الشيخ تامر محمد حمزة
أبو طالب هو عبد مناف بن عبد المطلب وأخ عبد الله والد النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله، وأمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. وقد ولد قبل النبي صلى الله عليه وآله بخمس وثلاثين سنة (1), وأنجب من فاطمة بنت أسد أربعة ذكور طالب وعقيل وجعفر والإمام علي عليه السلام ومن الإناث فاختة (أم هاني) وجمانة وأعقبوا جميعاً إلا طالباً (2). لقد أضحى أبو طالب عليه السلام بعد أبيه عبد المطلب زعيم مكة وسيد البطحاء ورئيس بني هاشم. وإلى جانب ذلك كان معروفاً بالسماحة والبذل والعطاء والعطف والمحبة والفداء والتضحية في سبيل الهدف المقدس والعقيدة التوحيدية المباركة (3).
* أبو طالب الكفيل والنصير
حينما توفّي عبد المطلب أوصى ولده أبا طالب عليه السلام بكفالة حفيده محمد الذي كان له من العمر ثمان سنوات. وبالفعل كان خير كفيل حيث تولى العناية بالموصى به والقيام بشؤونه وحفظه في السفر والحضر بإخلاص كبير واندفاع وحرص لا نظير لهما. بل يمكن القول إن رعايته لابن أخيه امتدت لزمن بعيد من قبل ولادته إلى حين وفاة أبي طالب عليه السلام. ولا بد من الإشارة إلى المواقف التي ظهرت فيها هذه الرعاية:
- الموقف الأول: مؤازرة النبوة إن الرعاية التامة للنبي صلى الله عليه وآله من حين الطفولة كانت مقدمة لمؤازرة النبوة، وتثبيت أركانها وتشييد بنيانها، فقد ذكر فقيه الحنابلة إبراهيم الدينوري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال للعباس: "إن الله أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك؟ فقال له العباس: يا ابن أخي تعلم أن قريشاً أشد الناس حسداً لولد أبيك... ولكن قرّب إلى عمك أبي طالب... فأتياه فلما رآهما أبو طالب قال:... ما جاء بكما في هذا الوقت؟ فعرّفه العباس ما قال له النبي صلى الله عليه وآله وما أجابه به العباس, فنظر إليه أبو طالب وقال له: اخرج ابن أبي, فإنك الرفيع كعباً, والمنيع حزباً والأعلى أباً, والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد, واجتذبته سيوف حداد. والله لتذلنّ لك العرب ذلّ البهم لحاضنها. ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعاً ولقد قال إنّ من صلبي لنبياً لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به" (4).
- الموقف الثاني: المبلّغ الصادق
لما نزلت ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ (الشعراء: 214) قال الرسول صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: "اصنع لي طعاماً واطبخ لي لحماً ثم دعا عشيرته وكانوا أربعين رجلاً. وبعد الفراغ من تناول الطعام أراد النبي صلى الله عليه وآله الكلام فاعترض عليه أبو لهب فقال: لهذا دعوتنا، ثم قالوا: قوموا, فقاموا وتفرّقوا كلهم. فلما كان من الغد صنع ما صنع في اليوم الأول وحين جاء دور الكلام وقف فيهم النبي صلى الله عليه وآله خطيباً فاعترضه أبو لهب أيضاً وهنا تدخّل أبو طالب عليه السلام ووجه كلامه إلى أبي لهب قائلاً: اسكت يا أعور ما أنت وهذا ؟ ثم قال للجالسين: لا يقومنّ أحد، ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله: قم يا سيدي فتكلّم بما تحب وبلّغ رسالة ربك فإنك الصّادق المصدق" (5).
* الموقف الثالث: عينٌ حارسة
بالرغم من صعوبة الحصار في شعب أبي طالب فإنه ما فتّ من عضده في حماية الرسول صلى الله عليه وآله، ولم يصبه الملل، بل كان يزداد إيماناً وتترسخ عقيدته في وجوب حماية ابن أخيه حتى ولو طالت المدة الزمنية. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله إذ أخذ مضجعه ونامت العيون جاءه أبو طالب فأنهضه عن مضجعه وأضجع علياً مكانه، فقال علي عليه السلام: يا أبتاه إني مقتول ذات ليلة، فقال أبو طالب عليه السلام: اصبرنّ يا علي فالصبر أحجى، كل حيّ مصيره لشعوب قد بذلناك والبلاء عسير (6) . أقول: لا زال أبو طالب عليه السلام يدافع عن الرسول صلى الله عليه وآله والرسالة ولم يهن ولم يحزن، بل لم يدع أي شيء يؤدّي إلى تقوية النبي صلى الله عليه وآله وتعزيز الرّسالة ونشرها إلا وفعله حتى أظهر الله دينه وثبّت أركانه حتى وهو في النزع الأخير على فراش الموت، بل دافع عنه بعد موته من خلال ما أوصى به أولاده وبني عبد المطلب حتى خمدت أنفاسه.
* أبو طالب مؤمن قريش
إن شخصية أبي طالب عليه السلام شخصية جدلية قديماً وحديثاً، إذ لم نقرأ عن حياة أحد قد كثر الحديث والنقض والإبرام فيها حول إيمانه وكفره كما نقرأ عن أبي طالب عليه السلام. وما ذكرناه يكشف عن عمق ارتباطه الإيماني بنبوة النبي صلى الله عليه وآله. وتنبئنا مواقفه عن خلفيته الاعتقادية التوحيدية. وسنسلط الضوء على هذا الجانب من شخصيته الرسالية ضمن محورين.
- المحور الأول: أبو طالب هدف للمشركين ورمية المنافقين
إن الدور الذي قام به أبو طالب عليه السلام من الكفالة والرعاية والعناية والدفاع حتى شكّل من نفسه حصناً منيعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله أثار المشركين وجعلوه هدفاً في حربهم، ومن جهة أخرى فلا يخفى على أحد أنه الحِجر الذي تربى وترعرع فيه علي عليه السلام مما جعله غرضاً لسهام المنافقين بغضاً وحنقاً منهم على ولده الإمام علي عليه السلام. ومن هنا فقد رُمي بالكفر وأنه في ضحضاح من نار وهذا خلاصة ما جاء في بعض كتب الشانئين له.
- المحور الثاني: ما ورد عن أبي طالب عليه السلام في حديث أهل البيت عليهم السلام
لقد بذل أهل البيت عليهم السلام جهوداً جبارة للدفاع عن أبي طالب حفظاً لشأنه وإزاحة للستار عما كان يضمره في أعماق فكره ونفسه من إيمان راسخ بالله وبنبيه صلى الله عليه وآله. وجاء دفاعهم عنه بمستوى دفاعه هو عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، وسأشير إلى بعض الكلام الذي ورد في حقه:
* ترحّم النبي صلى الله عليه وآله والاستغفار له
ويدل عليه ما أخرجه ابن سعد عن علي عليه السلام: "أخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله بموت أبي طالب عليه السلام فبكى ثم قال: اذهب فاغسله وكّفنه وواره، غفر الله له ورحمه" (7).
* ممن يفتخر بهم
في واحدة من رسائل المفاخرة لعلي عليه السلام إلى معاوية ذكر فيها أبا طالب عليه السلام حيث قال: "ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق" (8).
* رثاء النبي صلى الله عليه وآله لأبي طالب عليه السلام
رثاه النبي صلى الله عليه وآله حين وفاته وهو على قبره الشريف: "واأبتاه، واأبا طالباه، واحزناه عليك،.يف أسلو عليك يا من ربيتني صغيراً واجتبيتني كبيراً وكنت عندك بمنزلة العين من الحدقة والروح من الجسد" (9).
* على لسان جبرائيل عليه السلام
نزل جبرائيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فقال: "يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك:..... إن أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين وأن أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة" (10). ونختم بما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله من أن أبا طالب يُحشر يوم القيامة في زي الملوك وسيماء الأنبياء عليهم السلام(11).
(1) كنز العمال، المتقي الهندي، ج 14، ص 36.
(2) بحار الأنوار، المجلسي، ج 22، ص 260.
(3) العمدة، ابن البطريق، ص 6.
(4) أبو طالب حامي الرسول وناصره، نجم الدين العسكري، ص 12ـ13.
(5) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، السيد ابن طاووس، ص 299 300.
(6) روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص 53-54.
(7) الطبقات ابن سعد، ج 1، ص 105.
(8) التذكرة، ابن الجوزي، ص 339.
(9) تفسير الأمثل، ج 4، ص 252.
(10) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 16، ص 231.
(11) الإمامة والتبصرة، ابن بابويه، ص34.