مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قرآنيات: لطائف قرآنية


سكينة عبد اللّه


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿آلر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾، ( يوسف: 1-3).

* فائدة قرآنيّة: الهدف من بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (الجمعة: 2). تلخّص الآية الشريفة الهدف من بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، في ثلاثة أمور:

1- ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾: أصبح للناس سنّة حياة إلهيّة ثابتة، وهو مقدمة للهدفين الآخرين.

2- ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾: تهذيب النفس وتصفيتها من العيوب؛ لتصبح وعاءً صالحاً لاحتواء المعارف الإلهيّة.

3- ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾: بعد تجهيز النفس تصبح مؤهلةً لاستيعاب العلم المصاحب للحكمة، وهي إشارة إلى أنّ العلم المقصود ليس من قبيل المعلومات، بل هي معارف في طريق كمال الإنسان، والقرينة هي الحكمة.

ولذلك تشير الآية الكريمة إلى أنّ بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنّما جاءت لهداية الإنسان وكماله، وأنّ تربية النفس هي مقدمةٌ لحصول الإنسان على كمالات العلم والمعرفة.

* أساليب قرآنيّة (أسلوب الحكيم)
قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (البقرة: 189).

تبدأ الآية الكريمة بالجواب عن سؤال الناس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الاستهلال بالقمر والنجوم، فتجيب الآيات بإيجاز شديد أنّه يثبت المواقيت ومنها الحج، دون ذكر أي تفصيل آخر(1)، فيما تنعطف لتُعالج قضيةً أخرى تبدو منفصلةً عن السؤال، لكنّها في حقيقة الأمر متصلة، وهي في قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ﴾، حيث دأب أهل مكة أيّام الجاهليّة، إذا ما أحرموا للحجّ، أن يحدثوا شقوقاً في الجهة الخلفيّة لبيوتهم، فيدخلون ويخرجون عبرها؛ زعماً منهم أنّها من التقوى، فلا يستظلون تحت سقف، ويدخلون من الأبواب. فنزلت الآية الكريمة لردع هذه العادة الجاهليّة، وتوجيه المسلمين إلى وجه التقوى الحقيقيّ الذي يؤتى من أبواب البرّ في الإسلام، وهو اتّباع تعاليم الله تعالى بحسب كتابه وشريعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والكفّ عن عادة التسوّر على ظهر البيوت، وهي ليست إلّا خرافةً جاهليّة، ولا برّ فيها. وهذا لسان حال الآية الكريمة في ردع كلّ العادات الجاهليّة الواردة على البشريّة. ويظهر أسلوب الحكيم(2) في الاستفادة من سؤال عن الأهلة لعلاج قضية أعمق مما يرمي إليه السائلون، وفي المعالجة والردع والتوجيه الأبديّ مهما طال الأمد.

* آية وتفسير
قال تعالى: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ (الأنعام: 116).

أصل (الخَرَص) القول بالظنّ والتخمين من غير علم. وللفظة (الخرص) معنى أعمق وأدّق في القرآن الكريم. وبعد تتبّع اللفظ، يتّضح أنّ المراد مخالفة العلم، والقول بغير علم في خطر الكذب، ويسمّى الكذّاب خرّاصاً، ويمكن أن يكون تعبير (الذين يخرصون) في الآية كنايةً عن أتباع الضلال، الخائضون في أمور الغيب أو ما يرتبط به تخميناً وظنّاً، والمنكرون له دون بيّنة أو دليل معتبر، فيقعون في الجهل، فمؤدّى الخرص والتخمين والظنّ حتماً هو الضلالة(3).

وفي الآية دلالة محوريّة على الضلالة، وأنّ الركون العامّ إلى الظنّ والتخمين ما هو إلّا لأنّ الكثير من الناس يستريحون إلى عدم بذل جهد ما لتحصيل الحقّ واليقين؛ وبذلك لا تجوز طاعتهم فيما يدعون إليه ويأمرون به مقابل طريق الحقّ من الله؛ لأنّ الظنّ ليس ممّا يُكشف به الحقّ ولا يُطمئن إليه في أمر الربوبيّة والعبوديّة لملازمته الجهل بالواقع وعدم الاطمئنان إليه، ولا عبوديّة لله كما لا عمارة للأرض مع الجهل(4). وكما يُطمئن بالحقّ بعد بذل جهد ما؛ نجد بعض الناس على الأرض يستريحون إلى التخمين والظنّ، فينعقون مع كلّ ناعق، ويخوضون فيما لا يعلمون كونهم لا قدرة لهم على الوصول إلى واقع الأمور على سبيل الحقّ، إلّا ببذل جهد، وهذا ما لا يستسيغه الكثير من الناس على مستوى البشريّة.


(1) العلامة الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 2، ص 55.
(2) الشيخ معرفة، تلخيص التمهيد، ج 1، ص 430.
(3) العلامة الطباطبائي، مصدر سابق، ج 18، ص 367.
(4) المصدر نفسه، ج7، ص326.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع