ليست شجرة عاديّة إنّما هي مباركة بشهادة كتاب الله تعالى حيث ذكرها قائلاً: ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ (النور: 35)، وقد أحبّها الناس لما فيها من خيرات وفوائد، وباتت تُعرف رمزاً للسلام والصمود لقوّتها وصلابتها وتجذّرها في الأرض وغورها في أعماق الزمان.
وكان للهرمل نصيب من بركات هذه الشجرة.
* تاريخ زراعة الزيتون في الهرمل
انتشرت زراعة الزيتون على الساحل اللبنانيّ عام 4000 ق.م، ومنه انطلقت إلى البلدان المجاورة. وكانت الهرمل من أولى المناطق التي عرفت بهذه الزراعة قديماً حيث يقدّر عمر أشجار الزيتون فيها بمئات السنين، بدليل وجود حجارة المعاصر القديمة المستخدمة في استخراج زيت الزيتون ضمن الآثار.
* عوامل نجاح هذه الزراعة
وبفعل أسباب متعدّدة تقوّضت هذه الزراعة في الهرمل لفترة من الزمن حتى العقود الثلاثة الماضية، فقد نشطت من جديد لتصبح من أهمّ الزراعات الاقتصاديّة التي يعتمد عليها المزارعون في تأمين مدخولهم، إذ قدّر عدد الأغراس المزروعة عام 2010م بنصف مليون غرسة تقريباً في قضاء الهرمل، وهذا العدد إنّما هو في تزايد مستمر نتيجة توجّه المزارعين إلى الاعتماد على هذه الزراعة وذلك لأسباب عدّة نذكر منها:
1. انخفاض كلفة العناية بالشجرة.
2. قلّة الإصابة بالآفات الحشريّة والأمراض الفطريّة في الهرمل، مقارنة مع تلك التي تصيب أشجار الزيتون في مناطق أخرى، وتحديداً مرض عين الطاووس(1) وذبابة الزيتون.
3. إمكانيّة زراعة الزيتون بطريقة بعليّة، وخاصة في المناطق التي تزيد فيها نسبة المتساقطات عن 400 ملم سنويّاً. أمّا في سهل الهرمل فتحتاج هذه الزراعة إلى ري تكميليّ غير مكلف، ولا يتطلّب كميّات كبيرة من المياه.
هذه العوامل ساهمت في زيادة المساحات المزروعة حيث تشكّل زراعة الزيتون في الهرمل اليوم نسبة 6 % من الزراعة العامّة في لبنان.
* زيت زيتون الهرمل: خصائص فريدة
يعدّ زيت الزيتون من أفضل أنواع الزيوت النباتيّة والحيوانيّة، وينصح به الأطبّاء لما يحتويه من فوائد، ولعلاجه العديد من الأمراض.
يصنّف زيت الزيتون بحسب خصائصه المختلفة مثل الطعم، والرائحة، واللون، ونسبة الحموضة الحُرّة (الأحماض الدهنيّة الخالية من الدهون الثلاثيّة). ونتيجة الطقس الجافّ في الهرمل، وقلّة الإصابة بالأمراض، إضافة إلى نوع التربة، والاعتماد على المعصرة الحديثة، يعدّ زيت زيتون الهرمل من أجود أنواع الزيوت في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، إذ حاز على المراتب الأولى في مسابقات دوليّة عدّة، منها معرض روما في إيطاليا عام 2014م.
* دور مؤسّسة جهاد البناء
ضمن مشروع "الشجرة الطيّبة"، تستقدم مؤسّسة جهاد البناء كلّ عام أغراس شتلة الزيتون من الجمهوريّة العربيّة السوريّة وتوزّعها بأسعار رمزيّة على المواطنين، ويبلغ عدد الأغراس الموزّعة في الهرمل 20 ألف غرسة سنويّاً.
وتعمل المؤسسة على تطوير هذا القطاع من خلال فريق من المهندسين الزراعيّين الذين ينفّذون ندوات وورشاً زراعيّة ويقدّمون الاستشارات الزراعيّة المجّانيّة.
في بداية هذا العام (2023م)، أطلقت مؤسّسة جهاد البناء – مديريّة البقاع مشروع "علم وشجر" الذي استهدف طلاب صفوف الشهادة المتوسّطة في 74 مدرسة رسميّة وخاصّة (أي ما يقدّر بنحو 107 صفوف بريفيه) في منطقة البقاع، ونظّمت 107 ندوات عن كيفيّة زراعة شجرة الزيتون والاعتناء بها، ووزّعت على كلّ طالب غرسة زيتون ليزرعها في حديقة داره حتّى تكبر معه وترافقه في مسيرته العلميّة وتكون تأريخاً لنجاحاته، ووصل عدد الأغراس التي وُزّعت إلى 8889 غرسة. وقد لقي هذا المشروع نجاحاً باهراً في المدارس وترحيباً من الهيئات التعليميّة والطلاب.
* الاتّحاد التعاونيّ الإقليميّ في البقاع
انطلاقاً من الآية الكريمة: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2)، تأسّس الاتّحاد التعاونيّ وأولى أولويّاته النهوض بقطاع الزيتون. وبالتعاون والتنسيق مع جمعيّة مؤسّسة جهاد البناء الإنمائيّة، عمل الاتّحاد على إنشاء مركز خدمات زراعيّة في قرية القصر يضمّ أحدث معصرة زيتون في لبنان بتمويل من مؤسّسات دوليّة عبر وزارة الزراعة اللبنانيّة ضمن مشروع "حصاد"، وتتميّز هذه المعصرة بأنّها تعمل على نظام عصر بارد ينتج أجود أنواع زيت الزيتون.
كما وساهم الاتّحاد في تثبيت الزراعة العضويّة ( organic) للعديد من المزارعين بعد تحديد الشروط، وحصل على شهادة بهذه الزراعة من قِبل شركة CCPB، بالإضافة إلى إنشاء مستنبت لإنتاج أغراس الزيتون في مركز الاتّحاد، حيث تصل قدرة الإنتاج إلى 160 ألف غرسة في السنة. ويهدف هذا المشروع إلى إنتاج الأصناف الملائمة لطبيعة المنطقة بأسعار مخفّضة لدعم هذه الزراعة.
1- هو مرض فطريّ يفتك بأشجار الزيتون، إذ تُصاب الأوراق والثمار ببقع داكنة اللون غير محدّدة الحوافّ.