مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أحبّ عباد الله(13): مَنْ نَصَبَ نفسه لله

آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي

جاء في المصادر الشيعية والسنيّة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يقف في محراب صلاته حتى تتورّم قدماه. يتحدث الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حول عبادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "... ولقد قام صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورّمت قدماه واصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك، فقال عزّ وجل: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (طه: 1- 2)، بل لتسعد به..."(1).

*عبودية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعظم عبادة
كان في بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المتواضع عدة غرف، حيث خصّص غرفة لكل واحدة من زوجاته وكان ينام في كل ليلة عند واحدة منهن. وفي إحدى الليالي كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في غرفة عائشة، وقد أمضى الليل بالعبادة. في ذاك الحال، نهضت عائشة لتسأل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن سبب هذا العمل وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، فأجابها: "يا عائشة ألا أكون عبداً شكور"؟(2).

نحن في الواقع غافلون عن الله تعالى إلا في المواطن التي نشعر فيها بنقص في حياتنا. أما أولياء الله وبالأخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان في أعلى مراتب الإنسانية والقرب الإلهي، فكانوا يرون وجودهم بأكمله بحاجة دائمة إلى هداية الله، وكانوا يتوجّهون إليه بدعائهم وعبادتهم وتضرعهم أن لا يكلَهم إلى أنفسهم وأن لا يحرمهم هدايته.

*مسير صعب وطويل
إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مع ما له من كمالات ومقامات لا متناهية، لا يمكنه الاعتماد على نفسه لحظة واحدة، بل يطلب من الله تعالى أن لا يتركه لنفسه، فكيف بنا نحن المسرورين بعبادتنا القليلة؟ كيف ننسى أن مسير السعادة والهداية الإلهيّة، يتطلّب العبور على طريق صعب كثير التعرجات حيث لا يمكننا الوصول إلى المقصد إلا بعد النجاح في الاختبار الإلهي والصبر والاستقامة؟

يجب أن نتعرف إلى صعوبات طريق العبودية الطويل حتى لا نبتلى بالغرور في بداية الطريق، وحتى لا نظن أننا في مسيرٍ صعب وقصير، فنصاب باليأس إذا ما وجدناه صعباً طويلاً. لا ينبغي للصعوبة أن تمنعنا من الحركة، بل يجب أن نتقدّم بعزم طالبين العون من الله تعالى، وعلينا أن نوقن بأننا لا يمكننا عبوره بمفردنا إلا بعون ومساعدة من الله تعالى.

*شمس اليقين، تضفي الهدوء والاطمئنان على عباد الله
"فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الأمور من إصدار كل وارد عليه وتصيير كل فرع إلى أصله"(3).

إنّ المطالعة واكتساب المعرفة، تثقل عقل الإنسان وتزيد من ذخائره إلا أن ذلك لا يوصله إلى ساحة اليقين ولا يدفع عنه الشبهات. تزول الشبهات وتدفع في ظل إفاضة نور اليقين وبمساعدة الله تعالى. وكما أن طلوع الشمس يطرد كل ظلام، كذلك شمس اليقين تطرد كل حيرة وإبهام وظلام من قلب المؤمن الواصل إلى معرفة الله، وتضفي على قلبه الهدوء والاطمئنان ليتابع الحركة في ذاك المسير.

ومن جملة الشخصيات العظيمة الإمام الخميني قدس سره الذي عاش أصعب المراحل وكان كالجبل الراسخ لم يتطرّق الاضطراب إليه على الإطلاق، ولم يظهر عليه الخوف، بل واجه الأحداث بإيمان محكم وهدوء بال. فبعد مجموعة من الأحداث المؤلمة في قم وطهران والمدن الأخرى، هاجمه السافاك واعتقله ليلاً. يتحدث الإمام قدس سره حول تلك الحادثة ويقول إن شيئاً من الخوف لم يدخل قلبه، بل إن الجنود هم الذين كانوا يرتجفون من الخوف.

*عباد الله مشاعل هداية الآخرين
يتحدث الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في المقاطع الأخيرة من هذه الخطبة حول بعض صفات عباد الله الأخرى ويقول: "مصباح ظلمات، كشاف عشواتٍ، مفتاح مبهمات، دَفَّاع معضلات، دليل فلواتٍ، يقول فيُفهم ويسكت فيسلم".

إنّ السالك الذي أبعد نفسه عن فخ العلائق المادية والذي أضاء الله قلبه بنور اليقين، لا يمكنه الاكتفاء بنوره الداخلي دون أن يعمل على إزالة الظلمات من قلوب الآخرين. فهو مشعل مضيء يلقي أنوار علمه في القلوب المظلمة، ويرفع الشبهات من ضمير الجاهلين، ويظهر المعارف والأحكام المبهمة والمجهولة.

وخلاصة الكلام، إنّ تحديد مسير السعادة والوصول إلى الكمال صعب للغاية كما البحث عن الطريق في الصحراء. لذلك يحتاج الإنسان في العبور إلى مرشد وهادٍ يأخذ بأيدي البشر ويوصلهم إلى المقصد بعيداً عن الشبهات والانحرافات ووساوس الشيطان، لينقلهم إلى نور الهداية والحق.


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج10، ص40.
2- أصول الكافي، الكليني، ج2، ص95.
3- نهج البلاغة، خطبة 87.
أضيف في: | عدد المشاهدات: