مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

مشكلات الشباب

يواجه الشباب عادة الكثير من العوامل والمشاكل التي تعيق بناءهم الفكري والعقائدي السليم. ولا يخفى أنه من غير اليسير بحث جميع هذه العوامل والمشاكل وإيفاؤها حقها على هذه الصفحات الصغيرة، إلا أن ما لا يدرك كلّه لا يترك جلَّه، فلا يخلو الأمر من حاجة إلى عدد من الملاحظات الضرورية في عملية البناء الفكري والعقائدي للشباب.

* حل المشاكل الفكرية هو الأساس:
لو قرأنا سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم امتثالاً ومر الله تعالى في قوله: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر (أحزاب/21)، لوجدنا أن الخطوة الأساسية الأولى التي قام بها النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم هي العمل على حل المشكلات الفكرية والعقائدية في المجتمع الجاهلي وخصوصاً على مستوى الشباب.
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم قام بثورة ويعترف الجميع، المسلمون وغير المسلمين، أنها انتصرن وأفلحت في تغيير واقع المجتمع الجاهلي إلى مجتمع متحضر، بل أصبح رائد الحضارة والتقدم لفترة طويلة من الزمن.
وإن أول ما بدأ به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حركته هو القيام بثورة فكرية وثقافية، على أنه لم يكن ليفكك مطلقاً على المستوى العملي بين المسائل الاجتماعية وبين المسائل الفكرية والعقائدية.
فمن الأمور التي كان يطلبها من الناس ﴿قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا (سبأ/46).
فليس المطلوب منك أيها الإنسان إلا أن تقوم لله، ودون أن تتأثر بكثرة المنحرفين والموسوسين في المجتمع، بل تقوم وحدك وتتفكر، وعندما تحيا الأفكار وتحصل الثورة في الروح والعقيدة والفكر، فإن سائر المشكلات في الحياة تصبح محلولة ومنتهية.

نشير هنا إلى أن الآية الكريمة تتحدث عن نوعين من التفكر حيث يوجد الكثير من المسائل التي لا يمكن الوصول إلى حل لها إلا من خلال التفكر في الخلوات، وفي المقابل فإن حلّ الكثير من المسائل الأخرى يحتاج إلى تعاون العلماء وتنسيق الجهود والأبحاث والتحقيقات الجماعية. فإيجاد الحلول لجميع المشاكل في المجتمع وعلى المستوى الفردي لا يستغني عن الأسلوبين في التفكير.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى مدى عشر سنوات في مكة (مرحلة الدعوة العلنية)، لا يبلغ إلا شعاراً واحداً "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" فهذه الدعوة إلى التوحيد هي الأساس في حل جميع مشكلات البشر. فبدون إلغاء الأفكار الفاسدة والعقائد الباطلة لتحلّ محلّها الأفكار والعقائد الصحيحة لا يمكن التقدم خطوة واحدة في حل المشاكل الأخرى. ولذلك اكتفى بالدعوة إلى التوحيد في البداية، ومن هنا يعلم أن ثورة الإسلام كانت ثورة ثقافية وفكرية وعقائدية.

* علاقة الحكمة العملية بالحكمة النظرية:
ولا يمكن أن نغفل الإشارة عن أن كون حل المشاكل الفكرية يؤدي إلى حل جميع مشاكل المجتمع مبني على أساس وحدة العلاقة بين العقيدة والفكر من جهة والالتزام العملي من جهة أخرى. وبتعبير آخر، يجب أن تكون الحكمة العملية لكل فرد من أفراد المجتمع منبثقة من رؤيته الكونية والعقائدية. وأما أولئك الذين يعتقدون بالعقائد الصحيحة دون أن يدفعهم ذلك إلى العمل الصحيح فليس هذا من العقيدة الصحيحة في شيء. ولتوضيح هذه المسألة نضرب المثال التالي:

لو مشينا في شارع ضيق، ووجدنا أن السير يزدحم فيه على الدوام وبشكل كبير، نخلص إلى نتيجة وهي يجب توسيع هذا الشارع، فمن واقع كون الشارع ضيقاً ويسبب ازدحاماً كبيراً في السير، نستخلص الوجوب "يجب توسيع الشارع" وكذلك القرآن الكريم عندما يحرم الخمر مثلا يعلّل ذلك بأنه رجس ﴿إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه (المائدة/90).
وعندما يحرم الإسلام الغش والغيبة، ولا يسمح بتفشي مثل هذه الأمور في المجتمع، فإن ذلك يرجع لكون الغش والغيبة من العوامل. التي تزلزل أسس الثقة الاجتماعية، وتجعل المجتمع مفكك القوى ويؤدي به إلى الزوال.
هذا الواقع هو الذي يوحي بالحرمة الآنفة الذكر ويؤكدها.

فالرؤية القرآنية لهذا الموضوع توحيدية خالصة. فالقرآن يعتبر مصدر النظام التكويني التشريعي هو عين مصدر النظام وهو الله سبحانه وتعالى. والله تعالى لا يوجد تضاد في أفعاله من جهة النظام التكويني ومن الجهة الأخرى التكويني الله تبارك وتعالى يرسل الأنبياء ويوحي إليهم القوانين التشريعية المستوحاة من القوانين التكوينية، ولا تضاد في البين مطلقاً.
إن مصدر النظام التشريعي بنظر القرآن هو عين مصدر النظام التكويني وهو الله تعالى.
وعليه، فالواجبات والمحرمات في القانون الإلهي ليست منفصلة عن الواقع والواقعيات.

وعلى هذا، فلو أردنا أن نصل بالمجتمع البشري إلى كماله النهائي فلا بد أن نعمل على تطبيق القانون الإلهي في المجتمع، وبذلك لن يوجد مانع أو عائق يزاحم حركة الوصول نحو الكمال، أو يزاحم حل جميع المشكلات الاجتماعية.
وبالالتفات إلى هذه الحقيقة نصل إلى القناعة التالية: أن الخطوة الأولى في عملية إصلاح المجتمع تبدأ من إصلاح العقائد والأفكار.
 

وهنا نسجل عدة ملاحظات:

1: عدم الفراغ العقائدي

لا يمكن لإنسان أن يكون خالياً من أية عقيدة، بمعنى أن روح الإنسان وقلبه عبارة عن كأس ملآن دائماً. فلو لم يكن قلب الإنسان عامراً بمعرفة الله والإيمان والتوحيد، فلا بد أن يحل محلها الجهل والكفر والشرك. ويقوى هذا الارتباط الوثيق بين القلب والعقيدة ويشتد في مرحلة الشباب على وجه الخصوص.
يروى أن الحجاج بن يوسف الثقفي، الرجل الذي لم يعرف وجه التاريخ له مثيلاً في الإجرام، طلب من أحد خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أن يتبرأ من علي عليه السلام ويخرج حبّه لعليِّ من قلبه. فأجابه به مستنكراً أنه إذا أخرجت حب علي عليه السلام من قلبي فبحب من استبدل؟ ومردّ هذا الإنكار إلى أن القلب لا يمكن أن يكون خالياً من الحب والموالاة. وأية شخصية أعظم من عليِّ عليه السلام يمكن أن تستهوي القلوب وتأخذ بمجامع العقول إذا ما استخرج منها حب علي عليه السلام.

إن الخطر الأكبر الذي يواجهه مجتمعنا وشبابنا هو المجال الجامعي. فالجامعة التي لا يسعى أساتذتها إلى ملء العقائد والأفكار الصحيحة في عقول الشباب وقلوبهم. فهم بكل تأكيد سوف يجذبونهم إلى الجهة الأخرى من العقائد الباطلة والأفكار المنحرفة سواء عن قصد أو غير قصد.
ولذلك فعلى الأساتذة الواعين والعلماء العاملين والمخلصين أن يعملوا بجد واجتهاد، ودون ملل أو فتور لنشر العقائد الإسلامية الحقة وخصوصاً في الساحات التي يتحرك فيها الفكر الملحد والمنحرف بقوة.

2: مصادرة الاختيار:

الكثيرون عندما يكونون في موقع طرح العقائد الإسلامية للشباب، يحاولون أن ينشروا هذه العقائد بأسلوب منحاز. وهذا اشتباه كبير.. إذ من المفترض أن يكون طرح المسائل العقائدية بأسلوب منطقي ومحايد حتى يختار المتلقي بنفسه العقيدة الصحيحة، لأن شبابنا عندما ينتقلون إلى الجامعات وخصوصاً المنحرفة لن نكون معهم لنختار عنهم، بل هم من سيختار بأنفسهم.

وهذا الأسلوب لطيف جداً ويجب أن يلتفت إليه الأساتذة المحترمون وخصوصاً أساتذة المعارف الإسلامية والقرآن الكريم يؤكد على أتباع هذه الطريقة ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي (البقرة/256)، ويوضح في الكثير من آياته الكريمة أن وظيفة النبي يه البيان والبلاغ ﴿فإنما عليك البلاغ والله بصبر بالعباد (آل عمران/20)، وليس أن يكره الناس على الإيمان ﴿إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر (الغاشية/21/32).
إذاً، يجب طرح المسائل الفكرية في العقيدة الإسلامية وغيرها بصورة منطقية، سليمة يترك المجال للشباب الأعزاء في الحكم والاختيار وهم لن يختاروا إلا ما وافق المنطق السليم والفطرة الصافية.

3: العرض الخاطئ:

يعرض الكثيرون المسائل الفكرية والعقائدية بشكل خاطئ وغير صحيح، ولا يتبعون المنطق السليم، وهذا من أكبر المشاكل التي تعترض شبابنا الأعزاء. وبعض آخر يستخدم المصطلحات المعقدة والمفاهيم الفلسفية الغامضة في غير محلّها. وهذا أبعد لنيل المقصود.
إن الأسلوب الأمثل هو في مواجهة المسائل الفكرية والعقائدية بشكل منطقي وبعيد عن الغموض والتعقيد. نحن لو عرضنا نور الشمس على الناس دون حجب أو حواجز، فلن يخفى هذا النور عليهم ولا تحتاج إلى شيء آخر لإظهاره. ولو عرضنا الماء الزلال بدون أي لون من ألوان التلوث، فلن يتردد الظمآن في اختياره وتناوله. فالاختيار ثابت دائماً في العرض الصحيح والملائم.

وكذلك فإن إبراز الجوانب الوجدانية والأخلاقية من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن إنكارها أو تجاوزها والله تعالى نور ﴿الله نور السموات والأرض والإسلام الذي جاء به القرآن نور أيضاً ﴿قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (المائدة/15) والنبي صلى الله عليه وآله وسلموالأئمة المعصومون أنوار أيضاً ﴿خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين الزيارة الجامعة الكبيرة.
فلو عرضنا هذه الأنوار بحقيقتها دون حجب التعقيد والغموض والأخطاء، بل بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، فمن الذي سيعرض عن الإيمان والمعرفة ويختار ظلمات الجهل والكفر والجحود؟!

4: العمل ينقض القول:

من العوائق الأساسية التي تجعل شبابنا يبتعدون عن الأفكار والعقائد السليمة. عندما يتصرف الداعي ويقوم بأعمال تناقض ما يدعو إليه. فلا يكفي طرح المسائل العقائدية بشكل استدلالي متين، بل يجب على الأقل أن لا نقوم بما يتناقض مع هذه المسائل؛ لأن الناس عموماً، والشباب خصوصاً، في مورد الثقافة الإسلامية يوازنون دائماً بين طرح الأفكار ومطابقتها للأعمال.
فيقبلون ما كان مطابقاً لها ويرفضون ما تناقض معها.
ووجه رفض الأفكار المناقضة للعمل. أنهم يقيمون لأنفسهم استدلالاً خاصاً ويقولون: لو كانت المسألة التي استدل عليها الأستاذ الفلاني صحيحة، فلماذا لا يؤمن بها ويعمل بموجبها. فعمله دليل على عدم إيمانه باستدلاله. وبالتالي فهو دليل على فساد هذا الاستدلال عنده بالأصالة، وعند الآخرين بالتبع.

صحيح أن هذا ليس استدلالاً منطقياً، ولكنه شبه منطقي وشبه استدلال في لباس المنطق والاستدلال. وهو منتشر في المجتمع وخصوصاً في أوساط الشباب، ويجب على العلماء والأساتذة المحترمين والعاملين في حقل الدعوة والتربية، أن تكون أعمالهم مطابقة لأفكارهم وإيمانهم، وعلى الأقل أن لا يظهروا التناقض بين أقوالهم وأفعالهم للآخرين.

5: الترغيب والترهيب:

تحدث الكثيرون حول الجدل والاستدلال في الدعوة، ولكن لم نر حديثاً حول الترغيب والترهيب وأن مطالعة سريعة للقرآن الكريم تؤكد أفضلية استخدام أسلوب الجذب والترغيب على أسلوب الدفع والترهيب.
فمن أصل 114 سورة في القرآن، ابتدأت 113 بالبسملة "بسم الله الرحمن الرحيم"، بينما ابتدأت سورة واحدة بالبراءة دون البسملة. وتعليل ذلك أن البراءة هي إعلان حرب فلا تتلاءم مع الحديث عن الرحمة.
الرحيم هو الرحمة الخاصة، والرحمان هو الرحمة العامة، وعندما نرى أن القرآن يعتمد 113 مرة على الرحمانية والرحيمية، ومرة واحدة على البراءة، نعلم أن واجبنا الاعتماد على الترغيب أكثر من الاعتماد على الترهيب. والبراءة "براءة من الله" نسبة إلى الأعداء والمستكبرين وعملائهم، أما الأصدقاء فلا تعامل معهم إلا بالرحمة. وبالتأكيد، نحن لا ننفي وجود مفاسد وسلبيات لكلِّ منهما، إلا أن سلبيات الترغيب أقل بكثير من سلبيات الترهيب. وقد نحتاج أحياناً إلى استخدام أسلوب الترهيب والتنفير مع بعض من نعتبرهم أصدقاء، إلا أن ما نقوله أن السمة البارزة التي يجب أن نصبغ بها تعاملنا مع المجتمع هي سمة الرحمة والجذب.

6: إدراك روحية الشباب:

النقطة الأخيرة التي يمكن عرضها هنا هي مشكلة إدراك روحية الشباب ومشاعرهم وإحساساتهم الداخلية. فمن يريد طرح المسائل العقائدية والفكرية وحل الأزمات النفسية والروحية والمشاكل الاجتماعية والسياسية للشباب، يجب أن يعرف حقيقة الشباب وهويتهم أولاً؟ من هم الشباب؟ وما هي مشاكلهم؟ آلامهم، حاجاتهم، أسئلتهم، آمالهم، الأمور المستعصية عليهم، هذه المشكلات يجب تشخيصها قبل أي شيء آخر.

عندما اعترض أعداء الإسلام والرسالات الإلهية على إرسال رسول من البشر ﴿ابعث الله بشراً رسولاً (الإسراء/94).
كان القرآن يؤكد على وجوب كون الرسول شراً ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم (الجمعة/2) فكون الرسول "منهم" ضرورة أساسية للدعوة، لأن النبي عندما يكون إنساناً يمكن أن يدرك مشاكل الإنسان واحتياجاته وآلامه، وبالتالي يمكن أن يقوم بحلّها على أفضل وجه.

الذين يريدون حل مشاكل الشباب، يجب أن يدخلوا إلى حياتهم ويأخذوا بعين الاعتبار ماضيهم والمجتمع الذي عاشوا فيه. وعندما تؤخذ جميع هذه الجوانب بعين الاعتبار، يمكن أن نفهم روح الشباب ونصبح مؤهلين لطرح المسائل العقائدية والفكرية ومعالجة مشاكلهم على جميع المستويات.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع