مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق

 

جرت العادة أن يكون الحديث عن الشهداء القادة متمحوراً حول أدوراهم الجهاديّة في الميدان، أو مشاركاتهم في الجبهات المتعدّدة، وربّما عن تميّزهم القتاليّ وشخصيّاتهم القياديّة، منذ مرحلة الثمانينيات والتسعينيات وصولاً إلى التحرير عام 2000م، ثمّ حرب تمّوز 2006م، والحرب على التكفيريّين في الجبهات السوريّة من حلب إلى درعا، وأخيراً حرب طوفان الأقصى وجبهات الإسناد التي بدأت بعد7 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023م. ولهذا، يبقى الجانب الشخصيّ والسلوكيّ مخفيّاً بعض الشيء. ولئن كان بعضهم لا يمتلكون تفاصيل حياتيّة كثيرة بسبب كثرة العمل والمسؤوليّات والتنقّلات، إلّا أنّ الشهيد الحاج «أبو طالب» امتلك سيرةً شخصيّة وأخلاقيّة حافلة كما سيرته القتاليّة ذات البأس والحكمة.عن هذا الجانب المخفيّ، حدّثنا صديقٌ مقرّبٌ للشهيد الحاج «أبو طالب».

* المحبّ المتابع
من يعرف الشهيد «أبو طالب» يعرف دماثة الخُلق الذي كان عليه، وقد حباه الله حسن الخَلق والخُلق، فكان بارّاً بوالديه، متمتّعاً بقدر كبير من كرم الأخلاق والطاقة الفيّاضة بالحبّ والعطاء، عائلته أولويّة في حياته، فلا يتهاون بعلاقته مع الإخوة والأخوات وأولادهم، أو مع الزوجة والأولاد والأحفاد، فالعائلة شغله الشاغل دائماً، حتّى لو كان يتابع أمور العمل ومسؤوليّاته الجهاديّة، فإنّه يتّصل ويسأل ويستفهم ويتابع أدقّ التفاصيل عن الجميع بلا استثناء.

* أحبّه فابتلاه
يقال إنَ الله يبتلي الإنسان بأحبّ الأمور إليه، ولأنّ «أبو طالب» حريص على عائلته ومتعلّق بها، فقد ابتُلي في مطلع عام 2015م بوفاة زوجته الحاجة أمّ علي بشكلٍ مفاجئ وهي حامل، ما اضطرّ الأطبّاء إلى إجراء عمليّة لإخراج الجنين، فولد حسن «آخر العنقود» الذي شاء القدر أن يفتح عينيه على دنيا خلت من حضن أمّه، وقد ولد مصاباً بمتلازمة «داون»، فكان الابتلاء مضاعفاً، رحيل الزوجة وتيتّم خمسة أولاد، ومرض أحدهم، لكنّ روح «أبو طالب» تعرف جيّداً كيف تواجه ابتلاءات الحياة وكيف تنتصر عليها.

* بابه لا يُغلق
شكّل الحاج «أبو طالب» مرجعيّة أساسيّة للكثير من عوائل الشهداء، خصوصاً شهداء تمّوز 2006م، فقد كان يعالج مشاكلهم دون تعب أو كلل أو تأفّف، ويفتح باب بيته في الليل والنهار لشؤونهم وشجونهم، يستمع إلى كلام زوجاتهم وأولادهم وأهاليهم، دأبه السؤال عن أيّ شخص يحتاج إلى مساعدةٍ أو معونة، ولذلك، قلّما كان بيته خالياً من الضيوف أو موصداً، وهو الذي عمره بالنشاط والعمل والتحفيز واللقاءات الدائمة، حتّى أنّه أوجد فسحة وقتٍ للاهتمام بتربية الحمام والدجاج.

*شغف بالعمل والعطاء
ما الذي يدفع رجلاً لديه الكثير من الالتزامات لإعطاء وقتٍ وجهدٍ لتفاصيل صغيرة ودقيقة في حياته؟

لعلّه الشغف بالعمل، وبملء الوقت، وبمعاداة الفراغ، وبإدخال السرور إلى كلّ نفس، حتّى لو كانت هذه النفس حيواناً أليفاً أو غرسة شجيرة لم تكبر بعد.

خلال عامَي الحظر بسبب وباء كورونا، أولى «أبو طالب» اهتماماً بنكش حديقة المنزل وزراعة النباتات فيها، حتّى أنّه لم يكن ينسى شيئاً ولا يغيب عن باله شيء. محظوظون هم أولئك الذين يعيشون الحياة بكل وجوهها، فله وجه مجاهدٍ مقاتلٍ مقبلٍ غير مدبر، ووجه فلّاح ٍيعشق الأرض ويعرف أسرارها ومواعيد رشّ القطران حول سور البيت كي تبتعد العقارب الزاحفة، حتّى يلهو الأطفال مطمئنّين، وكان له وجه مزارعٍ ترابي، يسقي نصبة صغيرة وينتظرها لتبرعم بملء الثقة.

* نابضٌ بالحياة
كان الشهيد «أبو طالب» إنساناً مجاهداً يحبّ الحياة ويُقبل عليها، وليس كما يشيع أعداء الحقّ عن المجاهدين، بأنّهم أصحاب «ثقافة الموت». كان يصطحب أسبوعيّاً كلّ أفراد العائلة للفسحة أو للنزهة، إلى البحر، أو النهر، أو الجبال، أو الوديان، حتّى أنّه أدخل نظاماً رياضيّاً على حياة أسرته، فصار يصطحب أفراد العائلة جميعاً، كباراً وصغاراً، إلى المشي اليوميّ والإلزاميّ في الهواء الطلق، وأحضر معدّات الرياضة ووضعها في البيت، مع منشورات رياضيّة تفسيريّة معلّقة على الحائط.

في فترات الصيف والأعياد، كانت النزهة العائليّة أمراً مهمّاً بالنسبة إليه، فيجهّز سيّارته وسيّارات الآخرين بكلّ ما قد يحتاجه الكبار والأولاد من مأكل ومشرب وفحم وكرات اللعب، وصولاً إلى دواليب السباحة للحفيدتَين الصغيرتين. كان يدعو معظم أهله ومعارفه للمشاركة في جلسات الاستجمام والفرح، ويشارك في تحضير الطعام بيديه، ويتولّى مهمّة شيّ اللحم، يلاعب الصغير والكبير، فرحاً كطفلٍ، ومستشرفاً كعرفانيّ، أن ما يقوم به سيشّكل ذخيرة جميلة جداً، للعائلة التي سينهكها ألم الفقد، حين سيأتي وعد الله وموعد الرحيل والاستشهاد. وحقّاً فكّر الرجل وصدق.

* لا يعرف الراحة ولا التباهي
عاش مع عائلته في بيروت والجنوب متنقّلاً من منزل إلى آخر، ومن جبهة إلى أخرى. وعلى الرغم من ذلك، لم يشاهَد بلباسه العسكريّ ولم يستعرض قوّة أو صلاحيّات أو نفوذاً. لقد كان معروفاً بأناقته، وحبّه للنظافة والترتيب. لا يفوته واجب، يشارك الآخرين أحزانهم وأفراحهم، وتراه حاضراً في كلّ مكان. يملك قدرة هائلة على الاستماع والإنصات، يقابل المشاكل بهدوء عجيب وصوت خفيض، كأنّه خُلق ليحلّ الأزمات والأمور المعقّدة، فلكلّ داء دواء، ولكلّ مشكلة حلّ في قاموس هذا القائد الخلوق.

* سخيّ النفس
كان (رحمه الله) لا يأكل لقمة بمفرده، يجلس للغداء (قبل المساء بقليل) فيجمع الزوجة والأولاد والكنائن والحفيدات، والزوّار والزائرات، ينادي الجيران أيضاً، ومن لا يأتي يرسل له صحن الطعام إلى بيته! وكذلك يفعل في الليل مع الأقارب والمعارف، كأنه ليس قائد الجبهة على امتداد محور بنت جبيل ووادي السلوقي ووادي الحجير، تمتدّ سهراته ليلاً مع الأصحاب والأهل، وحين كان يعود إلى بيته، غالباً ما تكون السيّارة مليئةً بالفواكه أو الخضار. وفي شهر رمضان، كان يحضر التمر، فلا يدخل البيت إلّا بعد أن يوزّعه على الجيران، ويحفظ حصّة الغائبين، فهو الكريم بأخلاقه وبصبره وإيمانه، وبما تجود به نفسه.

هو ابن الميادين والمعارك، فكنت تراه بين الناس، وفي المسجد والحقل، وبين الشجرات، ومع الشباب، إلى أن أشرقت شمس الطوفان العظيم الذي تدفّق من فلسطين، فأمضى أيّامه ولياليه من جبهة إلى أخرى، وهو يواكب أخبار فلسطين وشعبها ومجاهديها ثمانية أشهر بالتمام والكمال، حتّى إذا استهلّ الشهر التاسع، جاء أمر الله ومشيئة الأقدار بحُسن العاقبة والختام.

ترك الشهيد «أبو طالب» غصّةً كبيرة في نفوس كلّ من عرفه، وخصوصاً المجاهدين؛ لأنّهم يدركون حجم خسارته وقتامة العيش من دونه. لكن ما تركه ورفاقه السعداء على امتداد محور الحقّ، كفيلٌ بأن يُبقي هذا المحور متوهّجاً بالنصر بإذن الله ببركة هؤلاء الشهداء وبعظيم تضحياتهم ودمائهم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع