السيّد الشهيد عبد الحسين دستغيب(رضوان الله عليه)
النفاق أكبر الذنوب القلبيّة، وأصعب الأمراض النفسيّة لأنّه يُسقط صاحبه كلّيّاً من عالم الإنسانيّة، ويضعه في عداد الشياطين، بل في أسوأ الدركات. وقد عيّن القرآن الكريم مكان المنافقين في قعر جهنّم وأسفل درك من النار.
* ما هو النفاق؟ وما هي أنواعه؟
النفاق يعني التلوّن، ومخالفة الظاهر للباطن، أي إنّ ظاهره الإيمان وباطنه الكفر، ظاهره حسن وباطنه قبيح، وهو على ثلاثة أقسام:
1. النفاق على الله في أصل الإيمان: أي أنّ المنافق لا يصدّق بالله والآخرة في قلبه، ولكنّه يُظهر نفسه بمظهر المؤمن في الظاهر وأمام المسلمين، حتّى يستفيد من أحكام الإسلام التي تعود عليه بالنفع كالطهارة، والزواج، والإرث، وغير ذلك. يقول تعالى في سورة البقرة حول هذا النوع: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ (البقرة: 8). وهذه أسوأ مراتب النفاق، وعذاب منافق من هذا النوع في الآخرة أشدّ من عذاب الكافر. وقد ذكر القرآن انحطاط المنافقين وشدّة عذابهم ولزوم اجتنابهم في موارد عدّة. وبمجرّد أن يظهر نفاق هذا النوع من المنافقين بواسطة أقوالهم وأفعالهم؛ كيزيد بن معاوية، فإنّ التبرّؤ منه ولعنه في حياته وبعد موته واجبٌ على كلّ مسلم. وحقّاً، إنّ ضرر هذا القسم من المنافقين على الإسلام أكثر من ضرر الكفّار.
2. النفاق على الله في لوازم الإيمان: أي أن يكون الشخص ذا إيمان ضعيف بالله ويوم الجزاء، ولكنّه لا يتحلّى بشيء من لوازم هذا الإيمان، أو أنّ فيه ضعفاً كبيراً في هذا المجال، ولكنّه يدّعي كذباً أنّه يمتلكها، مثلاً: كأن لا يكون في نفسه وقلبه أيّ خوف من القيامة والحساب وميزان الأعمال ونار جهنّم، إلّا أنّه يدّعي أنّه يخاف الله، وأنّه يخاف يوم القيامة وحسابها. ودليل كونه كاذباً هو عدم اجتنابه الذنوب، حيث إنّ من خاف طعاماً مسموماً، لا يمدّ يده إليه، وكذلك، من خاف العدل الإلهيّ والعقاب الإلهيّ، فمن المستحيل أن يمعن في المعاصي غير آبه بشيء.
ولكنّ الحقّ أن نقول إنّ أهل الإيمان يعلمون أنّ الله حاضر وناظر إليهم وهم خائفون من بطشه، ومشفقون من عدله، ولذا، فإنّهم لا يعصون عن تجبّر وإنكار للمجازاة الإلهيّة أبداً، بل إنّهم إذا أذنبوا فلغلبة النفس والشيطان وركونهم المفرط للحلم الإلهيّ، ودليل ذلك الندامة، وفيما بعد السعي لتحصيل التوبة والتعويض.
وباختصار، إنّ صدور الذنب ليس دليلاً على عدم الإيمان، بل إنّ عدم الندم هو دليل على عدم الإيمان. فقد روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: "من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن"(1). ومن موارد هذا النوع من النفاق:
أ- ادّعاء الرجاء بالله: من موارد النفاق على الله في لوازم الإيمان ادّعاء الرجاء بالله والقلب ضعيف الإيمان والأمل بالله، مثلاً أن يقول شخص: أنا مؤمّل بربّي، في حين أنّه يكذب ويتهرّب من بذل عمره وماله في سبيل الله، كأن يعدّ الإنفاق في سبيل الله ضرراً، ولا يؤمّل أن يعوّض الله عليه ذلك في الدنيا والآخرة. ولو أنّه كان من أهل الأمل بالله، لما تهرّب من بذل روحه في سبيل الله، ولكان اجتنب الاتّجار مع غيره ولو بدرهم لا قيمة له.
باختصار، كما أنّ دليل الخوف من الله اجتناب الذنوب والتوبة إليه تعالى، فإنّ علامة الأمل بالثواب الإلهيّ السعي في الطاعة، كما في الأعمال الدنيويّة، حيث يبذل الإنسان جهوداً لأنّ له أملاً مادّيّاً، وخاصّة عندما يكون له طمع باستحصال المال، فإنّه يرتكب في سبيل ذلك أعمالاً كثيرة.
ب. ادّعاء المقامات المعنويّة: من موارد النفاق أيضاً ادّعاء الإنسان مرتبة الزهد في الدنيا، والحال أنّ قلبه ليس خالياً من حبّ الدنيا، وأيضاً ادّعاء مقام التوكّل على الله والشكر والرضى بقضائه والتسليم له وحبّه سبحانه وتعالى، والحال أنّ اعتماده حقيقةً على الأسباب المادّيّة، وليس أبداً بصدد شكر نعم الله التي لا تُحصى. وعندما يتعرّض للهزّات ويواجه المصائب، فإنّه لا يكون راضياً بقضاء الله.
3. النفاق على الله في العبادة: النفاق على الله في أنواع العبادات، من الواجبات والمستحبّات البدنيّة والماليّة كالصلاة والصوم والزكاة والخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون بأن يؤدّي الشخص عبادة في حين أنّ تمام الداعي أو جزء الداعي والتحرّك في هذا العمل هو من أجل أن يُظهر نفسه للناس بمظهر المتديّن ليكسب بذلك جاهاً ومنزلة. وشخص من هذا النوع يسمّى يوم القيامة بأربعة أسماء: الغادر، والفاجر، والكافر، والخاسر. وطبقاً للآيات والأخبار، فإنّ عمله حرام وباطل، وهو في الآخرة معذّب إلّا أن يتوب ويتلافى ما مضى.
* المنافق يخادع نفسه
بناءً على هذا، فقد جُمع في المنافق، مضافاً إلى الكفر، الكذب والخداع والاحتيال والاستهزاء؛ إذ إنّه يكذب على الله ورسوله وأهل الإيمان ويخادعهم، ويسخر من الحقّ، ولكنّه في الحقيقة يكذب على نفسه ويخادعها، ويسخر منها.
(*) مقتبس من كتاب: القلب السليم، ج1، ص 84 - 90.
(1) الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 232.