سكينة حسن*
أرِقت ليلى في تلك الليلة الخريفيّة المقمرة؛ فجلست على شرفتها تتأمّل البدر في السماء الذي يضيء شيئاً من عتمة الليل الداكن، كأنّها تبحث عمّا يضيء عتمة قلبها، وفي داخلها ألف سؤال: «أين أخطأت؟»، و«كيف لي أن أصلح خطئي»؟
لم تكن ليلى أُمّاً مهملة؛ بل كانت تهتمّ بكلّ تفاصيل أبنائها؛ لتجعل منهم أشخاصاً مهذّبين، متعلّمين، مؤمنين،... ومع ذلك، تُسائل نفسها: «ما الذي جعل ابني أحمداً يهمل صلاته؟! هل قصّرت في تربية أبنائي؟!».
•أسباب إهمال الأبناء صلاتهم
تُعدّ مشكلة إهمال بعض الأبناء الصلاة من المشاكل التي تقلق الآباء، الذين يكدّون في تربية أبنائهم، انطلاقاً من المبدأ الذي تتحدّث عنه الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ (التحريم: 6). ويزداد هذا القلق في هذا الزمن الذي غزته تقنيّات التواصل الحديثة التي كثر بسببها الفساد والإفساد؛ ما يجعل مهمّة التربية في غاية الصعوبة.
إنّ أسباب هذا السلوك كثيرة، خصوصاً عند الأولاد اليافعين، الذين ما زال عودهم طريّاً قابلاً للتقويم بسهولة، نذكر منها:
1. تراخي الوالدَين في إيصال المفاهيم الدينيّة للأبناء: فالأسرة هي المحيط الأوّل والأهمّ الذي يبدأ منه تشكيل شخصيّة الطفل، وقد يقصّر الوالدان في متابعة التزام أبنائهما بتكاليفهم، ولا يتعاملان بها معهم على أنّها أولويّةً؛ والحال أنّه ينبغي للأهل المسارعة إلى معالجة الأمراض الروحيّة لأبنائهم، أسرع وأكثر اهتماماً من تعاملهم مع أمراضهم الجسديّة.
2. تشدّد أسلوب الوالدين: وهو على نحوين: الأوّل، تشدد أسلوبهما في تقديم مفهوم العبادات للأبناء، بشكل خالٍ من الروحيّة، والثاني، في طلبهما من الأبناء تأدية العبادات الواجبة عليهم، وأحياناً يكون ذلك مصاحباً للزجر الدائم، ما يجعل الصلاة لدى بعض الأبناء عبئاً وثقلاً عليهم، فلا يرغبون بتأديتها، فيبدؤون بالمماطلة والتسويف في أدائها، ثمّ تأخيرها حتّى انتهاء وقتها، ومع تكرّر هذه الحالة؛ يزداد العبء والتثاقل في أدائها، حتى يهملوها كلّيّاً.
3. عدم التدقيق في اختيار المدرسة والمربّين: فالمدرسة التي تحكمها الأجواء الدينيّة لها دورٌ كبير في تنمية بذرة التوجّهات الدينيّة التي زرعها الوالدان ورعايتها. أمّا تلك المدرسة التي لها توجّهاتٌ مناقضةٌ لتعاليم الدين، فستتعارض مع تربية الوالدَين، وتخلق تشوّشاً في شخصيّة الطفل وفي منظومته الدينيّة النظريّة والعمليّة.
4. معاشرة الأصدقاء الذين لا يهتمّون بالتكاليف الدينيّة: فالصداقة تؤثّر سلباً وإيجاباً في أقوال الإنسان وأفعاله؛ وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «المرء على دين خليله»(1).
5. إدمان وسائل التواصل الاجتماعيّ والألعاب الإلكترونيّة: لا شكّ في أنّ وسائل التواصل والألعاب تقدّم محتوى جاذباً وفعّالاً في سرقة الوقت، والانغماس فيها لساعاتٍ طويلة يضيّع فيها الشابّ صلاته.
•نصائح للوالدين
لكلّ مشكلة حلّ. وفي ما يأتي نضع بين أيدي الآباء الأعزّاء بعض النصائح التي من شأنها أن تساهم في علاج إهمال الأبناء لصلاتهم، نذكر منها:
1. اهتمام الوالدين بتكاليفهما الدينيّة: إذا كان الوالدان من أهل الصلاة والتزام العبادات، فسوف ينعكس ذلك على ولدهما. وبما أنّ الطفل الصغير يقتدي بأفراد عائلته، فإنّه سيسعى إلى تقليدهم؛ فإذا ما شاهد والديه يصلّيان، فسوف يرغب في محاكاتهما؛ فيركع ويسجد كما يفعلان. وفي تشجيع هذا السلوك وتحفيزه لدى الطفل -وإن لم يفهم معناه- أثرٌ جميلٌ يبقى راسخاً في عقله وقلبه، وتظهر آثاره فيما بعد؛ يقول الإمام الباقر عليه السلام: «يُحفظ الأطفال بصلاح آبائهم»(2).
2. تقديم الصلاة بوصفها فعل ارتباط بالله تعالى: حدّثوا أطفالكم عن الله، ورحمته وعطفه، وعن محبّته لهم، وكيف يرسل ملائكته كلّ ليلةٍ لتحرسهم. حدّثوهم عن الحلوى التي يحبّونها، والثياب التي يفضّلونها، والألعاب التي يمتلكونها، من يرزقهم إيّاها إلّا هو؟! حدّثوهم عن خلقه لهذا العالم الجميل، والسماء، والبحر، والزهور، والعصافير. حدّثوهم أنّه جميل؛ ولذا خلق كلّ هذا الجمال، وخلق لهم وجوهاً حسنة. أخبروهم أنّه يحبّ المصلّين كثيراً، ويحبّ أن يسمع أصواتهم وهم يصلّون، ينتظر دعاءهم وتسبيحهم، وهو قريب يجيب دعوة الداعي. فيجب تقديم الصلاة للأبناء كفعل ارتباط بالله تعالى، وشكران على نعمه ووسيلة تواصل معه تعالى.
3. الحذر من الازدواجيّة في القول والفعل: لا فائدة من التشجيع والتحفيز على أيّ فعلٍ لا يلتزم به الوالدان؛ بل ستكون عواقبه وخيمةً، منها: تزلزل عقائد الأبناء، وإعدام ثقتهم بوالديهم، والجرأة على ارتكاب الذنوب كترك الصلاة، بل والكذب على الوالدَين بادّعاء امتثالها. ولا بدّ من الحذر من الازدواجيّة الخفيّة التي يغفل عنها كثيرون، فصحيح أنّ الآباء يصلّون؛ ولكنّهم في الوقت نفسه إذا كانوا ممّن يتأفّفون من الصلاة، ويعدّونها عبئاً ثقيلاً أزاحوه عن كاهلهم؛ ويظهرون ذلك في أفعالهم، فإنّهم بذلك يُقدّمون لأبنائهم مفاهيم خاطئة وخطيرة عبر هذه السلوكات.
4. التدريب على العبادات قبل سنّ التكليف: فإنّ «الخير عادة»(3)؛ ولكي يعتاد الأبناء على الصلاة وتدخل ضمن برنامج حياتهم اليوميّة وأولوياتهم، ينبغي البدء بتعليمهم الصلاة عند تمام السنة السابعة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: «مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين»(4). وشرح المفاهيم الدينيّة الخاصّة بالصلاة بما يتلاءم مع أعمارهم، ويبرز دور الأب خصوصاً في مرافقتهم إلى المساجد وتعليمهم صلاة الجماعة، ومشاركتهم المناسبات الدينيّة في الحسينيّات، ومع الأم أيضاً من خلال قطع التسوّق مثلاً إذا دخل وقت الفريضة للبحث عن مُصلى، وملاحظة موعد الصلاة في أيّ نزهة عائليّة بحيث يتمكّن أفراد العائلة من الوضوء والصلاة، عبر تخصيص عبوات مياه للوضوء، إحضار سجادة الصلاة... تلك عادات يكتسبها الأبناء من آبائهم، وسلوك يحتذونه طوال حياتهم.
5. اعتماد الرفق واللين في الإرشاد: المطلوب من الوالدين اعتماد أسلوب اللين والرفق في النصح والإرشاد، مع مراعاة الجديّة لإظهار أهميّة الأمر طبعاً، وعدم استخدام أسلوب التسلّط والإجبار؛ فالعنف والشدّة يجعلان مذاق الصلاة الحلو مرّاً عند الأبناء؛ فيعزفون عنها. وإذا ما آتى النصح ثمرته، أصبح من الواجب على الوالدَين إبداء الرضى وتقديم المدح والمكافأة، مع عدم المبالغة في ذلك، وإلّا انتقلا إلى التوبيخ والتأديب مع مراعاة حدوده الشرعيّة(5).
6. تقدير الأبناء واحترامهم: إنّ تقدير الآباء لأبنائهم واحترامهم أجلب للمحبّة والطاعة؛ فيصبح عصيانهم للأوامر أقلّ، ويلتزمون تطبيق الأوامر الإلهيّة. وعليهم اجتناب التحقير واللوم الدائم اللذَين يُضعفان عزيمة الأبناء، ويسببان جرأةً على ارتكاب الذنوب. ولا بدّ هنا أيضاً من الحذر في الإفراط في الغنج والدلال فإنّه يُنتج شباباً عاجزين ضعافاً؛ فإنّ «شرّ الآباء من دعاه البرّ إلى الإفراط»(6).
7. اختيار المدرسة المناسبة: فهي عاملٌ أساس في رسم التوجّهات الإيمانيّة للأطفال والأحداث، فكم من شابٍّ اتّخذ أستاذاً فاضلاً قدوةً له! وكم من حدثٍ سلك طريقاً غير قويمٍ بناءً على ما كسبه من مدرسةٍ لا تلتزم المبادئ الدينيّة! فالبيئة سيف ذو حدّين: فإمّا أن تكون صالحة ترقى بروحيّة الإنسان وسلوكه، وإمّا أن تكون فاسدة فتفسد روحيّته: «واحذر منازل الغفلة والجفاء وقلّة الأعوان على طاعة الله»(7). وكذلك يجب التدقيق في اختيار المعلّمين والمربّين ومتابعة ما يقدّمونه للأبناء؛ وذلك للسعي في حلّ أيّ تعارضٍ سلوكيّ وتربويّ بينهم وبين الأهل.
8. الاعتناء بصداقات الأبناء: يرغب الأولاد دائماً في إقامة علاقات صداقة، أمّا وظيفة الوالدين فهي مساعدتهم في عمليّة انتقاء الأصدقاء الذين ينتمون إلى عائلات تشبههم من حيث القيم والسلوك والأخلاق والالتزام الدينيّ. وإنّ اصطحاب الأولاد إلى المساجد، وإرسالهم إلى النشاطات الكشفيّة؛ من العوامل التي توجهّهم بطريقةٍ غير مباشرة لاختيار الأصدقاء المناسبين.
9. تحديد وقتٍ معيّنٍ لممارسة الألعاب الإلكترونيّة: فضلاً عن تأثيرها الجسديّ السلبيّ، للألعاب الإلكترونيّة تأثيرٌ سلبيٌّ على نفوسهم وتوجّهاتهم، والأفضل التوقّف عن تلك الألعاب قبل وقت الصلاة بمدّةٍ كافية؛ حتّى تخرج صورها من خيال الطفل. في مقابل ذلك، المطلوب ملء أوقات فراغ الأبناء بالمطالعات الدينيّة، وسير العلماء والشهداء، والبرامج التربويّة والدينيّة المناسبة لكلّ عمرٍ، وتخصيص وقتٍ لتمضيته معهم والاستماع إليهم وتصويب أفكارهم.
10. الاعتناء بالعوامل المعنويّة: ولا ننسى عاملَين أساسيّين من العوامل المعنويّة التي لها بالغ التأثير على الأبناء: أوّلهما هو الحرص الشديد على المأكل الحلال وتجنّب الحرام، وثانيهما التوجّه بالدعاء للأبناء بالهداية وصلاح الحال في محضر الله تعالى، والتوسّل بالمعصومين عليهم السلام وطلب العون لهذه الغاية؛ فهي من العوامل الغيبيّة المؤثّرة في صلاح الأبناء(8).
•حبّ الله هو الأساس
إنّ الطفل مفطورٌ على حبّ الله، وما على الوالدَين سوى تنمية هذا الحبّ وتعميق هذه الصلة؛ لأنّ انعقاد القلب على المحبّة أصل الإيمان، فمن تجذّر ذلك في قلبه، أصبحت الاستقامة نهجه، ولو انحرف في بعض التفاصيل أو المراحل؛ فإنّ تلك المحبّة سترجعه بلا شكّ إلى الصراط المستقيم.
* باحثة إسلاميّة.
1.الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج 2، ص 642.
2.بحار الأنوار، العلامة المجلسيّ، ج 68، ص 236
3.من كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج3، ص2191.
4.الكافي، مصدر سابق، ج 3، ص 409.
5.اللجوء إلى الضرب لا يكون إلّا بعد التدرّج في العقاب واستنفاذ جميع الأساليب، ويكون بشروط منها أن يكون برفقٍ وأن لا يستلزم الاحمرار ونحوه.
6.تاريخ اليعقوبيّ، اليعقوبيّ، ج 2، ص 320.
7.نهج البلاغة، الخطبة 69.
8.يُراجع: التربية الأسريّة، مركز نون للتأليف والترجمة، جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة.