آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص مجتمع | "الأمّ بتلمّ" مناسبة | من رُزق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حُبّها

الشباب بين الزواج والانحراف الجنسي



تحدثنا في الحلقة الماضية عن أهمية دراسة وإعادة النظر في المشاكل النفسية والجنسية لشباب، وإلا أصبنا بمرض فقدان المناعة. أفراداً ومجتمعات. وحيث أن الإسلام قد وضع علاجاً متكاملاً وواقعياً للمشكلة، فلنتوجه إليه قاصدين التعرف على هذا العلاج الناجح، وهذا ما سيكون موضوع حلقتنا الثانية والأخيرة هذه
.

 

* سنوات من العذاب
قد تمر على الشباب اليوم سنوات طويلة قبل أن يصبح في مقدورهم تهيئة بيت للسكن، فأمام هؤلاء مدة قد تصل إلى عشر سنوات قبل أن ينهوا دراستهم ويصبحوا منتجين، وربما إذا ما أراد أحدهم أن يستحصل على الدكتوراه فإن المدة ستمتد أكثر، فهل يستطيعون البقاء طوال هذه الفترة من دون أي علاقة عاطفية أو جنسية، وهل يمكن كبت هذه الرغبات المتأججة بوسيلة من الوسائل، هذا من جهة، ومن جهة فإن هذه الرغبات لم تكن من دون هدف وإن الإستجابة لها هي السبيل إلى تحقيقه، إذ أن من هذه الأهداف السامية بناء شخصية إجتماعية مسؤولة وفعالة، في مرحلة مبكرة.
 

إن روح العصر اليوم تضج بهذه المشكلة من دون أن تحفل أمة لذلك بحل شاف، وهنا تكمن المشكلة، فالغرب قد سار في طريق الحرية المفرطة والإباحية وتحطيم القيم طويلاً ولم يحصل إلا الضياع للشباب، بحيث لم يعد لهذه المشكلة حدود، فلا يستطيع اليوم أحد من المنكبين على دراسة حجم المأساة إلا أن ينعي الحضارة الحديثة، فما الذي أوصل الأمور إلى هذا الحد؟ أليس الزنا واختلاط الأنساب، والذي يترافق مع الخمور والمخدرات، ناهيك عن حالات الشذوذ التي تخطت كل حد.
 

أما على المستوى الآخر فإن المسلمين إلى الآن لم يحسموا أمرهم من الناحية العملية بعد، وهو ما ساعد على تشكيل أرضية خصبة لتقبل الأفكار الغربية لدى كثير من شبابنا، ودفع بهم إلى ارتكاب أنواع من الفواحش والموبقات الغريبة عنهم. ويجب أن لا نسأل لماذا؟ ما دام أن هذه الغرائز والشهوات لا طريق لها إلا افتعال الرطيلة، ولو كان لدى المسلمين الشجاعة الكافية لشجعوا على الزواج المبكر كأحد أهم وسائل مكافحة الفساد. ألم يقل القرآن: ﴿وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضل، والله وساع عليم النور 32.
وهنا ربَّ قائل يقول- وما أكثرهم- ولكن، هناك ظروف قد تغيرت فليس المتطلبات البسيطة ذلك اليوم كالمتطلبات اليوم وفي الحقيقة أن روح العصر المادية طغت وغطت على تلك الفطرة النقية فأصبح الإيمان بالغيب غريباً عن هذه الروح، مع العلم إن الإسلام لم ينف الجانب المادي وحسابه ولكن على أن يكون الاتكال على الله والإيمان به هو المعول.
 

ولنفترض أن بعض الشباب أو غالبيتهم ليسوا اليوم في وارد الزواج الدائم بسبب أنهم يؤسسون أعمالهم، أو يكملون دراستهم، وهذا ما يمنعهم من تحمل أعباء مسؤولية البيت والنفقة والتربية في هذه المرحلة، فهل نطلب منهم أن يترهبنوا ويعزفوا عن الزواج؟ أم نسمح لهم باللهاث خف شهواتهم وغرائزهم؟ ترى فما هو الحل؟

البعض يفضل الوقوف على التل من دون أن يكون له موقف سوى قول لا حول ولا قوة إلاّ بالله، ونسأل فهل هذا الموقف صحيحاً؟ أو ليس الإمتناع عن الدعوة إلى التحصن يساوي- إلى حد بعيد- إكراه الشباب على البغاء؟ سيما عندما نرى الأهل ينصحون أولادهم بعدم الزواج قبل تأمين المستلزمات- التي للأسف أصبحت مقتلة- من دون أن يكون ذلك ضرورياً، ونجد الغرب يشجع على التأخر بالزواج باعتبار أن مرحلة الشباب مرحلة لهو ولعب ومجون، وليس من الضروري أن يتحملوا فيها أعباءً إضافية.
إننا نسأل- ونريد جواباً شافياً- ماذا أعددنا لهذه المشكلة من حلول؟

* زواج محدود المسؤولية
في الكافي بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه الصلاة و السلام عن المتعة "الزواج المؤقت" فقال نزلت في القرآن ﴿فما استمتعتم به منهم فأتوهن أجورهن فريضة النساء/24.
وفي صحيح مسلم ج2 باب نكاح المتعة ص 623 عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: "استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر".
وفي الصفحة نفسها حديث آخر عن جابر قالفيه: ثم نهانا عنها عمر. وفي صحيح البخاري شيء قريب من هذا.
وفي وسائل الحر العاملي سئل الصادق عليه الصلاة و السلام: هل نسخ آية المتعة شيء؟ قال: "لا، لولا ما نهى عنها عمر ما زنى إلا شقي". وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام مثله.
وفي تاريخ الطبري عن عمران بن سوادة في رواية طويلة في سؤال عمر نذكر منها مقدار الحاجة... وذكروا أنك حرمت متعة النساء وقد كان رخصة من الله نستمتع بقبضه "بمهر مقبوض" وتفارق بثلاث، فقال: "إن رسول الله أحلها في زمان ضرورة ثم رجع الناس إلى السعه، ثم لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها. فالآن من شاء نكح بقبضه "أي بعقد دائم ومهر" وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبتُ" انتهى جواب عمر. لقد بان من هذا المختصر أن الزواج المؤقت قد شرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ظهر، باتفاق المسلمين.

ولا نريد أن نعلق على ما ورد على لسان عمر إلا بالسؤال التالي: إذا كانت العلة في تحريمه لها- لو سلمنا جدلاً بذلك- جو السعة وعدم الضرورة معتبراً أن البديل هو الزواج ثلاثة أيام ثم الطرق- نسأل؟ فهل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ملتفتاً لهذا الحل. ثم إذا كانت الرخصة قد حصلت في زمان ضرورة فما نقول اليوم والشباب يسير نحو الهاوية؟
والفجور والبغاء والشهوات لا يسدها شيء. وهل سيمر على الأمة زمان ضرورة أشد من هذا الزمان؟ أليس من اللازم على جميع المسلمين القول قولاً واحداً بضرورة الزواج المؤقت كحل مناسب لمشكلة من أعقد مشكلات الشباب في هذا العصر.

* مزايا الزواج المؤقت
الزواج المؤقت كما عرفنا هو من الجهة الشرعية كالزواج الدائم إلا أن يمتاز عنه بمسائل:
المسألة الأولى: يمتاز الزواج المؤقت بأنه زواج توافقي مؤقت لدواعي ضرورية، ولا شك بأنه لا يغني وليس بديلاً عن الزواج الدائم، بل ربما كان مقدمة له وقد ينتهي به، وحيث يعتبر الزواج المؤقت فرصة للتعارف الطاهر فإن سيكون أحد الأسباب المقللة من حدوث الطلاق.

المسألة الثانية:
إن الزواج المؤقت لا يحمل الشباب مسؤوليات كالنفقة أو السكن، للزوجين حق استعمال أي مانع غير مباشر للحمل، كذلك فإنه لا قيمومة للزوج على الزوجة، إلا أنهما يستطيعان التفاهم، والاتفاق على كل هذه الأمور بحسب ما يريدان، فتكون لهذا الزواج مسؤوليات محدودة بحدود الإمكان والإتفاق.

المسألة الثالثة:
إذا أراد الزوج أن ينهي مدة العقد فإنه يستطيع أن يهبها المدة المتبقية، بينما لا ينتهي العلاقة الزوجية في الدائم "عادة" إلا بالطلاق.

المسألة الرابعة:
ما دام أنه لم يحصل بين الزوجين جماع فليس على الزوجة عدة، وهذا أمر واضح حتى في الدائم، إلا أننا أردنا أن نشير إلى سهولة الانفصال بين الزوجين.

ملاحظة:
لم نتحدث هنا عن الزواج إلا بصورة محدودة فمن أراد أن يعرف مزيداً من الأحكام فليراجع كتب المسائل الفقهية.

* "المؤقت" حل لمشكلات أخرى:

أولاً: أن الزواج المؤقت كما هو حل لمشكلة الشباب كذلك هو حل لمشكلة الرجال المتزوجين بالدائم، فيما إذا كان هناك حالة اضطرارية تستدعي الزواج بأكثر من واحدة ولا تتوفر لديه الشروط المطلوبة "للدائم.

ثانياً:
النساء اللواتي رحل عنهن أزواجهن بالطلاق أو بالموت ولا تسمح لهن ظروفهن لو لم يوفقن بالزواج الدائم، فليس لديهن حل إلا الزواج المؤقت.

ثالثاً:
بعد الحروب يكثر قتلى الرجال فيزداد عدد النساء فلا يجدن طريقاً إلا الزواج أو البغاء، وباعتبار أنهن لا يتوفقن جميعاً بالزواج الدائم "بصورة اعتيادية" فيبدو أنهن في الخيار بين القبول وبالعدد، وإمام بالزواج المؤقت حيث يكون خفيف الأعباء.
وفي الأحوال كلها علينا أن نتنبه إلى أن الزواج المؤقت ليس حلاً جذرياً بل استثنائياً واضطرارياً، ولا بديل عن الدائم.

* مع شيخ الشهداء
غضب بعض الشباب المسلمين في إحدى قرى جبل عامل عندما علم أن أخت زوجته تقيم علاقة زوجية مؤقتة مع بعض الشباب. فقرر الذهاب "إلى جبشيت"، وكان اليوم جمعه، فصلى خلفه "الجمعة" وعندما أنهى الشيخ الشهيد صلاه، جاء هو إليه وبعد أن سلم عليه سأله: أليس من الظلم أن يتمتع شاب بفتاة ثم يتركها؟ فأجابه الشيخ الشهيد شارحاً له الأمر ثم قال له: أليس أن تتمتع الفتاة خيراً لها من أن تزني؟
على ضوء ما ذكرت لا بد من الإقرار بأنـ:

* في بلادنا مشكلة
وعلينا أن نبحث عن مخاوف المجتمع من الزواج المؤقت، عن مخاوف المرأة بالذات، وعن الأسباب التي حالت دون الاستجابة لهذا النوع من الزواج. وفي هذا المجال لا بد لنا من الدخول إلى التجربة فماذا تقول التجربة؟
يجب أن نسأل ما هي النماذج التي تقيم مثل هذا الزواج؟
تدلنا التجربة إلى أن غالبية الذين يرغبون في هذا النوع من الزواج يخافون من العرف الاجتماعي الذي يعتبر مثل هذا الزواج جنحة، ويتمنى الشباب من الجنسين لو كان هذا الزواج مرغوباً فيه، وفي الحقيقة فإن مثل هذه الموانع ليس لها علاقة بالزواج نفسه، لذلك فإن هؤلاء إنما يحجمون عنه خشية التهمة.

أما الأهل أي أهل الفتاة طبعاً- لاعتبار واضح- فإنهم يخافون خوفاً حقيقياً من هذا الزواج لأسباب منها:
أولاً: إن هذا الزواج غير متعارف وغير محترم وهو بالتالي أشبه بالفضيحة.

ثانياً:
إن الشباب إذا علموا بأن فلانة قد تزوجت بالمنقطع فسيعرضون عن الزواج منها بالدائم، وهذا مما يجعل مثل هذه الفتاة مهملة وعالة على أهلها.
وبتقديرنا أن المشكلة هي مشكلة ثقافة ولا بد من القيام بنشاط لتوعية شبابنا وأهلنا على مختلف أوضاع الحياة الزوجية، بإيجابياتها وسلبياتها، بالإضافة إلى بيان السبل والطرق السليمة لحماية مشاريع الزواج من الفشل.
 

والمشكلة الأساسية لدى الفتيات هي في غدر الشباب ونظرتهم الأنانية، إذ ليس من الصعب أن تعرف الفتاة من خلال زميلاتها، الأفخاخ التي نصبها الشباب لهن، وحجم النكسة النفسية التي تحصل لهن من جراء ذلك. فكم من شاب قال لفتاته إني أحبك وأريد الزواج الدائم منك فيما بعد، أو يقول لها سأصونك وو.. ثم ما يلبث أن يذهب ذلك أدراج الرياح. بعض الشباب "الذواقة" ليس لهم شاغل غير متابعة الفتيات، فهم ينتقلون من فتاة إلى أخرى، ويتعاملون معهن كما يتعامل أحدهم مع قميصه في تبديله ساعة يشاء.
ونسأل هل أن الله قد شرع الزواج لمثل هؤلاء المبتذلين الأسارى للشهوات والنزوات، وكأن الدنيا لم تخلق إلا لها. وللأسف أن هناك فتيات ونساء مبتذلات يخضعن بالقول ليطمع الذي في قلبه مرض، ثم وبشكل تدريجي يصبحن في حالة من الشيطنة في تصيّد هذا وذاك.

* العفاف غاية الزواج

سئل الإمام الصادق عليه السلام عن المتعة؟ فقال: هي حلال، ولا تتزوج إلا العفيفة، إن الله سبحانه يقول: ﴿والذين لفروجهم حافظون المؤمنون/ 5.
وجاء في جواب الإمام الرضا عليه السلام على مسألة علي بن يقطين عن المتعة: ما أنت وذاك وقد أغناك الله عنها.
إن مفاد هذه الروايات وأمثالها إنما يدل على أن الزواج يهدف إلى صون المرأة والرجل من الوقوع في الفجور والانشغال بالملذات، لذلك فإن من صان نفسه بالزواج الدائم فعليه أن يزيد من غض بصره، لا أن يفتح عينه على كل فتاة، حتى يصبح المجتمع مجتمعاً محافظاً وبالتالي محفوظاً.
 

ونلاحظ هنا القرآن الكريم وهو يذكر في آيتين، كيف أن الله سبحانه طلب من النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن يربى النساء والرجال على غض النظر وصون البدن من النظر، فقال تعالى: ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم النور/ 30، وفي الآية 16.
الثانية: ﴿وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن النور/ 31.
إن نظرة سريعة على أحكام الإسلام كافية لتدلنا على أن الله أراد أن يؤسس مجتمعاً مشغولاً بكمالات النفس وسعاداتها والزواج إنما كان لأجل سكن الشهوات الدنيوية البدنية قال تعالى: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون الروم/21.
وحتى تكون النفس أكثر تحرراً من أسار هذه الشهوات وحتى تتوجه النفس إلى حب الله قال تعالى: ﴿والذين آمنوا أشد حباً الله البقرة/ 65.
إن بعض الذين يشغلون أنفسهم بالمتعة قد بلغوا مبلغاً أصبح التشريع الإلهي لديهم ألعوبة وملهاة، قال تعالى: ﴿الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون الأعراف/ 51.
 

وهؤلاء يتحملون القسم الأمر من المسؤولية في عدم تقبل هذه الأحكام الإلهية الرائعة. وعلى المؤمنين تقع مسؤولية تحسين الصورة من خلال التورع عن الوقوع في مزالق الشهوات، والتصرف بحكمة وأخلاقية عالية، حتى تبنى علاقات نبيلة ومشجعة، رباطها من الصدق والوفاء والعفاف.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع