الشيخ علي معروف حجازي
يهلّ علينا شهر الصيام، حيث موسم العبادة والاعتكاف، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضله: "اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان يعدل حجّتين وعمرتين"(1). في هذا المقال بعضٌ من أحكامه.
•المقصود منه وحكمه
الاعتكاف هو الإقامة والمكوث في المسجد بقصد العبادة لله، والعبوديّة له، وعدم الخروج منه. وأصل الاعتكاف مستحبّ، ولكن إذا نذر الإنسان أو أقسم يميناً أو عاهد الله أن يعتكف، يصير واجباً. ويصحّ الاعتكاف في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم، وأفضل أوقاته شهر رمضان المبارك، وأفضله العشر الأواخر منه.
•شروط الاعتكاف
يشترط في صحّة الاعتكاف سبعة شروط، ولا يشترط البلوغ، فيصحّ الاعتكاف من الطفل المميّز أيضاً، والشروط كالآتي:
1. العقل: يشترط في المعتكف أن يكون عاقلاً، فلا يصحّ من المجنون ولا من السكران وأمثالهما.
2. النيّة: يشترط في الاعتكاف، كسائر العبادات، أن يكون مصحوباً بالنيّة وقصد القربة؛ بمعنى أن يكون لبثُ الإنسان في المسجد تقرّباً إلى الله تعالى فقط، ولا يشوبه أيّ نوعٍ من الرياء والتظاهر.
بما أنّ الاعتكاف يبدأ من طلوع فجر اليوم الأوّل، فيجب أن لا تتأخّر النيّة عن تلك اللحظة. نعم، يجوز الشروع بالاعتكاف أوّل الليلة الأولى أو أثناءها، فينوي حين الشروع، ويستمرّ إلى المغرب من اليوم الثالث.
يجوز للمعتكف أن يشترط حين النيّة الرجوع عن اعتكافه، إذا عرض له عارضٌ، والخروج من المسجد حتّى في اليوم الثالث.
3. الصوم: لا يصحّ الاعتكاف دون صوم. ولكن لا يجب أن يكون الصوم لأجل الاعتكاف، بل يكفي صوم غير الاعتكاف أيضاً، سواءٌ أكان واجباً أم مستحبّاً، وسواءٌ أكان عن المعتكف نفسه أم نيابة عن غيره.
ولا يصحّ الاعتكاف ممّن لا يصحّ منه الصوم، كالمريض والمسافر. أمّا المسافر الذي يريد الاعتكاف، فيجوز له الاعتكاف إذا عزم على الإقامة عشرة أيّامٍ، أو نذر الصوم في السفر، وإلّا لم يصحّ صومه في السفر، ولا اعتكافه.
4. الحضور في مسجدٍ واحدٍ: إنّ الاعتكاف في أحد المساجد الأربعة أكثر فضيلة، وهي: المسجد الحرام، ومسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة، ولكن يجوز الاعتكاف في كلّ مسجدٍ جامعٍ(2). أمّا المساجد غير الجامعة التي تُقام فيها الجماعة، ولها إمامٌ عادلٌ، فيصحّ فيها الاعتكاف أيضاً بقصد رجاء المطلوبيّة.
5. أن لا يقلّ عن ثلاثة أيّامٍ متتاليةٍ: يجب في الاعتكاف أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّامٍ متتاليةٍ، ويجوز الرجوع عنه قبل نهاية اليوم الثاني.
نعم، إذا اعتكف يومين، وَجبَ الثالث. ولا إشكال في أن يزيد على الثلاثة أيّامٍ، يوماً واحداً أو ليلةً واحدةً، أو أكثر، فليس له حدٌّ معيّنٌ، ولكن بعد كلّ يومين يجب اعتكاف اليوم الثالث. وتحسب أيّام الاعتكاف الثلاثة من طلوع فجر اليوم الأوّل إلى المغرب من اليوم الثالث، فتدخل الليلتان الثانية والثالثة في الاعتكاف، ولا يجوز الخروج من المسجد خلالهما.
