مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الإيمان بالغيب طريق إلى العمل الصالح

ما هو الإيمان بالغيب؟
وكيف يصبح طريقاً إلى العمل الصالح؟


عندما نقرأ القرآن الكريم نجد أن الله تعالى يصف المتقين بصفة مهمة جداً، هي صفة الإيمان بالغيب. ومن المعلوم أن الغيب هو كل ما خرج عن عالم المادة والحس، كالملائكة والملكوت والجنة والنار والبرزخ (بالنسبة لهذه الحياة). وأعظم مصاديق الغيب هو الله تعالى: غيب الغيوب الذي لا تدركه الأبصار ولا تحيط به العقول.
فلا شك إذاً، أن من الإيمان بالغيب الإيمان بالله سبحانه ولا شك أيضاً أن الإيمان بالله هو أساس العمل الصالح.

ولكن الإيمان بالغيب يطرح في القرآن الكريم بنصه، ويُطرح الإيمان بالله من جانب آخر. فهنا ربما يستفاد أمر إضافي، وهو تويجه النفوس إلى ما وراء الطبيعة وما فوق عالم الدنيا الذي هو أظلم العوامل وأدناها. ولعل المقصود به الإشارة إلى ارتباط الإيمان بعالم القلب والروح. هذا!
والمهم في القضية أن يدرك الإنسان أن في معارف الإسلام ما يفوق قدرة إحاطة العقل ولا يخالفه. فإن الحقائق الإيمانية ذات مراتب. وهذا ما تؤكده الروايات الشريفة المروية عن أئمة الدين عليهم أفضل الصلاة والسلام..
فإذا كان الإيمان بالغيب صفة أكيدة للمتقين: ﴿الم *ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ. (البقرة/2)
فذلك لأن نفوسهم وصلت إلى المرحلة التي أصبحت قادرة على حمل تلك الحقائق الغيبية عن طريق التقوى وملازمة الشريعة.

فالتقوى بمعناها وهو الالتزام بأوامر الله وترك نواهيه، طريق الوصول إلى الإيمان بالغيب. ومن جانب آخر يكون الإيمان بالغيب عاملاً مؤثراً في الالتزام بأوامر المعبود واجتناب نواهيه.
لأن وصول الإنسان إلى مرحلة الإيمان بالغيب يعني أنه يؤمن بحضور الله في حياته مما يبعث في نفسه ملاحظة لأوامره وما يرضيه وكرهاً لما يسخطه ويغضبه.
فالتقوى هي عملية تعبئة وإعداد للنفس، ورياضة شرعية مستمرة توجّه الإنسان إلى من يتقيه. وهذا الاستمرار والمواظبة يصبح ملكة راسخة، فيرفع التوجه إلى مراتب الحضور الدائم في محضر الله، فيجعل القلب موقناً بالغيب. أما الإيمان بالغيب فإنه يرفع الإنسان في مراتب التقوى، وهذا هو معنى الحديث الشريف:"الإيمان يورث العمل، والعمل يورث الإيمان".
 

والآن فلنخصص الحديث أكثر. يقول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
المؤمن عندما يسمع هذه الآية تتلى عليه، ويرى من جانب آخر أن عدد المؤمنين قليل وجندهم أقل ويشاهد قوة الأعداء وتكاثرهم، يوقن أن النصر بيد الله، لأن القوة لله جميعاً ولا حول ولا قوة لأحدٍ في هذا الوجود إلا بالله سبحانه.
وعندما ينزل إلى معترك الصراع ويعاين لطائف المدد الإلهي يزداد يقينه بحضور الله سبحانه. وهو لا يزال على هذا الحال والله يقلّبه من بلاء إلى آخر ومن شهود إلى شهود حتى يدرك معنى قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى.
وعندها يدرك أن عالم المادة بكل ما فيه من حركة وقوة قائم بالله عز وجل، وأنه لا علم ولا حياة ولا سمع ولا بصر إلا لله سبحانه. وهذا ما يسمى بالتوحيد الصفاتي حيث لا يرى شيئاً إلا الله، ويترنم بالقول:"العالم غائب ما ظهر قط والله ظاهر ما غاب قط".
ويستمع إلى نغمات الحبيب الأعلى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
فبه سبحانه ظهر الوجود، ولا نور ولا ظهور إلا له وحده سبحانه عما يشركون. ويدرك في لحظات الأنس مناجاة سيد الشهداء:"...ألغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك.."
فينقلب الغيب شهادة، والشهادة غيباً.
وهذا هو معنى الإيمان بالغيب..

الإيمان علم ويقين، فإذا ارتقى صار شهوداً، والمشهود عند الشاهد أجلى من أي شيء وأشد ظهوراً.
قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.
فالملكوت هو جهة ارتباط عالم الملك (الكون) بالله. فعالم الوجود له جهة ملك وجهة ملكوت. والجهة التي هي وجوده الشخصي هي جهة الملك. أما بُعدُ ارتباطه بالله فهو الملكوت.
الله سبحانه جعل إبراهيم عليه السلام يرى باطن العالم وجهة ارتباطه بالله.
وفي رواية يقول عليه السلام:"ما أنعم الله على عبد بشيء أجل من اليقين".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع