صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

ميلاد جديد


ثلاث سنوات مضت من عمر "بقية الله"، غنية بالعطاء، مليئة بفكرها البناء، وغني عن القول إن كل عمل له ثغرات، لا بد من الوقوف عندها، كما أن لها إلمامات لا بد من إبرازها والسعي للاستزادة منها. ولا بد بعد هذه التجربة "القصيرة" أن تأخذ "بقية الله" حظّها من الدرس، وإعادة النظر، سيما وأنها تعتبر أول مجلة من نوعها "في لبنان على الأقل" من جهة موضوعاتها وأسلوبها، فالمجلة يغلب عليها الطابع الفكري التربوي، وهذا ما يستدعي التوقف عند عدة أمور:


* الأمر الأول:
إن المجلة مجلة موجهة، وتتبنى ما يكتب فيها، وأفكارها بالضرورة، تعبر عن اتجاهها الفكري، فالأقلام أقلام ملتزمة وهادفة، وذات لغة واحدة ونسق متجانس، وهذا طبعاً بقدر ما له إيجابيات في توحيد الفكر، بقدر ما يرتب عليها مسؤوليات كبيرة تجعلها مختلفة عن أي مجلة أخرى، إسلامية، أو غير إسلامية، وذلك لأن كتّابها لن يكونوا كثراً، وهذا ما برر لها بعض الأخطاء الفنية التي وقعت، في رحلتها التأسيسية هذه.

* الأمر الثاني:
قراء المجلة، فهم ليسوا شريحة خاصة من المثقفين، أو الشباب، أو الكهول، إنها لكل هؤلاء جميعاً، لذلك فعليها أن تكتب بلغة ميسرة في غالب الأحيان، وقد لا تكون ممكنة دائماً.

* الأمر الثالث:
الطابع العام، وهو الطابع الأخلاقي والتربوي "الخاص" وهو نمط تعلمته من الإمام الخميني قدس سره وأسلوبه في التربية، والذي اعتمده دائماً، في خطاباته، وكلماته، ودروسه، والذي اعتمد فيه الإمام على رؤيته المتكاملة، والمنيرة عن رؤية السالفين من علماء الأخلاق.
وطبعاً لم تكن عملية المحافظة على هذا الأمر بسيطة، كما أنها لجهة تحديد مستوى الخطاب الأخلاقي، وأسلوب توجيهه، ما زالت بحاجة إلى جهود إضافية.

ولكن من دون شك، فقد شعر القراء الأعزاء بهذا المذاق المختلف، والذي شعروا بتأثيره السلوكي بعد فترة ليست طويلة، سيما وأن المجلة كانت حريصة، كل الحرص أن لا يكون لها دور، سوى الإشارة بسهم بارز إلى كلمات الإمام الخميني قدس سره، وتوصياته، وإلى كلمات الذين نهلوا من هذه المدرسة الثرية. والتي تعتبر أن هدف الخلق هو العبودية، والانقطاع في السير والسلوك، بالمجاهدات الكثيرة، لتحقيق حقيقة الهجرة إلى الله، لبلوغ معدن العظمة، والتعلق بعز القدس، والبقاء مع الله.

* الأمر الرابع:
الخط الفكري، ومن بديهي القول بأن الالتزام بخط فكري واضح الأسس من الأمور البالغة الصعوبة في ساحتنا الإسلامية، غالباً ما نجد هناك تشتتاً في الأفكار، يزداد بازدياد عدد المفكرين. وباعتبار انعدام التسالم على رؤية واضحة الأسس، فقد عمدت مجلاتنا الفكرية، إلى لفت نظر قرائها إلى أن مقالات المجلة لا تعبر بالضرورة عن اتجاه المجلة وقناعاتها، وبين مزدوجين، فمما لا شك فيه أننا لا نقصد أن المجلات التي تقوم بدور منبر الحوار لم تحقق للساحة غنى في التنوع. إلا أنه وبعد إغلاق المزدوجين، فإن الحاجة إلى خط واضح المعالم، دقيق السمات، أمر حيوي، وأصيل لا تلغيها الحاجة إلى التنوع، سيما وأن الإسلام قدم رؤية واحدة، وحدد أدق التفاصيل، ودعا إلى تكوين رؤية توحيدية لدى المسلمين، بهدف طرق أعمق مباحث التوحيد العقلي، وبلوغ أرقى عوالم التوحيد العبادي، في عالم السلوك المعنوي.

وهنا في خضم الطوفان، واضمحلال الرؤية، جاءت سفينة الإمام الخميني قدس سره لتشق عباب الغفلة والضياع، معلناً هدفها أن معرفة الله هي سبيل النجاة، فاستوت فعلاً على الجودي، كل ذلك بفضل رؤيته الفكرية المتكاملة، والمنطلقة من بلورة مفهوم الفقاهة، وتحديد المجتهد، وشرائط الاجتهاد، ودوره، وحدود ولايته، والعائد في ذلك إلى بلورة رؤية واضحة في موضوع أدق وأرفع، وهو موضوع الخلافة والولاية.
لقد حدد الإمام قدس سره دور الفقيه معتبراً أن له الولاية العامة، باعتبارها امتداد لولاية المعصوم عليه السلام، وولاية الله تبارك وتعالى، وتقع على عاتق الفقيه إقامة الحكومة الإسلامية. وأيضاً هو الذي يقوم بواجب عظيم، يتمثل في فهم التشريع وشرحه، باعتباره طريق الوصول إلى الله، إلى جانب ربط الناس بالأئمة الأطهار عليهم السلام.

وعلى الفقيه أيضاً تقع مسؤولية الهداية، فهو الدليل إلى الله. ولم يكتف الإمام بتحديد فهم الشريعة وهدفها، وشرح ذلك للناس، ولا ببيان أن هناك دوراً هاماً للفقيه في إقامة الحكومة، بل أنه مارس هذا الدور على أكمل وجه، وكان مثالاً، للأولياء العارفين، الذين حملوا لواء رفع المهجورية عن القرآن، وعن القرآن الناطق أيضاً، وربط الناس بالإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف باعتباره إمام الزمان، ودفع الناس للتمهيد لظهوره الأعظم.
وفوق هذا كله كان الإمام هو القدوة الصالحة، لقد قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "ومؤدب نفسه ومعلمها أحق بالإجلال من مؤدب الناس ومعلمهم" وكان الإمام قدس سره بحق مثال العبد الصالح والزاهد المجاهد، والعارف الأوحدي، والذي قال عنه علماؤنا: كاد أن يكون رسولاً من الرسل.

وهذا النبع العظيم في روعته والعجيب في كنزه، هو الذي كشف لنا النقاب عن خط أهل البيت عليهم السلام وهو الحس بالإسلام المحمدي الأصيل، وهذا هو خط مجلة بقية الله، آملين أن نخطو بخطوات أثبت وأفضل في، في المستقبل غير البعيد. واضعين جهدنا المتواضع بين يدي بقية الله الأعظم في الأرضين، قائم آل محمد، والنور الذي سينوّر الأرض بالنور الإلهي.
ونرفع إليه أيدينا مستغيثين أن يغيثا مما نحن فيه من حيف الزمان، يمد لنا يد الولاية الكريمة لانتشالنا، وأن لا ينسانا من صالح دعواته. فنحن بانتظاره بالسيوف والدماء بالأقلام والقلوب، ومعنا كل الفقراء والمستضعفين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع