فضيلة السيد سامي خضرة
من حق كل مسلم غيور، رجلاً كان أم امرأة، أن يتألّم عندما يُلاحظ أنَّ أكثر الحركات النسائية في العالم الإسلامي آخذةً في تقليد الغرب: في الأسلوب والمصطلح والأفكار.. بحجَّة حقوق المرأة وتحريرها.
فمن جملة الملوثات الفكرية والاجتماعية التي فتكت بنا في القرن الأخير، إنَّ فئة من «المتحرّرات المثقّفات» اللواتي درسن في الجامعات الغربية أو المتغرّبة تبنّين عناوين مختلفة عن المرأة، وانشأن جمعيات لإثبات الوجود، ونقلن الداء من بلاد الكفر إلى بلاد المسلمين.
* ما هو رأي الإسلام:
والمعروف أولاً، أنَّ الفكر الإسلامي لم يُقسّم المجتمع إلى معسكرين من الرجال والنساء، يتحدّيان ويتواثبان ويتقاتلان، بل، لم يعترف بهذا التقسيم، إنما تعامل مع المجتمع البشري على أساس:
أهل الخير وأهل الشر، المؤمنون والكافرون، الصالح والطالح، أهل الجنَّة وأهل النار، المهتدون والضالُّون، أهل الصراط الذين أُنعم عليهم من جهة والمغضوب عليهم والضالون من جهة أخرى.
والمعروف ثانياً، أنَّ الإسلام العزيز جعل أحكامه، كلّ أحكامه، سواسية للرجال والنساء، دون أن يُفرّق بينهما، لتكون المسيرة مسيرة تكامل واتحاد بين أفراد المجتمع الإنساني(1).
* التأثر بالأسلوب الغربي:
إلاَّ أن اللوثة الغربية، التي ما لبثت أن سُرّبت إلينا لاحقاً عن طريق بعض المتغرّبين أو المنسحقين أصرّت على تأجيج الصراع بين الرجال والنساء، وكأنَّ لكل منهما أهدافاً مستقلة عن الآخر، بل متباينة.
وتحت وطأة هذه الهجمة أخذ البعض يكرّر ما يسمع، ويقلّد ما يرى، دون أن تكون له خلفية إسلامية صلبة يميّز بها بين الأصيل والدخيل.
ولا شك في أنَّ هذا سوف يؤدّي، وقد أدَّى فعلاً، إلى نشوء معارك وهمية، تهدر الأوقات، وتشحن الصدور، وتُغري في دخول المحظور في كثير من الحالات.
* الموقف الحاسم للجمهورية الإسلامية:
والنِعْم ما فعلت الجمهورية الإسلامية في إيران عندما أصدر مجلس الشورى فيها، في آب 1998 قراراً يمنع فيه نشر أي مادة صحفية أو إعلامية يُبرز فيها خلاف بين مجتمع الرجال والنساء، وتُؤجّج الصراع بينهما.
فمن غير الصعب أن نرى، وفي مدةٍ زمنيَّة قصيرة كأيام مثلاً، عشراتُ المقالات والندوات والتصريحات والكتابات والمواقف التي تؤسس لمجتمع نسائي مستقل مقابل "المجتمع الذكوري والقرارات الذكورية"!
وما يُؤسف له أن نجد بعض مَن في أوساطنا يتبنَّى هذه الطروحات، ويهدر عمره في تحقيق سرابها، فيهلك من حيث لا يدري.
* خطة العلمانيين للتقرير بالمرأة المسلمة:
والطريف، المؤلم، أنَّ بعض العلمانيين على اختلاف أشكالهم، تفادوا مهاجمة الإسلام وأحكامه صريحاً، خاصة في السنوات الأخيرة في ظل النهضة الإسمية العالمية، فابتكروا مصطلحات وعناوين جديدة ينتقدونها ويرمون سهامهم عليها. وهم في الحقيقة والواقع يهدّفون على جوهر الإسلام والأحكام الإلهية.
فانتقدوا "المجتمع الشرقي" لتخلُّفه، و"الرحل الشرقي" لتعصُّبه، و"العادات الشرقية" لتزمتها، "والعقلية الشرقية" لتحجرها، و"المرأة الشرقية" لحيائها.. وما أرادوا بذلك إلاَّ انتقاد أحكام الإسلام.
فيُهاجمون أحكام الإرث لأنَّها "ظالمة" ويُطالبون بالمساواة، ويُهاجمون الحجاب لأنَّه يُصادر الحريَّة، وطاعة المرأة لزوجها، لأنها عبودية، وحياء الفتاة لأنه ضعف شخصية. والزواج المبكر لأنه يُقلّل من فرص التجربة، والإنجاب المبكّر أو المتعدّد لأنه يؤثر على صحة المرأة، ويُطالبون باستقلائية المرأة المادية حتى تعيش «سمقتلة» عن الرحل، وما يستلزم ذلك من مقدّمات وشبهات ومخاطر.. إلى لائحة طويلة من عناوين "حقوق" المرأة وتحريرها!!!
ومن خبث هؤلاء أنهم اخترعوا عناوين مختلفة لهذه "المآثر" كالتحرر والمساواة والصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والاستقلال الاقتصادي...
فأصبح الكلام على "المجتمع الشرقي" و"العادات الشرقية" و"الرجل الشرقي" من علامات الخطيب الناجح، والمرأة المتحرّرة!
ومن المؤلم أن ينساق الكثيرون من أبناء المجتمع الإسلامي وراء هذه العناوين، وأن ينهزموا أمام هذه الهجمة:
إمَّا انبهاراً أو استسلاماً أو جهلاً بأحكام الإسلام أو ضعفاً في الإيمان أو لمصلحة آنيَّة أو لأهداف شخصية.
* تجربة تسوية تشهد للحق:
والنِعْم ما قالت إحدى النساء ممَّن تحمل درجة دكتوراه على تلفاز فضائي، في سياق انتقادها للحركات النسوية العربية، مع أنها قضت 35 سنة من عمرها في العمل فيها، قالت:
1- متى كانت المرأة في مجتمعنا غير عاملة ولا منتجة، وهل عملها في الزراعة والريف والبادية لا يُعتبر إنتاجاً.
2- لماذا التفريق في المجتمع بين ما يُسمَّى بحقوق الرجال وحقوق النساء... ونحنى نعيش أزمات سياسية واقتصادية تذهب بحقوق الإنسان أصلاً، أكان رجلاً أم امرأة(2).
3- لماذا يُطالب البعض بأن يكون نصف عدد مجالس النواب أو الشورى من النساء لأنهنَّ نصف المجتمع.. والمهم أن نحقّق الإصلاح والأهداف العامة للأمة، أكانت مجالسنا من الرجال أم النساء.
4- ألا تُلاحظون أنَّ الكثيرات ممن كُنَّ يُناضلن من أجل «حقوق المرأة» تخلُّوا من النضال لمجرَّد أنهنَّ وصلن إلى مناصب رسمية أو رئاسة جمعية؟!
* تساؤلات لم تجد إجابات:
وتبقى عدة تساؤلات، وغيرها كثير، لم تجد جواباً صريحاً وصادقاً.
1- متى مُنع العلمَ عن المرأة في الإسلام، ما دامت الأجواء المحيطة نقية.
2- ومتى مُنع العمل عن المرأة، إذا كانت الأجواء نظيفة.
3- وهل المصلحة العليا للمجتمع أن تتخلَّى المرأة عن تربية أطفالها والعناية بأسرتها.
4- وهل مَن يُطالب بتحرير المرأة، متأثراً بالطرق الغربية، ملتفت إلى حكمها الشرعي في ما يتعلَّق بخروجها من المنزل، وإذن الزوج، والاختلاط، والمفاكهة مع الآخرين.
5- وهل المرأة في الأرياف والقرى تُعتبر غير عاملة؟
6- ولماذا هذا الموقف المشلول أو اللامبالي من الحركات النسائية تجاه ما يُعرض من إعلانات ودعايات وملصقات مخزية، وكذلك ما يندرج تحت عنوان الفن، وحفلات انتخاب ملكات الجمال، وعروض الأزياء.
7- أليس لافتاً ذلك الإهمال المطبق لتاريخ نسائنا المشرق، وهو كثير، ممن عُرفوا بالتقوى، والورع، والتزام الاحتياط، وسمة العلم، والشجاعة، والحياء، والإخلاص، وحفظ القرآن(3).
8- وهل اللواتي يُمعِنَّ في الحديث عن المرأة في الإسلام، وما يتعلَّق بها، هُنَّ بمستوى الإفتاء أو إعطاء الرأي أو التعديل أو التجديد في دين الله تعالى؟
{يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون} (سورة الروم، الآية 7).
(1) يقول الكاتب المعروف افهمي هويدي: «والإسلام لم يعرف في تاريخه قضيَّة خاصة بالمرأة ولم يعتمد أسلوب التفكيك المتبع في المنهج القومي.. الإسلام تعامل مع المرأة كإنسان وكمخلوق مكلَّف ومسؤول، لا يُعرّق بينها وبين الرجل، هي أي من التكاليف والواجبات، ثم إنه لا يخاطبها ككائن مستقل... إن حقوق المرأة في الإسلام، هي جزءٌ من حقوق الخلق، سواء كانوا نساءً أم رجالاً أم أطفالاً أم فتيات وفتياناً".
(2) ورد في مقال في جريدةَ العهد، العدد 718:14 رجب 1418؛ "الصفحة 26؛ فالظلم على المجتمع، ظلم على الجميع والمنكرٌ لا يقع على صنف من قبل صنف آخر "وما تعانيه المرأة هي مجتمعنا، غير منفصل عمَّا يشكو منه الرجل"، فهما سواء في الحُقوق المغتصبة والمنقوصة نتيجة سيطرة الأعداء مباشرة وغير مباشرة على مقدَّراتنا و«القيّمين» علينا.. فعلى كلّ "أهل الحق" رجالاً ونساءً أن يدحضوا كلُّ "أهل الباطل" رجالاً ونساءً.
(3) يقول الله تعالى في سورة الأحزاب الآية 24- 25 (... واذكرنَ ما يُتلى في بيوتكنَّ من آيات الله والحكمة، إنَّ الله كان لطيفاً خبيراً، إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين، والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدقات والمسالمين والمسالمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً...).