إنّ تكوين الأسرة هو نتيجة للقانون العام لعالم الوجود، القانون العام للخليقة، وهو قانون الزوجيّة: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يس: 36). فقد جعل الله المتعالي الزوجيّة في كلّ شيء؛ في الإنسان والحيوان والنباتات، ﴿وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾.
• الزوجيّة مقابل التناقض
تقع الزوجيّة على الطرف النقيض لفكرة التناقض في الجدليّة الهيغيليّة(1) والماركسيّة، التي تقول إنّ حركة المجتمع والتاريخ والبشر ناجمة عن التناقض. أمّا في الإسلام، فلا تتأتّى النتيجة من التناقض، بل من الزوجيّة، فينشأ الجيل اللاحق، والرتبة، والحركة، والمرحلة التالية من الزوجيّة، والملاءمة، والاقتران.
• الزوجيّة تحتاج إلى القانون
تحتاج الزوجيّة في حالة الإنسان إلى ضوابط؛ لأنّ انتخاب الإنسان لإنسان آخر واختياره له، يجب أن يكون ضمن إطار، وإلّا، فإنّ شخصاً سيختار أمراً، وآخر سيختار شيئاً يناقضه، ومن ثمّ تحدث الفوضى.
القانون ضروريّ من أجل أن يُرسى نظام في المجتمع والتاريخ وحياة الإنسان. والقانون يشمل الزوجيّة، وهذا لا يختصّ بالإسلام. انظروا في أديان العالم كلّها: في المسيحيّة واليهوديّة والبوذيّة وغيرها، على حدّ علمنا، ثمّة قانون يقوّم الزوجيّة بين المرأة والرجل. إنّ غياب القانون هنا ذنبٌ وجرم وظلم، وسبب للاضطراب والفوضى.
• المرأة ريحانة
ما دور المرأة في الأسرة؟ المرأة هي الهواء الذي يملأ أجواء الأسرة، وما ورد في الرواية: "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة"(2) هو حول هذه القضيّة؛ فـ"ريحانة" تعني وردة، أي العطر، الرائحة الطيّبة، ذاك الهواء نفسه الذي يملأ الأجواء. و"قهرمان" تعني القائم على الشؤون، أي العامل أو مسؤول العمّال. المرأة ليست "قهرمانة"؛ ليس الأمر على هذا النّحو في الأسرة: أن تظنّوا أنّكم حين تزوّجتم بامرأة، يجب أن تُلقوا بالأعمال كلّها عليها. كلا! هي تقرّر تطوّعاً إنجاز عمل معيّن.
• المرأة في الأسرة
تارة تظهر المرأة في الأسرة في دور الزوجيّة، وتارة أخرى في دور الأمومة، ولكلّ دور خصوصيّته:
1. دور الزوجيّة: المرأة هنا هي مظهر السكينة في الدرجة الأولى: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ (الأعراف: 189). السّكينة! ذلك لأنّ الحياة فيها تلاطم، والرّجل منشغلٌ في بحر الحياة هذا بالعمل والتلاطم، ثمّ حين يعود إلى البيت يحتاج إلى الهدوء والسكينة. المرأة تُنشئ هذه السكينة في المنزل: ﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾. فلتقرأن الكتب حول زوجات الشهداء؛ هناك تتّضح المحبّة والسكينة تماماً، ويظهر كيف كان هذا الرّجل الذي ذهب إلى ميدان الحرب يحصل على السكينة إلى جانب هذه المرأة، فتَخمُد تلاطماته الروحيّة تلك، ويجعله عنصر المحبّة ثابتاً على قدميه، ويضخّ فيه الجرأة والشجاعة والقوّة؛ ليتمكّن من إنجاز عمله بثبات. وفي آية أخرى أيضاً: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21). "مودّة" هي نفسها المحبّة، و"رَحمة" تعني العطف. يجري تبادل المحبّة والعطف بين المرأة وزوجها. هذا هو دور المرأة بصفتها زوجاً، وهو ليس بالدّور الصغير. إنه دورٌ مهمّ وعظيمٌ جدّاً.
2. دور الأمومة: هو دور "حقّ الحياة" واستمرار النسل؛ أي أنّها تُنشئ الكائنات التي تتكوّن منها. إنّ هويّة أيّ شعب وشخصيّته تنقلها الأمّهات بالدرجة الأولى: اللغة، والعادات، والتقاليد، والأعراف، والأخلاق، والعادات الحسنة. الأمّهات ينثرن بذور الإيمان في الأفئدة. و"الإيمان" ليس درساً يُدرّسه المرء لأحد أو يعلّمه؛ إنّه نماء وتسامٍ معنويّ يحتاج إلى نثر البذور، وهذا نثر تقوم عليه الأم، كذلك الأخلاق أيضاً. إذاً، دورها استثنائيّ للغاية.
3. إدارة المنزل: أكثر دور أساسيّ للمرأة في نظر الإسلام، هو دورها في إدارة المنزل، لكن هذا لا يعني الانعزال فيه. بعض الأشخاص يشتبهون عندما نقول: إدارة المنزل، يظنّون أنّنا نقول: اجلسنَ في البيوت ولا تفعلنَ أيّ شيء، ولا تؤدّين أيّ مسؤوليّة، ولا تدرّسن ولا تجاهدنَ، ولا تمارسنَ العمل الاجتماعيّ والأنشطة السياسيّة. ليس هذا ما تعنيه إدارة المنزل؛ إنّها تعني الاهتمام به، وإلى جانبه يمكنكنّ فعل أيّ عمل آخر في وسعكنّ أداؤه وترغبن فيه، وتشعرنَ بالتوق لإنجازه.
نعم، إذا دارَ الأمر بين أن تُصان حياة هذا الطّفل أو يُنجز ذاك العمل في المؤسّسة، فإنّ حياة الطفل أوْلى. كذلك الأمر بشأن أخلاق الطّفل وإيمانه وتربيته. فكما أنّكنّ لا تشعرنَ بالتردّد بشأن حياة الطّفل، فإنّ هذا الأمر يصدق على التربية أيضاً. طبعاً، ثمّة بعض الحالات التي يُمكن فيها حلّ هذا التردّد وتدوير الأمر بين هذا وذاك بأسلوب معيّن وبطريقة من الطرق.
• الأنامل السحريّة
ختاماً: لا يمكن إدارة الأسرة دون المرأة ونشاطها والشعور بالتكليف لديها، ولن تُدار. أحياناً تكون ثمّة عقد صغيرة في الأسرة لا يمكن فكها إلّا بالأنامل اللطيفة للمرأة. مهما يكن الرجل قويّاً وذا قدرة، فلا يمكنه فكّ بعض العقد.
(*) كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله في لقاء مع فئات نسائيّة مختلفة من أنحاء البلاد، بتاريخ 04/01/2023م.
1. نسبةً إلى "هيجل"، الذي لمَ شتات الفلسفة اليونانية السابقة ضمن فلسفته الجدليّة، التي يمثل التناقض لبابها ومحورها.
2. الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 556.