الحج من العبادات العظيمة في الإسلام، وهو أحد أركان خمسة قام عليها الدين كما في الأحاديث الشريفة ولعلّ السرّ في عظمة هذه العبادة كان في تنوّع أبعادها وشموليتها لكلّ جوانب حياة الإنسان الروحية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتّى العرفانية أيضاً.
ومع دخول شهر شوال المعظم أول أشهر الحج، ارتأينا أن نتحدّث عن أحكامه العامّة مرفقة بصور توضيحيّة علّها تعين القرّاء الكرام، وخاصّة الذين يتهيأون للحج هذا العام، على فهم المطالب تاركين التحدث عن أسرار الحج وأبعادها المختلفة إلى فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.

* أقسام الحج
يجب على كلّ مكلّف جامع للشرائط أن يؤدّي مناسك الحج مرّة واحدة في العمر ووجوبه من ضروريات الدين التي يحكم على منكرها بالكفر قال تعالى: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين﴾.
 

والحجّ يقول على ثلاثة أقسام:
الأول: حج التمتّع وهو واجب على كلّ مكلّف جامع لشرائط يبعد عن مكّة ستّة عشرة فرسخاً فصاعداً"48 ميل".
 

الثاني والثالث: حج القرآن وحج الأفراد، وهو فرض من لم يكن يبعد عن مكة هذا البعد.
 

ونحن نقتصر هنا الحديث عن أحكام حج التمتّع لضيق المقام، وحيث أنّه لا بدّ للمكلّف أن يأتي بعمرة التمتّع قبل ذلك، إذ أنّ حجة الإسلام"للبعيدين عن مكة" مركّبة من العمرة والحج فقد قسّمنا الحديث إلى فصول ثلاثة هي:
 

1- أعمال عمرة التمتع.
2- أعمال حجّ التمتع.
3- محرمام الإحرام.

* الفصل الأول: أعمال عمرة التمتع

تتألّف عمرة التمتع من الأعمال التالية:
1- الإحرام

2- الطواف

3- صلاة الطواف

4- السعي

5- التقصير

هذه الأعمال يجب تأديتها بين الأول من شهر شوال والزوال من اليوم التاسع من ذي الحجة.
 

أمّا أماكن هذه الأعمال فهي:
الإحرام: وموضعه من أحد مواقيت الحج، وبالنسبة للحجاج اللبنانيين الذي يمرون على المدينة المنورة، فميقات حجهم هو مسجد الشجرة.
الطواف: وهو حول المسجد الحرام.
 

صلاة الطواف: داخل المسجد الحرام خلف مقام إبراهيم عليه الصلاة و السلام لقوله تعالى: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى".
السعي: وهو بين الصفا والمروة.
التقصير: وليس له مكان محدّد.

* الإحرام:
وهو أوّل أعمال العمرة والموضع الذي يجب فيه أداء هذه المنسك هو مسجد الشجرة للحجاج الذي يمرّون على المدينة المنوّرة ويقال له: ميقات أهل المدينة ومن يمرّ عليها.
كيفيّة الإحرام: بعد أن ينزع الحاج عنه الثياب المخيطة، ويلبس ثياب الإحرام، ينوي الإحرام لعمرة التمتّع ثمّ يقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك".
 

لباس الإحرام عبارة عن ثوبين أحدهما إزار يستر"استحباباً" ما بين السرّة والركبة والآخر رداء يسدّ له على كتفه.
يشترط في لباس الإحرام أن تصحّ الصلاة فيه فيجب أن يكون طاهراً ومباحاً وليس من الحرير الخالص، بل ليس فيه شيء من الحرير حتّى للنساء.

* محرمات الإحرام:
أ‌- ما يحرم على الرجل والمرأة
1- صيد البر الوحشي
2- كلّ لذّة وتمتع وخاصة الوطء والتقبيل واللمس والنظر بشهوة
3- إيقاع العقد
4- الاستمناء
5- الطيب بأنواعه
6- الاكتحال بالسواد إن كان فيه زينة
7- النظر في المرآة
8- الفسوق ويشمل الكذب والسباب والمفاخرة
9- الجدال وهو قول "لا والله" و"بلى والله".
10- قتل هوام الجسد من القمل والبرغوث ونحوهما
11- ليس الخاتم للزينة
12- التدهين وإن لم يكن فيه طيب
13- إزالة الشعر عن البدن
14- إخراج الدم من البدن
15- تقليم الأظافر وقصها
16- قلع الضرس
17- قلع الشجر والحشيش النابتين في الحرم
18- لبس السلام
 

ب‌- ما يحرم على الرجال فقط:
1- لبس الثياب المخيطة.
2- لبس ما يستر جميع ظهر القدم كالخف والجورب
3- تغطية الرأس
4- التظليل فوق الرأس

ج- ما يحرم على النساء المحرمات فقط:
1- تغطية المرأة وجهها بنقاب أو برقع ونحوها
2- لبس المرأة الحلي للزينة

* الطواف:
وهو العمل الثاني من أعمال عمرة التمتع. فبعد أن ينتهي المكلّف من الإحرام. يتوجّه سبعة أشواط. وهناك لا بدّ من الالتفات إلى الملاحظات التالية:

1- النية، وهي أن ينوي أن يأتي بسبعة أشواط الطواف لعمرة التمتع من الحج، ويجب أن تكون خالصة لله تعالى.
2- الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، فيجب أن يكون متوضئاً ومغتسلاً إن كان عليه غسل. ويشترط كذلك طهارة البدن واللباس من النجاسة كما ولو كان في حال الصلاة.
3- الإبتداء بالحجر الأسود والختم من المكان الذي بدأ منه.
4- أن تكون الكعبة حال الطواف على يسار الطائف.
5- إدخال حجر إسماعيل في الطواف، وحجر إسماعيل محلّ متصل ببيت الكعبة فيجب على الطائف أن يطوف حوله أيضاً.
6- أن يكون الطواف بين الكعبة ومقام إبراهيم عليه الصلاة و السلام من جميع الجهات والجوانب. فإذا كانت المسافة بين الكعبة ومقام إبراهيم عليه الصلاة و السلام من جميع الجوانب"26.5 ذراعاً" فيجب أن لا يبتعد عن الكعبة أكثر من ذلك أثناء الطواف من جميع الجوانب. طبعاً لا يدخل مقام إبراهيم في الطواف.

* صلاة الطواف
بعد أن ينتهي من سبعة أشواط الطواف، يجب أن يصلّي ركعتين بنية صلاة الطواف.

أ‌- كيفية صلاة الطواف مثل صلاة الصبح، لكن يمكن له الإخفات أو الجهر في القراءة.
ب‌- وقت صلاة الطواف بعد الانتهاء من الطواف مباشرةً وقبل السعي.
ج- مكان صلاة الطواف في المسجد الحرام عند مقام إبراهيمن والأحوط وجوباً كونها خلف المقام حيث يقع الحجر بينه وبين الكعبة، وكلّما قرب إليه كان أفضل لكن لا بحيث يزاحم الناس. ولو لم يتمكّن من الصلاة خلف المقام للازدحام يصلّي على يمين المقام أو يساره بحيث يصدق عليه أن يصلّي عند المقام.
 

ملاحظة: يجب على كلّ مكلّف أن يؤدّي صلاته بشكل صحيح وخصوصاً من يعزم الحج فيجب عليه المبادرة إلى تصحيح صلاته حتّى تقع صلاة الطواف صحيحة وبالتالي يكون حجّه صحيحاً.

* السعي بين الصفا والمروة
وهو رابع أعمال عمرة التمتّع. فبعد أن يؤدّي ركعتي صلاة الطواف. يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط. وهما جبلان معروفان. وقد مسحت الأرض بينهما اليوم وأصبحت مسقوفة.
يجب البدء بالسعي بين الصفا والانتهاء بالمروة. فالسعي من الصفا إلى المروة شوط. ومن المروة إلى الصفا شوط. وهكذا ينتهي بعد سبعة أشواط عند المروة.

* التقصير
وهو خامس أعمال عمرة التمتع وآخرها. وهو عبارة عن قص شيء من الظفر أو شعر الرأس أو الشارب أو اللحية.

وقت التقصير بعد الانتهاء من السعي. وإذا لم تجب المبادرة إلى ذلك إلاّ أنّه لا يحلّ له شيء ممّا حُرم عليه بالإحرام حتّى يقصّر.
لا يوجد مكان محدّد للتقصير. إلاّ أنّ المتعارف هذه الأيام أن يقصّر الحجاج بعد السعي عند "المروة".
 

بعد التقصير يحلّ له كلّ ما حرّم عليه بالإحرام إلاّ حلق شعر الرأس. حيث يحلقه بعد التضحية يوم العيد.
وفي عمرة التمتع لا يجب طواف النساء، وتحلّ له النساء ما لم يبدأ بأعمال الحجّ وأولها الإحرام.
في الحلقة القادمة، ترقبوا الحديث عن أعمال حجّ التمتّع.