مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كيف تساهم النوايا في الاستقرار النفسيّ؟


لقاء مع سماحة الشيخ نعيم قاسم
حوار: حسن سليم


"إنّما الأعمال بالنيّات"(1)، و"نيّة المؤمن خيرٌ من عمله"(2)، وروايات أخرى تربط بين النيّة كمقدّمة لقبول الأعمال.

انطلاقاً من أهميّة النيّة ودور الفضائل في تحقيق سعادة الإنسان وأمنه النفسيّ، تشرّفت مجلّة بقيّة الله بلقاء نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، وأجرت معه الحوار الآتي:

- طالما أنّ العبد يحاسَب على الفعل الحسن والسيّئ، فكيف تصبح نيّة المؤمن خيراً من عمله؟
نلاحظ أنّ العمل الصالح ليس شكلاً، إنّما هو مضمون، ولذلك ركّز الإسلام على النيّة ليقول إنّ المطلوب هو معرفة الدافع: لماذا تصلّي؟ لماذا تتبرّع بالمال؟ لماذا تتعلّم؟ لماذا تقوم بهذا العمل؟ فبحسب النيّة تكون قيمة العمل. ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"(3). من هنا، فإنّ اقتران العمل بالنيّة ضروريّ جدّاً؛ لأنّ الله عندما يحاسب الإنسان على عمله، إنّما يحاسبه على الدافع نحو هذا العمل. فمثلاً: إذا كان الإنسان يؤدّي صلاته؛ ليراه الناس، وليس قربةً إلى الله، فهو يصلّي رياءً، وصلاته باطلة؛ لأنّها ليست مرتبطة بنيّة القربى إلى الله. فالمطلوب هو العمل الصالح المرتبط بنيّة الفرد ودافعه نحو أيّ عمل.

- كيف تؤثّر النيّة في تحصيل فوائد العبادة التي تبيّنها الآية: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ (العنكبوت: 45)؟ وأيّ صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟
إذا صلّى الإنسان بهدف تأدية التكليف فقط، ومن دون تفاعل أو حضور نيّة أو خشوع، فصلاته هذه لا تؤدّي إلى النهي عن الفحشاء والمنكر. أمّا الصلاة التي يُقبل عليها الإنسان وهو يتواصل مع ربّه، ويتفاعل إلى أن يصل إلى مرحلة يعاهده فيها على الالتزام بكلّ ما من شأنه أن يصلح أحواله في كلّ الأمور، عندها، تكون الصلاة شحناً نفسيّاً، وصلاة ناهية. أي عندما تكون صلة دائمة بالله خمس مرّات في اليوم، وتحتّم عليه أن يترجمها عمليّاً، فتنهاه عن الفحشاء.

قد يسأل سائل: كيف تعزّز العبادات الطمأنينة؟ ولماذا نصلّي خمس صلوات وليس صلاة واحدة كلّ يوم؟ إنّ احتكاكات الإنسان اليوميّة بشؤون الدنيا، تولّد آثاراً؛ لذلك، عندما يتواصل الفرد مع الله بشكلٍ دائم على مدار اليوم: في الصباح، قبل القيام بأيّ عمل، وفي وسط العمل ظهراً وعصراً، وفي المغرب والعشاء عند إنهاء اليوم وقبيل الانتقال إلى النوم، فهذا يعني أنّ الإنسان يتواصل مع الله، ويناجيه خلال أوقات الصلوات هذه، وهو ما يعزّز العلاقة مع الله، ويجعل نيّة القُرب حاضرةً بعفويّة، الأمر الذي يجعله يشعر بالطمأنينة، التي هي مصدر سعادته في هذه الحياة.

- ورد في الحديث القدسيّ: "أنا عند حسن ظنّ عبدي بي"(4)، فإلى أيّ مدى يؤثّر حسن الظنّ بالله تعالى في استقرار الإنسان وطمأنينته، فضلاً عن كونه عامل استجابة للدعاء؟
قال لي أحدهم مرّة: "إلى متى سيصدّق الله توبتي وأنا أكرّر الذنب؟". إنّ حُسن الظنّ بالله تعالى لناحية استجابة الدعاء يجب أن يصل إلى درجة اليقين؛ لأنّه ليس للإنسان مرجعيّة يستطيع الرجوع إليها؛ لتبديد خوفه، ومواجهة الحياة، غير الله تعالى الخالق الذي بيده مقاليد الدنيا والآخرة. ومن آثار حُسن الظنّ بالله:

1. الأمل: إنّ حُسن الظنّ بالله تعالى يوجد الأمل عند الإنسان مهما كانت طبيعة الأفعال التي يقوم بها، لأنّه يتّصل بالغنيّ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ (البقرة: 186).

2. إتاحة فرص التوبة: لماذا تتكرّر في القرآن مفردات مثل: المغفرة، والقبول، والتوبة؟ ولماذا يكون الله مستعدّاً دائماً لقبول توبة الإنسان، حتّى لو ارتكب الكثير من المعاصي؟ لأنّ الله تعالى يريد أن يعطي الإنسان فرصة بشكل دائم؛ ليكون مطمئناً ومرتاحاً. فإذا وقع هذا المؤمن في معصية، يسهل عليه أن يسارع إلى التوبة؛ لأنّه يثق أنّ باب الله مفتوح دائماً ما دام مخلصاً في توبته.

3. الراحة النفسيّة: إذا كنت تُحسن الظنّ أنّ الله لن يتركك أو يتخلّى عنك، سترتاح وتطمئنّ نفسيّاً. وإذا سلّمت نفسك واستكانت وهدأت، لن ترتكب أعمالاً سيّئة بعد ذلك، وسترى الأوامر الإلهيّة قابلةً للتطبيق، ولن تحيد عنها بحجج مختلفة، وتكون خياراتك واضحة وشجاعة وجريئة بعيداً عن التردّد أو الشكّ في النتائج، ويبعد الله عنك اليأس والقلق والعقد النفسيّة، ويعطيك دفعاً قويّاً إلى الأمام. يقول الإمام علي عليه السلام: "حُسن الظنّ راحة القلب وسلامة الدين"(5).

- ما هو تأثير النوايا السيّئة من قبيل الحسد، والغيرة، والحقد، على حالة الإنسان المعنويّة واستقراره وطمأنينته؟ وهل تنسجم هذه الحالات مع صفة الإيمان؟
كلّما ارتكب الإنسان من الآثام، كلّما ابتعد أكثر عن الطريق الحقّ، وهو ما تظهر انعكاساته جليّةً على نفسه. فالإنسان الذي يستغيب مثلاً، وصار نمطه الاستغابة، أو يرتكب البهتان، أو يعيش حالة الحسد، أو غيرها من المعاصي، فإنّ تداعياتها تصيبه هو مباشرة قبل غيره: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ (النساء: 79)؛ فالحسود يعيش القلق والاضطراب بسبب ما يجده لدى غيره ويتمنّى امتلاكه، ويعيش الغمّ والهمّ بسبب إنجازات غيره، ويعيش النكد وتحديد إطار حياته بسبب مراقبة غيره، ويرغب في تحقيق انتقام أو تنفيس حقد قديم، ولكنّه هو الخاسر الوحيد في كلّ هذا؛ فهو يخسر حياته، وسكينته، واطمئنانه. أما عن الإيمان، فيقول الإمام أبو عبد الله عليه السلام: "الحسد يأكل الإيمان، كما تأكل النار الحطب"(6).

- كيف يستفيد فاعل الخير، وصاحب النوايا الحسنة، من تفكيره ونواياه وأخلاقه على الصعيد النفسيّ في حياته الدنيا، بغضّ النظر عن الثواب الأخرويّ؟
ثمّة أمر لا يعرفه كثير من الناس، وهو أنّ الآثار العظيمة والإيجابيّة لطاعة الله تعالى هي دنيويّة قبل أن تكون أخروية؛ فنتائج أعمالنا تظهر في الدنيا أوّلاً. ويمكن أن نضرب هنا هذين المثلين لتوضيح الفكرة:

أ. الجهاد في سبيل الله: من شروط القتال والجهاد أن يكون في سبيل الله، وعندها، يعد الله المجاهد بالنصر ويثبّت قدميه؛ وهذا ما سيلمسه في الدنيا.

ب. الالتزام بحلال الله: يقول الله تعالى: ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ (البقرة: 57). اليوم، يشهد كلّ الأطبّاء بأنّ كلّ ما حرّمه الله تعالى مضرّ للجسد، وكلّ ما حلّله تعالى نافع للجسد؛ وهذا يعني أنّك إذا التزمت بحلال الله تعالى على مستوى الطعام والشراب، ستنعم بجسم مستقرّ ومستقيم؛ وهذا هو الأثر المباشر.

كما أنّ المؤمن يستشعر السعادة الحقيقيّة في الحياة الدنيا، عن طريق طاعة الله عزّ وجلّ، والتقرّب إليه في خدمة عياله. لذلك، يجب أن يكون من أسعد خلق الله تعالى على الأرض، وأكثرهم رضى وسلامة واطمئناناً وثباتاً.

نعم، ثمّة مصاعب دنيويّة؛ لكن من يملك إيماناً بالله سيطمئن قلبه، ويرضى بما قُدّر له من قتر العيش أحياناً، ولكن في النهاية سيحثّه الأمل وحُسن الظنّ بالله إلى السعي الدائم لعلاج مشاكله وبلاءاته.

- عمليّاً، كيف يمكن أن يدرّب الإنسان نفسه على تهذيب نيّته وتصفيتها، ومعالجة سرعة القنوط واليأس؟
برأيي، إنّ سوء الظنّ بالله تعالى ناشئ عن معلومات ومعطيات خاطئة، انطلق منها الفرد حتّى وصل إلى ما وصل إليه. عموماً، ثمّة مجموعة توصيات تدفع إلى حُسن الظنّ بالله تعالى:

أوّلاً: يجب أن نؤمن أنّ الله تعالى هو الخالق، وإليه تعود كلّ الأمور.

ثانياً: يجب أن نؤمن أنّ ما قرّره الله في الشريعة المقدّسة من الأوامر والنواهي هو لمصلحة الإنسان وفي خدمته: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ (البقرة: 216)؛ القتال أمر مكروه؛ لأنّ من نتائجه القتل والجراح والثكل واليُتم، لكنّ هذا مشهد ناقص؛ لأنّ الخير الكثير الذي جعله الله في القتال هو لمصلحة الإنسان، لناحية حماية الأرض والعرض ومستقبل الأبناء والأحفاد.

ثالثاً: يجب أن يعرف الإنسان أنّ الموت بيد الله تعالى: "كفى بالأجل حارساً"(7)، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام؛ فإذا كان الخوف سبباً لقلقك وتوترك، فلن يؤخّر شيئاً من أجلك؛ لأنّه بيد خالقك الرحيم، فاسع في حياتك لأن تكون آخرتك مستقيمة.

رابعاً: كن مع الجماعة واستفد من إخوة الدين، قال تعالى: ﴿محَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: 29)؛ لأنّك مع الجماعة ستكون قويّاً، مستنداً إلى إخوانك المؤمنين. ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ (الكهف: 28)، لأنّ الحالات المعنويّة القويّة معدية؛ بمعنى أنّ صاحب الروحيّة القويّة يؤثّر في الآخرين، فاسند نفسك إلى أصحاب هذه الروحيّة؛ لتستمدّ منهم الطمأنينة والسكينة، وهم بدورهم يساعدونك على نفسك، ويرمّمون نقصك، وأنت بدورك ترمّم نقصهم.

إن التزمنا بهذه التوصيات الإسلاميّة وغيرها، سنجد حالة من الثبات والسكينة في قلوبنا، ودوافعنا، ونوايانا، وسننظر بحسن الظنّ إلى الله على أنّه الملجأ والمبدأ والدواء.

ندعو الله أن يوفقنا إلى إخلاص النيّة، والتقرّب منه تعالى، وإلى حُسن الظنّ به، والانقطاع عن الأمل في غيره.


(1) العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 67، ص 249.
(2) الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 84.
(3) العلّامة المجلسي، مصدر سابق، ج 67، 249.
(4) المصدر نفسه، ج 67، ص 39.
(5) الشيخ الريشهري، ميزان الحكمة، ج 2، ص 1784.
(6) الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 306.
(7) الشيخ الصدوق، التوحيد، ص 368.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع