الشيخ مهدي أبو زيد
على خلاف ما هو سائد عن مفهوم العيد بين الناس، فقد بيَّنت مدرسة أهل البيت عليهم السلام أنّه يوم الجائزة للعاملين في طاعة الله، إذ ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: «كُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّه فِيه فَهُوَ عِيدٌ»(1).
* معنى العيد
إنّ للأئمّة عليهم السلام مواقف كثيرة بيّنوا فيها أهميّة العيد؛ فقد مرّ مولانا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في يوم عيد الفطر بقوم يلعبون ويضحكون، فوقف على رؤوسهم فقال: «إنّ الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا، وقصر آخرون فخابوا. فالعجب كلّ العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كُشف الغطاء لعلموا أنّ المحسن مشغول بإحسانه والمسيء مشغول بإساءته»(2).
لا ينبغي لنا أن نغفل عن هذه الحقيقة، وما يمثّله الشهر من موسم عباديّ تنضبط معه دورة عام كامل، دون أن ندع للتسويف أيّ مندوحة تحرمنا جني الطيب من المعاني الملكوتيّة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا أبا ذر، إيّاك والتسويف بأملك فإنّك بيومك ولست بما بعده، فإن يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن غد لك لم تندم على ما فرّطت في اليوم»(3).
وعن مولانا الإمام الباقر عليه السلام: «إيّاك والتسويف فإنّه بحر يغرق فيه الهلكى...»(4).
وللخروج إلى صلاة العيد رمزيّة خاصّة، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: «وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلّاكم خروجكم من الأجداث إلى ربّكم، واذكروا بوقوفكم في مصلّاكم وقوفكم بين يدي ربّكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنّة أو النار، واعلموا -عباد الله- أنّ أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: أبشروا عباد الله، فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون»(5). وهذا ما ينبغي للإنسان أن يعيشه في حركته الدنيويّة عامّة، وفي يوم العيد وما يمثّله من انطلاقة تحسم مستقبله خاصّة.
من هنا، فمن الكياسة أن يُحسن الإنسان الاستفادة من العروض المتاحة، فيعمل بما ورد عن المدرسة النبويّة من آداب تبدأ من ليلة العيد، وما فيها من عتقاء لله من التبعات وصولاً إلى يوم العيد.
* آداب يوم العيد
من جملة تلك الآداب:
1. الاغتسال قبل الخروج لصلاة العيد: وهو من السنن المؤكّدة، وقد ذُكر في الأخبار «أنّه لو نسي غسل يوم العيد حتّى صلّى إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة،... ويقول بعد الغسل: اللّهمّ اجعله كفّارة لذنوبي وطهوراً لديني، اللّهمّ أذهب عنّي الدنس»(6).
2. الدعاء بعد صلاة الصبح: «وَقَدْ غَدَوْتُ إِلى عِيْدٍ مِنْ أَعْيادِ اُمَّةِ نَبِيِّكَ، فإنّ إليك يا سيّدي تهيئتي وتعبئتي، وإعدادي واستعدادي، رجاء رفدك وجوائزك، ونوافلك وفواضلك وعطاياك»(7).
3.ارتداء أفضل الأثواب: يستحب في يوم العيد تحسين الثياب، واستعمال الطّيب لظهور مظهر العيد والنعمة على المسلم.
4. إخراج زكاة الفطرة قبل صلاة العيد: يزكي صاعاً عن كُلّ فرد على التفصيل المبيّن في الكتب الفقهيّة. وزكاة الفطرة مِن الواجبات المؤكّدة وشرط في قَبول صيام شهر رمضان، وهي أمان من الموت إلى السنة القادمة، وقد قدّم الله تَعالى ذكرها على الصلاة في الآية الكريمة: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى: 14-15)(8).
5. الإفطار أول النَّهار قبل صلاة العيد: والأفضل أن يفطر على التمر أو على شيء من الحلوى، وقال الشيخ المفيد: يُستَحبّ أن يبتلع شيئاً مِن تربة الحسين عليه السلام فإنّها شفاء من كلّ داء(9).
6. زيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم العيد(10): لما للإمام عليه السلام من فضل على كلّ مسلم، بما بذله في وقوفه في وجه الظالمين من أجل بقاء الدين.
* من آداب صلاة العيد
1. أن يسلك المرء طريقين: طريقاً في ذهابه لصلاة العيد وطريقاً آخر في إيابه، فقد «كان صلى الله عليه وآله وسلم يقصد في الخروج أبعد الطريقين، ويقصد في الرجوع أقربهما»(11).
2. أن يصلي تحت السماء: فيستحب الإصحار -الصلاة في مكان مكشوف- في غير مكّة، للصلاة تَحتَ السّماء(12).
3. أن يكبّر عقيب صلاة العيد بهذه التكبيرات: «الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ لا إِلهَ إِلّا الله وَالله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ، الحَمْدُ للهِ عَلى ما هَدانا، وَلهُ الشُّكْرُ عَلى ما أَوْلانا»(13). وكذلك عقيب صلوات المغرب والعشاء والصبح في يوم العيد.
4. أن يدعو بعد صلاة العيد ومطلع يومه: «اللَّهمَّ إِنِّي تَوَجَّهْتُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ أمامِي وعليٍّ من خلفيّ وأئمّتيّ عن يمينيّ وشماليّ...»(14).
5. أن يدعو بدعاء الندبة: ومن الأدعية المهمّة في يوم العيد دعاء الندبة الذي يستحبّ أن يُقرأ في الأعياد الأربعة الفطر والأضحى والغدير ويوم الجمعة. إنّ هذا الدعاء يجعل المؤمن يقف عند حقيقة أولياء الله تعالى ومقامهم ووظائفهم فيعرف شأنهم ومقاماتهم وما بذلوه في طاعة الله تعالى، ويذكّره بإمام الزمان وغيبته والارتباط به وعدم الغفلة عنه في مثل هذا اليوم.
ويمكن أن نقف عند آداب أخرى، نستخلص من مجموعها أنّ يوم العيد من مواطن شكر القدير الحكيم، فلا تفوتنا فرصة الاستزادة، والحرص على توطيد العلاقة بالأئمّة الطاهرين عليهم السلام الذين حفظوا الدين وبذلوا مهجهم دونه، وبالخصوص مولانا بقيّة الله في الأرضين الذي يفرح بظهوره أهل الدنيا، بل ويُدخل بخروجه على أهل القبور السرور، عجَّل اللّه فرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه، ووفّقنا لنكون ممن يسعد بطلعته الغرّاء.
(1) نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، ص 551.
(2) تحف العقول، الحراني، ص 236.
(3) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 74، ص 75.
(4) المصدر نفسه، ج 75، ص 164.
(5) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 160.
(6) العروة الوثقى، السيّد اليزدي، ج 2، ص 153.
(7) الإقبال، السيّد ابن طاووس، ج 1، ص 477.
(8) المصدر نفسه، ص 387.
(9) المصدر نفسه، ص 387.
(10) المصدر نفسه، ص 456.
(11) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 110، ص 335.
(12) مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمّي، ص 387.
(13) المصدر نفسه، ص 382.
(14) المصباح، الشيخ الكفعمي، ص 654.