6. استدامة المكوث في المسجد: إذا خرج المعتكف من المسجد عمداً واختياراً (في غير موارد الضرورة) يبطل الاعتكاف، حتّى في صورة الجهل بالمسألة.
أمّا إذا خرج من المسجد ناسياً، أو مُضطرّاً، أو لأمرٍ ضروريٍّ عقلاً أو عرفاً أو شرعاً، سواءٌ أكان واجباً أم مستحبّاً، دنيويّاً أم أخرويّاً، لا يبطل اعتكافه.
وإذا اضطرّ إلى الخروج من المسجد لضرورةٍ، فيجب الاجتناب عن التأخير غير الضروريّ، من قبيل الجلوس أو الاستراحة تحت الظلّ ونحو ذلك، ويجب أن لا يبقى خارج المسجد أزيد من مقدار الضرورة.
وينبغي التنبّه إلى بطلان الاعتكاف في موارد الضرورة، إذا طال مكثه خارج المسجد بحيث زالت صورة الاعتكاف عنه.
7. أخذ الإذن للاعتكاف: للولد وللزوجة:
أ- إذا كان اعتكاف الولد موجباً لأذيّة والده أو والدته، فيجب أن يستأذن منهما، بل الأحوط استحباباً أن يستأذنهما حتّى لو لم يكن موجباً لأذيّتهما.
ب. إذا كان اعتكاف الزوجة منافياً لحقّ الزوج، فيجب على الأحوط وجوباً استئذانه.
•محرّمات الاعتكاف
يحرم على المعتكف خمسة أمورٌ: شمّ الطيب والرياحين للتلذّذ - الجماع، والأحوط وجوباً ترك مباشرة الزوجة ولو لمساً بشهوةٍ، فهو يبطل الاعتكاف أيضاً - الاستمناء على الأحوط وجوباً - البيع والشراء - المماراة والجدال في الأمور الدينيّة والدنيويّة، إلّا إذا كان لإظهار الحقّ وردّ الخصم عن الخطأ، فلا بأس به.
إذا اضطرّ المعتكف إلى الشراء أو البيع من أجل الأكل والشرب، ولم يتمكّن من توكيل آخرين بذلك، أو من تأمين حاجاته دون بيع وشراء، فلا يبطل اعتكافه.
ويجدر التنبّه إلى أنّ محرّمات الاعتكاف لا تختصّ بالنهار فحسب، بل ليلاً أيضاً.
•قضاء الاعتكاف
يجب قضاء الاعتكاف أو استئنافه، إذا لم يكن قد اشترط المُعتكف عند الشروع بالاعتكاف، الرجوع عنه إذا عرض له عارضٌ، كما تقدّم في شرط النيّة. فإذا بطل الاعتكاف، وجب القضاء في حالتين:
أ- إن كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه، وإن كان واجباً غير معيّن وجب استئنافه.
ب- إن كان مستحبّاً، وأبطله المعتكف بعد اليوم الثاني، وجب عليه قضاؤه، أمّا لو أبطله في اليومين الأوّل أو الثاني فلم يجب.
•كفارة بطلان الاعتكاف
كفّارة إبطال الاعتكاف ككفّارة الإفطار العمديّ في شهر رمضان، أي: عتق رقبةٍ، أو صيام شهرين متتابعين (مراعياً التتابع في واحدٍ وثلاثين يوماً)، أو إطعام ستّين مسكيناً (لكلّ مسكين ثلاثة أرباع الكيلوغرام من الطعام؛ كالطحين والخبز ونحوهما).
هي أحكام دقيقة، ينبغي لمن يريد الاعتكاف الاطّلاع عليها وفهمها حتّى يكون عمله صحيحاً.
تقبّل الله صيامكم وقيامكم.
1.الشيخ الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج 7، ص 559.
2.يُقصد من المسجد الجامع؛ أي المسجد الذي لم يُبنَ لقومٍ بأشخاصهم وأعيانهم، دون قومٍ آخرين، فيكون جامعاً للمسلمين.