نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإمام الرضا عليه السلام... شمسُ التشيّع في إيران

لقاء مع فضيلة الشيخ كاظم ياسين
حوار: الشيخ موسى منصور


لقد كان انتقال الإمام الرضا عليه السلام من المدينة المنوّرة إلى خراسان، بمثابة وضع حجر الأساس لبناء الكتلة الشيعيّة في إيران؛ ليتفاعل هذا الوجود عبر السنين والأيّام، ويتحوّل إلى أكبر دولة شيعيّة في عصرنا الحاضر، وسيكون لهذا الوجود الدور الكبير والفاعل في عصر الظهور المبارك، كما نصّت الأخبار الغيبيّة التي تتناول أخبار آخر الزمان.

وللإضاءة على دور الإمام الرضا عليه السلام في امتداد التشيّع في إيران، استضافت مجلّة "بقيّة الله" سماحة الشيخ المُحقّق كاظم ياسين وأجرت معه هذا الحوار:

• ما هو الواقع السياسيّ والأمنيّ عموماً في زمن الإمام الرضا عليه السلام؟
ينبغي في البداية تكوين صورة واضحة ورؤية موضوعيّة عامّة عن الدولة العبّاسيّة والأسرة الحاكمة في ذلك الزمن. حينما استشهد الإمام الكاظم عليه السلام، أوصى ولده الإمام الرضا عليه السلام بكلمات قصيرة: "لا تعلن إمامتك قبل مضيّ أربع سنوات على وفاتي". هذا أمر لافت، انعكست آثاره الإيجابيّة على الإمام الرضا عليه السلام وعلى الوضع الأمنيّ حينها. وقد كان بنو العبّاس بارعين جدّاً في تكوين أجهزة الأمن والمراقبة، وكانوا شديدي القذارة والدناءة في ذلك. هذا من جهة.
من جهة أخرى، أخذت دولة بني العبّاس بالتفكّك مع نهاية أيّام هارون؛ نتيجة خطأ ارتكبه في صياغة النظام، عندما أوكل إلى ولده الأمين ملكيّة الدولة، والذي لم يكن أهلاً لذلك، وقد احتقر أخاه المأمون؛ لأنّ أمّه طبّاخة فارسيّة. وبمجرّد موت الرشيد، عزل الأمين أخاه المأمون عن ولاية العهد، ممّا أدّى إلى اندلاع الحرب الأهليّة بينهما.
لقد كانت حقبة الإمام الكاظم عليه السلام حقبة أمنيّة معقدة جداً، أمّا حقبة الإمام الرضا عليه السلام، فقد كانت مفتوحةً، وما زادها انفتاحاً تقلّد المأمون الحكم، وقد وقف العباسيّون ضدّه ولم يتقبّلوه. وفي المقارنة بين محمّد الأمين ابن زبيدة وعبد الله المأمون ابن مراجل الفارسيّة، فقد فضّلوا الأمين، فنشأ المأمون تحت تأثير عقدة أمّه لدرجة امتدّت إلى بنيانه الأيديولوجيّ الفكريّ، حيث تبنّى عقيدة مخالفة لعقيدة أهل السنّة؛ لاستدراج الشيعة وإيهامهم بالتقرّب من أهل البيت عليهم السلام؛ للإطاحة بأي تهديد لسلطته. في هذه الأثناء، وفي هذه الظروف من انهيار الدولة، جاءت إمامة الإمام الرضا عليه السلام.

• ما هي ملامح حياة الإمام الرضا عليه السلام في المدينة؟
قبل أن يتقلّد الإمام الرضا عليه السلام منصب الإمامة، كانت عناصر القوّة عند الدولة العبّاسيّة في أوجها، وقد انعكست عليه هذه الظروف وهو في المدينة، ولذلك، كان يترقّب ما ستؤول إليه مفاوضات انتقال الدولة إلى المأمون، فعاش عليه السلام في المدينة حالة حذر شديد لأربع سنوات، ثمّ أعلن بعدها عن إمامته. وهذه كانت أبرز ملامح سياسة الإمام الرضا عليه السلام في السنوات الأولى لإمامته.

• كيف كان واقع خراسان وبلاد فارس قبل مجيء الإمام الرضا عليه السلام إليها علميّاً واجتماعيّاً ودينيّاً؟
خراسان كانت في الحقيقة عبارة عن ثكنة عسكريّة لجنود الدولتين الأمويّة والعبّاسيّة، وكانت مركز الهجوم، ما سبّب اضطراباً للجغرافيا خارج إيران. وكانت دعوة التشيّع تنتشر في خراسان، بعدما بدأ -تحديداً- في زمن زياد بن أبيه الأمويّ، الذي تسلم الحكومة في الكوفة بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام، فقمع أهل الكوفة وأرهبهم، وقام بتهجير خمسين ألف شيعيّ من العراق إلى خراسان. لذلك وفرت خراسان جوّاً مؤاتياً لتطوّر حركة التشيّع فيها؛ ولأسباب عدّة:
1. بعدها الجغرافي عن الدولة المركزيّة.
2. ضعف القبضة الأمنيّة للدولة الأمويّة فيها.
3. اشتغال التابعين للحكم العباسيّ والأمويّ بالفتوحات وهم لا يحملون إلّا القرآن ولا يفقهون منه شيئاً، بينما كان الفرس أصحاب فكر وفلسفة وحضارة.
نتيجةً لذلك، وجد الناس في الإمام الرضا عليه السلام ضالّتهم، ووجدوا عنده أجوبة عن تساؤلاتهم، ممّا جعلهم يتعلّقون به؛ فتحوّلت بلاد خراسان من منفى للشيعة إلى مركز لهم.

• هل كان استدعاء المأمون للإمام عليه السلام السبب الرئيس لانتقال الإمام عليه السلام إلى خراسان، أم ثمّة أسباب أخرى؟
بحسب الظاهر، فإنّ انتقال الإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان كان سببه الوحيد هو استدعاء المأمون له، وليس معلوماً إذا كان ثمّة أسباب أخرى، ولا يوجد ما يؤكّد ذلك.
من هنا، يمكن القول: إنّ المأمون لمّا استدعى الإمام عليه السلام من المدينة إلى خراسان، كان يهدف من وراء ذلك إلى أن يضعه في القصر وأن يحدّ حدوده ويضيق عليه؛ فلو عيّنه وليّاً للعهد وتركه في المدينة، لكانت أصبحت الدولة والسلطة والجيش في يد الإمام الرضا عليه السلام، وهو ما استدركه المأمون جيّداً؛ ولذلك استدعى الإمام عليه السلام إلى خراسان، حتّى يبقى تحت مراقبة المخابرات العبّاسيّة.

• كيف تعاطى الإمام عليه السلام مع مسألة انتقاله إلى خراسان؟
لقد ذهب الإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان مُكرهاً باستدعاءٍ قهريّ؛ إلّا أنّه كان مدركاً أنّ في ذهابه مصلحةً عظيمةً، ويُمكن تحويل هذا التهديد إلى فرصة نادرة، خاصّةً أنّ خراسان بعيدة عن قلب العالم الإسلاميّ، فلن تطالها إجراءات المأمون الانتقاميّة بسهولة، عند تشيّعها؛ لأنّ الأخير أراد أن يقضم التشيّع من رأسه، كالأسد المفترس الذي عندما ينقضّ على فريسته، فإنّه يمسكها من رأسها أوّلاً، وهذا ما أجهضه الإمام الرضا عليه السلام. نعم يروى أنّ الإمام عليه السلام قد اجتمع مع شيعته قبيل خروجه من المدينة، وكان وداعاً مؤثّراً في ما بينهم حيث بكى وبكوا جميعاً.

• كيف استفاد الإمام عليه السلام من خطّة المأمون لمصلحة التشيّع وتمكين الشيعة سياسيّاً؟
الخطوة الثانية التي أقدم عليها المأمون -بعد استدعاء الإمام الرضا عليه السلام- هي محاولته تنصيب الإمام عليه السلام خليفةً لعهده، لكنّ الإمام عليه السلام واجه هذه الخطوة بقوله للمأمون، بما معناه: الخلافة من الله أم منك؟ فإذا كانت الخلافة لك من الله كيف تتنازل عنها؟ وإذا كانت منك فأنت تعطي عطاء من لا يملك. ممّا أدّى إلى إحراج المأمون، فهدّده بالقتل إن لم يقبل بولاية العهد، فقبل الإمام عليه السلام بهذا المنصب مكرهاً، ومصرّحاً أنّه رضي بذلك تحت وطأة التهديد والوعيد. ولمّا حصلت البيعة، طلب المأمون من الإمام عليه السلام أن يخطب خطبة البيعة، فقال الإمام عليه السلام عبارة واحدة: "لنا عليكم حقّ برسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم، ولكم علينا حقّ به، فإذا أنتم أدّيتم إلينا ذلك، وجب علينا الحقّ لكم"(1). إنّها خطبة الولاية المركزيّة، وبهذه الخطبة القصيرة، خرج الإمام عليه السلام عن كونه وليّاً للعهد، بل كرّس نفسه إماماً بتعيينٍ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

لقد كانت معركة الإمام الرضا عليه السلام مع المأمون معركة شرسة قاسية، استطاع عليه السلام من خلالها أن يكسب الجولة لصالحه، ويحوّل التهديد إلى فرصة من خلال إحباط خطّة المأمون، وتكريس الوجود الشيعيّ، والمحافظة على الكتلة الشيعيّة. وحتّى يحبط الإمام عليه السلام مشروع المأمون ويحافظ على المشروع الإلهيّ؛ اشترط أنّه لا يأمر ولا ينهى ولا يعزل ولا يقوم بأيّ خطوة إجرائيّة، فوافق المأمون موافقة عجولةً ساذجة، ففهم الناس أنّ هذا التعيين هو تعيين شكليّ غير واقعيّ.

• بماذا تميّزت مرحلة الإمام الرضا عليه السلام في سياق وحدة أهداف الأئمّة عليهم السلام والمشروع الإلهيّ؟
إنّ المشروع الإلهيّ مبنيٌّ على حتميّة انتصار بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنع سيطرة أيّ فرعونيّة ولو كانت إسلاميّة، وإلّا، فإنّ جهود الأنبياء عليهم السلام السابقين سوف تذهب سدى. ولقد، زوّد الله نبيّه محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بمنظومة من ثلاثة عشر معاوناً وظيفتهم الاستمرار بدعوة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومنع الفرعونيّة الإسلاميّة من النشوء؛ لأنّها لو نشأت، فإنّ خطّةً بديلةً ستواجهها، تتمثّل في بناء الكتلة الشيعيّة التي ستتصدّى لها، وهو ما قام به الإمام زين العابدين عليه السلام بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، إذ بدأ بتأسيس الكتلة الشيعيّة التي أثبتت في عهد الإمام الكاظم عليه السلام أنّها كتلة وازنة قويّة منظّمة، لها كيانها الأمنيّ والماليّ والأخلاقيّ والبنيويّ، وهذا ما أدّى بدوره إلى إنقاذ المشروع الإلهيّ وثباته، وساهم أيضاً في تسلّم الإمام الرضا عليه السلام أمّة مقتدرة مواجهاً بذلك عتاة السلاطين. من هنا، يمكن القول إنّ مرحلة الإمام الرضا عليه السلام تميّزت بميزتين:


الأولى: قوّة الكتلة الشيعيّة وتماسكها، وهو ما يدلّ عليه اندلاع أكثر من انتفاضة في بدايات تولّي الإمام الرضا عليه السلام الإمامة، لدرجة أنّ بعض هذه الثورات قامت بصكّ عملة نقديّة خاصّة بها، وهو انقلابٌ واستقلال واضح.


الثانية: المواجهة الشرسة بين قائد المشروع الإلهيّ وبين السلطان، والتي تمثّلت بإعلان المأمون تشيّعه ليخترق الساحة الشيعيّة، إلّا أنّ الإمام عليه السلام أجهض كلّ محاولات المأمون.


ختاماً: لم تفلح كلّ محاولات المأمون في استجلاب الإمام الرضا عليه السلام إلى صفوفه، فما كان منه إلّا أن لجأ إلى أقسى الخيارات وأصعبها، وهي قتل الإمام عليه السلام، حتّى يتخلّص من صلابة مواقفه وقوّة تأثيره.

وبهذه الخطوة الأخيرة أعلن المأمون انهزامه وإفلاسه أمام مشروع أهل البيت عليهم السلام، فقد استشهد الإمام الرضا عليه السلام فائزاً؛ ليكمل الإمام الجواد عليه السلام وأبناؤه المعصومون عليهم السلام المشروع الإلهيّ الممتدّ إلى آخر الزمان؛ حيث تتحدّث الروايات عن مشاركة راية الخراساني في معركة العدل تحت لواء صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ وهي من بركات إمامنا الرضا عليه السلام وصبره.
 
1. العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 49، ص 146.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع