المستصفى" لم يستعمل الكلمة في خصوص اجتهاد الرأي وكذلك ابن الحاجب في "مختصره" الذي شرحه العضدي...
 

ويرى المرحوم الشهيد المطهري أنّ روح التقارب كانت سائدة رغم الخلاف، فبمجرّد أن ينفتح باب التقارب باتساع مفهوم مثلاً يتمّ التقارب بشكل طبيعي، والاجتهاد أحد موارده، والإجماع كذلك. فإنّ مدرسة أهل البيت ترفض النظر للإجماع حجّة برأسه ولكنّه طرحته وقبلته بعد اتساع مفهومه لشمول الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم. ومن ذلك اعتبار الأدلة أربعة، قياساً على الأدلّة الأربعة لدى المدرسة السنيّة، ولكن بتبديل القيام أو الاجتهاد إلى العقل ولكن في أحكامه القطعية الكاشفة ن الحكم الشرعي عبر قاعدة التلازم.
والملاحظ أنّ كلّ علماء الإمامية الذين حملوا على الاجتهاد كانوا هم – كما هو الظاهر – يطبقون عملية الاجتهاد بمعناها الأعم.
والملاحظ أنّ المسيرة الاجتهادية الممتدة والمفتوحة لدى مدرسة أهل البيت عليه الصلاة و السلام واجهت بالإضافة للعرقلة السابقة الناشئة من شيء من الخلط بين المفهومين العام والخاص للاجتهاد واجهت حالتين أخريين كادت الثانية منهما تعصب بالمسيرة الاجتهادية على الإطلاق وتغلق الباب تماماً.
أمّا الأولى: فكانت الفترة التي تلت حياة شيخ الطائفة الشيخ الطوسي "رحمة الله عليه" فقد كانت عظمة هذا الرجل ومؤلفاته وشخصيته مسيطرة إلى الحدّ الذي امتنع معه العلماء بعده من إظهار أي نظر جديد. كان هذا الوضع سائداً حتّى بزغ نجم العالم الجليل ابن إدريس الحلّي فراح يتحدّى ذلك الوضع ويسدي بذلك خدمة كبرى لمسيرة الاجتهاد.

وأمّا الثانية: فكانت الحركة الإخبارية التي بدات منذ حوالي أربعة قرون على يد الشيخ الملاّ أمين الأسد آبادي الذي استطاع أن يجذب إليه بعض العلماء. وقد امتازت مدرسته بالوقوف ضدّ حجية الحكم العقلي مطلقاً ورفض الإجماع، بل وحتّى التوقّف عن العمل بالظواهر الكتابية إلاّ إذا فسرتها أحاديث أهل البيت وادّعت أنّ كلّ الأحاديث الواردة في الكتب الأربعة الرئيسية للإمامية وهي؛ "الكافي" و"التهذيب" و"الاستبصار" و"من لا يحضره الفقيه" صحيحة ومعتبرة بل هي قطعية الصدور، وراحت تنكر أيّ تخصّص في الدين، وتنفي التقليد فعلى الناس مراجعة الروايات مباشرةً والعمل بها.
 

والحديث هنا طويل إلاّ أنّ هذا الخطر ارتفع بظهور مجموعة من العلماء على رأسهم العالم الكبير الوحيد البهبهاني وغيره ممّا فتت هذا المسلك ولم يعد له وجود إلاّ نادراً – بعد أن كان يشبع الجمود والانحراف بالمسيرة الفكرية الصاعدة.
وجاءت الضربة القاضية له على يد المرحوم الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه.
 

وقبل أن ننتقل إلى المرحلة الثالثة من البحث نودّ أن ننبّه إلى أنّ البحوث والمجالات الكثيرة التي تتعلّق بهذه المرحلة وإرهاصاتها وعقباتها قد طويت هنا أو أشير إليها إشارة عابرة لضيق المجال.
ومن أهم تلك البحوث أثر الروح الاجتهادية المستقلة التي تسمح للمجتهد أن ينقض كلّ أدلّة من سبقه ويختار رأياً جديداً ولا تدعه يقلد حتّى في سنة رواية واحدة بل عليه أن يدرس كلّ أصول علم الرجال وأحوال رجال السند ويكون رأيه المستقل، نعم أثر هذه الروح على المواقف السياسية المستقلة المعارضة للانحراف خصوصاً في العصور الأخيرة. فليترك هذا البحث إذن إلى مجاله الخاص.

ثالثاً: خصائص المدرسة الاجتهادية الحديثة
يمكننا – كما مرّ – أنْ نعتبر بزوغ الشيخ الأنصاري في مدرسة النجف العلمية دفعة جديدة وتكفي نظره ولو سريعة على كتابه الضخم "فرائد الأصول" والمعروف لدى العلماء بكتاب "الرسائل" لمعرفة التأثير العميق والطفرة التي حدثت في هذا الجانب.
ويأتي بعده كتاب "كفاية الأصول" الذي ألّفه فقيه عصره المرحوم الآخوند الخراساني وهو بدوره أثرى المسيرة الاجتهادية أيّما إثراء، ومن بعده يأتي دور الازدهار والتوسّع الفكري الكبير على يد أمثال المرحوم الميرزا النائيني والشيخ العراقي والشيخ الأصفهاني وأمثالهم والإمام الخميني القائد "قده" والسيد الشهيد الصدر رضي الله عنه.
 

وهكذا نصل إلى مرحلة القمّة اليوم المتمثّلة في علماء الحاضرة العلمية وعلى رأسهم فقيه الأمّة ومجتهدها العظيم الإمام الخميني"قده". ويمكننا أن نذكر من خصائص هذه المرحلة الحديثة ما يلي:
 

أولاً: المنهجية الدقيقة في عرض المراحل الاجتهادية فيبدأ الشخص السائر في طريق الاجتهاد بتهيئة مقدماته من دراسته العلوم اللغوية والبلاغية والمنطقية والحديثية والفقهية والتفسيرية والأصولية وغيرها ممّا يرتبط بعملية الاجتهاد من قريب أو بعيد أحياناً كعلم الهيئة وعلم الحساب وحتى بعض البحوث الاجتماعية والنفسية.
 

وبعد الانتهاء من هذه المرحلة تبدأ عملية تحديد الموقف الأصولي من خلال دراسة العناصر المشتركة في الوقائع الفقهية وهي نوعين:
 

أ: الأدلّة المحرزة التي يطلب بها كشف الواقع كالكتاب والسنّة والإجماع والعقل.

ب: الأدلّة العملية التي يطلب بها تحديد الوظيفة العملية في حالة الشك في الحكم الواقعي.
 

ثانياً: الدقّة والعمق الفنّي، فإنّ من يلاحظ عمق الدراسات الأصولية اليوم في الحواضر العلمية في قم والنجف يدرك الأبعاد الواسعة التي انتهت إليها بفضل فتح باب الاجتهاد وحتّى لتجدهم يقضون الأسابيع في بحث قد يبدو بسيطاً لأوّل وهلة كبحث الوضع وبحث الشرط المتأخّر وبحث مقدّمة الواجب ولكن السير معهم يوقف الإنسان على عوالم من النظريات المبدعة، وذلك كالذي نراه في بحث الحكومة والورود والترتب وأمثالها.
إنّ الحديث عن الجانب الفنّي ممتع للغاية ولا مجال له هنا.
 

ثالثاً: الاستيعاب التقريبي للعناصر المشتركة في عمليات الاستنباط وذلك نتيجة تلك المنهجية والدقّة معاً، وإنّما عبّرنا بالتقريي لأنّ مجال اكتشاف عناصر جديدة ما زال مفتوحاً أمام العقل الإنساني الجوال.

رابعاً: الاتجاه الاجتماعي الذي راح يفرض وجوده خصوصاً في الفترة الأخيرة.
 

فالاجتهاد عمليّة تُمكّن المسلمين من تطبيق النظرية الإسلامية للحياة. وللتطبيق مجالان: فردي واجتماعي.
هذا على الصعيد النظري، ولكن الملاحظ أنّ هذه العملية كانت تتجهُ تاريخياً إلى التطبيق الفردي – على الأكثر – لدى الإماميّة وذلك نتيجة لظروف موضوعية وملابسات تاريخية عميقة الجذور. ومنذ سقوط الحكم الإسلامي على أثر الغزو الاستعماري الكافر وطرحت القواعد الفكرية اللاإسلامية لبناء الحياة الإنسانية من مثل الفكرة الاستعمارية الخبيثة "فصل الدين عن السياسة وعن الحياة" وفكرة الالتقاط أي الجمع بين تطبيق الأحكام الإسلامية في الجانب واستجداء القوانين الغربية في الجوانب الاجتماعية الضخمة الأخرى وفكرة "الحرية في السلوك حتّى ولو شخصت الأحكام كما في الحجاب، ومسألة الخمر، والقمار بذلك" أحسّت الحركة الاجتهادية بالخطر، وإنّ التركيز على الجانب الفردي مرتبط كلّ الارتباط بالجانب الاجتماعي، إذ الأول ينهار بانهيار الثاني.
 

ومن ناحية أخرى – كما يقول المرحوم الشهيد الصدر: "الأمة نفسها تعي وجودها وتفكّر في رسالتها الحقيقية المتمثّلة في الإسلام، بعد أن اكتشفت واقع القواعد الفكريّة الجديدة، ونوع التجارب الاجتماعية المزيّفة التي حملها إليها الاستعمار، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الوعي على حركة الاجتهاد نفسها ويؤكّد إحساسها الذاتي خلال التجربة المريرة التي عاشتها في عصر ما بعد الاستعمار بأنّ الإسلام كلّ لا يتجزأ.
 

وكان لهذا أثره الكبير في دفع الروح الجهادية للاجتهاد لديهم إلى الأمام فصدرت بحوث ضخمة في هذا المجال وإنّ تطوّره المستقبلي يبشّر بألف خير بعد نجاح الثورة الإسلامية الكبرى التي قادها مجتهد أعلى هو الإمام الخميني الرائد بعد أن مهّد لها هو وتلامذته بأروع تمهيد سواء على صعيد تحريك الحوزات العلمية، وطرح الرؤى الاجتماعية الكبرى أمامها أو على صعيد إشعار الأمّة بالخطر وإثارة حبّها وعواطفها نحو التطبيق الإسلامي الشامل ولا أدلّ على ذلك من محاضرات الإمام القائد في مجال "الحكومة الإسلامية" التي انتشرت قبل أكثر من عشر سنين من نجاح الثورة ومدّت الوعي كالعافية إلى عروق الأمة المسلمة في إيران وغيرها. نعم بعد انتصار الثورة الإسلامية الكبرى اندفعت عملية الاجتهاد إلى الأمام لا لدى الشيعة فحسب بل وحتّى على الصعيد السنّي في إيران بعد أن كان على الجميع أن يجيبوا على الأسئلة الاجتماعية الجديدة في المجال العائلي

والمجال الإداري والمجال الحقوقي والمجال القضائي والمجال العسكري والمجال السياسي والمجال الاقتصادي والمجال التربوي والمجال الجنائي وغير ذلك كثير كثير فكانت الثورة الإسلامية المباركة مصدر خير لا يحصى في هذا المجال خصوصاً بعد أن طلب الإمام القائد من الفقهاء هذا الأمر. ولا ننسى ونحن بهذا الصدد ظهور خاصيّة المقارنة في الفترة الأخيرة بين المذاهب الإسلامية في الحياة وغيرها من المذاهب المادية وهو ما تمثّل أكثر من غيره في مؤلفات من قبيل "اقتصادنا" للشهيد الكبير المجتهد الصدر و"نظام حقوق المرأة والإسلام" للشهيد الكبير المجتهد المطهري و"البنك اللاربوي في الإسلام" للشهيد الكبير المجتهد الصدر.
 

رابعاً: الاجتهاد والثورة الإسلامية المباركة في إيران
يمكننا أن نعزو نجاح الثورة الإسلامية المباركة في إيران المسلمة إلى عوامل كثيرة، إلاّ أنّ الأهم منها هو عنصر الاجتهاد الحر الذي تمتّعت به الجوامع الدينية هناك، فقد لعب دوراً ضخماً أذهل الاستكبار العالمي وأفقده صوابه بعد أن لم يكن ليملك قدرة تقديره.. وإلاّ فهل يمكننا أن نصدّق أن مدينة كمدينة قم تضرب عن العمل وتغلق محلاّتها لمدّة ثلاثة عشر شهراً لولا وجود عنصر الاجتهاد الرائع وتغلغل مفعوله في الأمة المسلمة؟
 

وهل يمكن أن نصدّق سجود الجماهير على الأرض لله والدبابات تتجه إليها مزجرة لكنّها تبقى بجنودها ترتجف أمام الإيمان العظيم؟ والحديث واسع في هذا المجال.
لقد امتلك المجتهدون وجوداً قوياً في أعماق الأمة المسلمة أثر فيها: وعياً رائعاً لتعاليم الإسلام من جهة ومؤامرات أعدائه من جهة أخرى. وعاطفة واعية قائمة على أساس ذلك الوعي. وانشداداً عملياً إلى قيادته المجتهدة يتجاوز كلّ التصورات.

أمّا كيف امتلك الاجتهاد هذا التأثير الرائع في إنجاح الثورة الإسلامية فله مجال واسع من الحديث ولكنّنا نشير هنا إلى بعض الأمور الموضحة لذلك فهناك:
أولاً: الانعكاس الطبيعي للروح الاجتهادية الحرّة على شخصيّة المجتهدين والسائرين في طريق الاجتهاد ممّا أنتج استقلاليّة اقتصادية وسياسية وقبل كلّ شيء استقلالية في الشخصية، ومن الواضح دور هذا الاستقلال في إرعاب الحكّام وتكتيل الجماهير حول القيادة.

ثانياً: الروح الحريصة التي ينتجها الاجتهاد في مجال العمل على تطبيق الإسلام في كل مجالات الحياة خصوصاً حينما يجد المجتهد أنّ الأحكام التي يبذل في سبيل استنباطها السنين الطوال ويدرك قدسيتها قبل كلّ شيء ضائعة مهملة ممّا يحرّكه نحو إيجاد الجوّ المناسب للتطبيق.

ثالثاً: الدور العظيم الذي يقوم به التقليد للمجتهدين الأحياء في شدّهم عقائدياً للقيادة بنحو لا تستطيع أيّة حكومة مهما كان إرهابها أن تقطع الأواصر العقائدية هذه لأنّها تمتدّ من القلب والعمق العقائدي إلى من يتمثّل بهم الاجتهاد.

رابعاً: أهمية الاعتقاد بولاية الفقيه باعتبارها امتداد القيادة الأصيلة التي يجب أن تطبق التجربة الإسلامية في الحياة .. فإنّ هذه الولاية تمتلك قدرة توجيه الجماهير بل وحتّى المجتهدين الآخرين وفق أوامر المجتهد الولي.. ولها مفعولها العظيم في إضفاء الطبيعة الإسلامية على الحياة وملء المنطقة التشريعية التي تركها الإسلام لولي الأمر ليقوم بتطبيق توجيهات الشريعة في مجالها.
 

هذا إلى غير ذلك من العناصر التي توجّتها شخصية الإمام الخميني القائد القوية المتقيّدة الزاهدة الصابرة فاستثمرت هذا الوعي والإخلاص لتحقيق الخطوة الأولى من الهدف المنشود وهو نجاح الثورة الإسلامية.
أمّا بعد نجاح الثورة الإسلامية فإنّ نفس العوامل ولكن بمستوى أقوى وأعمق هي التي مكّنت الشعب الإسلامي المؤمن من الوقوف بوجه كلّ قوى الاستكبار العالمي وعملائه ومؤامراته المتنوّعة.
ولا يسعنا المجال هنا لعرض كلّ الآثار.
 

وهي الولاية العامّة التي قرّرتها الشريعة له.
فقالت المادّة الخامسة بأنّ الولاية العامّة إنّما هي للفقيه العادل الواعي المدبّر الذي تؤيّده بالطبع جماهير الأمر المسلمة وإذا لم يتوفر هذا الشرط في شخص شكّل مجلس قيادة من الفقهاء الواعين العدول.
في حين فصلت المواد من 107 – 112 صلاحيات القائد وفي المادة السابعة بعد المائة؛ يقوم الخبراء في الأمور الفقهية بتشخيص القائد وانتخابه بشروطه المذكورة له.
 

وتقرّر المادة "91" تشكيل مجلس صيانة الدستور على نحو يكون ستّة من أعضائه من الفقهاء ويقوم هؤلاء الستّة بدراسة ما إذا كانت القوانين التي يصادق عليها مجلس الشورى الإسلامي منسجمة مع التعاليم الإسلامية أم لا، في حين يعطي الأعضاء كلّهم رأيهم في مدى انسجامها مع الدستور الإسلامي.
وتؤكّد المادّة "162" على أن يكون رئيس السلطة القضائية مجتهداً عادلاً.
 

وهكذا نجد الدستور يتلاءم وما قرّره الإسلام للمجتهد من مناصب مهمّة.
أمّا منصب الفتوى والتقليد فهو يرتبط بقرار الفرد نفسه وتوصله إلى الأعلم الذي يجب أن يقلّده في أحكام دينه ولا ربط له بالدستور.
وختاماً نبتهل إلى العلي القدير أن يوفّق طلاّب العلوم الدينية للاجتهاد الحر المطلق ومجتهدينا لتوخّي رضا الله والحقيقة وعرض الإسلام خير عرض والقيام بواجبهم الاجتماعي، وامتنا للعمل بتعاليم الإسلام، ونفي كلّ انحراف عنه فإنّ فسق وظلم وكفر وإن غد التطبيق الإسلامي الشامل لقريب.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع