نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مجتمع: يقولون ما لا يفعلون


تحقيق: نقاء شيت

"لا تحكم على الكتاب من عنوانه". مثلٌ نسمعه ونردّده كثيراً، وهو لا ينطبق فقط على شراء الكتب ومطالعتها، بل على كثيرٍ من المواقف التي تُواجهنا في حياتنا العادية.

يتناول هذا المقــال حالة من يظهَـــر بمظــهر يوحـــي بالثقــة والإيمان وهو لا يعمــل بمــا يوافقه. من هنا تخطر بالبال بعضُ الأسئلة عن طبيعة هذا التصرّف، وكيفيّة التعاطي معه، وهل يقبل ذاك الشخص الذي يُظهر عكس ما يضمره أن يتصرّف معه أحدٌ على هذا المنوال؟!

* ظاهر دينيّ بلا مضمون
يبدو الأمر واضحاً بين الشباب، فهم لا يثقون بأولئك الذين يُظهرون أنّهم ملتزمون بمبادئ وقيم، ولكنهم يتصرّفون بالعكس، بل يسعى الواعي من الشباب للابتعاد عنهم وعدم الاختلاط بهم، لأنّهم ينفرون من النموذج الذي يرونه في المجتمع، يتكلّم ولا يُطبّق.

تقول مريم (21 عاماً)، إنّها في بداية الأمر لم تكن تميل إلى الالتزام الدينيّ، بسبب بعض الأشخاص الذين قابلتهُم في قريتها. كانت ترى فيهم سابقاً كلّ معاني التقوى والورع، إلّا أنّها صُدمت بحقيقتهم. لكنّ ذلك لم ينفّرها من التديّن، فهي ملتزمة حالياً باللباس الشرعيّ وتؤدّي فرائضها على أكمل وجه، فقد تعرّفت إلى أصدقاء وصفتهم بالقول: "قرّبوني إلى الله وعرّفوني بأهل البيت عليهم السلام"، لكنّها لا تزال حذرة من إصدار الأحكام بحق الأشخاص والثقة بالجميع.

حسن (23 عاماً) يذكر أنه تربّى على تعاليم الدين الصحيحة، لكنّه لم يلحظ من صديقه الذي كان يلوم الآخرين على عدم الذهاب إلى المسجد يومياً، أيَّ تطبيق لتلك التعاليم، إضافةً إلى سوء خُلقه مع عائلته.

أمّا مشكلة عليّ (28 عاماً) فهي الأعسر، حيث تمكّن أحد المحتالين من خداعه، بسبب قَسَمِه المتكرّر بالله تعالى بأن يردّ له بضاعة تجاريّة، أخذها بالدَّين دون ضمانات جديّة.

* النفاق: مشكلة شرعيّة ونفسيّة
بدايةً، في الحديث عن الالتزام الظاهريّ غير المنعكس على الباطن؛ يعرّف الأستاذ الحوزويّ، الشيخ "محمد الحمود" هذه الحالة بـ"النفاق". فبرأي فضيلته إنّه ضربٌ من الكذب والخداع والمكر والغشّ والرياء، وفيه يُظهر المرء خلاف ما يُبطن؛ إذ الإيمان، كما ورد في الروايات، "تصديقٌ بالقلب، وإقرارٌ باللسان، وعملٌ بالأركان"(1).

بدوره، يفسّر استشاريّ الصحّة النفسيّة والمعالج بالدراما الأستاذ "عجرم عجرم" هذه الظاهرة في السلوك الدينيّ بقوله: "يبدأ الخلل بالظهور حين يجد الشخص المجتمع المحيط به يتمتّع بنوع معيّن من السلوكيات، فيعتبر أنّ عليه كفردٍ مواكبة تلك الحالات والتآلف معها، فيتّجه ليعكس هذه المظاهر على نفسه، لكنّه في الحقيقة لا يكون مقتنعاً بشكل كافٍ".

أمّا الشيخ "محمد الحمود" فيردّ أسباب وجود "النفاق" إلى محاولة بعض الناس تحسين صورهم الظاهرية؛ ظنّاً منهم أنّ الفضائل ترتبط بالمظهر الخارجيّ، ولا يدرون شيئاً عن أهمية التمسّك بالقيم الدينيّة والأخلاقيّة أو المعاملات، فيتردّد بعضهم –مثلاً- بكثرة إلى المساجد ويواظب على صلاة الجماعة أو على الصفّ الأول فيها بشكل مبالغ فيه، حيث يكون ظاهره مع الله وباطنه مع الدّنيا، لا بل حقيقة الأمر أنّ ظاهره وباطنه مع الدنيا.

* أسباب المشكلة
وبالحديث عن أسباب هذه الظاهرة، يُرجع الأستاذ عجرم أسبابها إلى:

1- الطفولة:
إنّ الطفولة هي مرحلة التلقين التي تهيّئ لبناء شخصيّة الإنسان في المجتمع، وتحتاج إلى غرس الصدق والنزاهة والصراحة مع النفس. ويضيف: "إنّ الدلال الزائد في التربية العصرية والحرية المفرطة المعطاة للطفل تزيدان من إهماله للقيم المتجسدة بالدين".

2- مظاهر المدرسة:
إنّ للمدرسة دوراً مهمّاً في التنشئة الدينية، لكن، وبحسب الأستاذ عجرم، مشكلة بعض المدارس الإسلامية، تتلخّص بالمعلّمات غير المحجبات اللواتي يَرتدين الحجاب داخل المدرسة فقط. وهنّ في نظر الطالب قدوةٌ، فيتحيّر الطالب بين معلّمة يعتبرها قدوة وبين ما تفعله، ويبدأ صراع الذات بإظهار شخصيتين مختلفتين للفرد نفسه.

3- الإعلام:
أمّا السبب الأبرز فقد يكون الإعلام وما يقدّمه من برامج ومسلسلاتٍ تعرض التفلّت الأخلاقيّ، ولا تراعي أيّاً من القيم الدينية، وتسير بالمشاهد في مسارٍ تجعله يبرّر للمذنب ذنبَه ويتعاطف معه، أو يدافع عنه. كلّ هذه الخطوات ستبني في نفس المشاهد شخصيةً مشابهةً لتلك التي يراها، ويتشرّب قيماً خاطئة تتبلور في ذهنه، على أنّها قمّة الصواب.

4- استغلال الدين لخداع الناس:
يرى سماحة الشيخ "محمد الحمود" أنّ كثيراً ممّن يستغلّون الدين ويتظاهرون به، يقومون بذلك لتحقيق مكاسبهم الرخيصة وأهدافهم غير المشروعة، ولخداع الناس.

5- ضَعفٌ في الإيمان واختلالٌ في المقوّمات العقيدية،
والقيم الأخلاقية الإسلامية، وهو أخطر الأسباب.

* الحلّ في مصارحة النفس
ما زلنا نحتاج إلى أن يكون التديّن النقي مظهراً واضحاً في المجتمع ليكون عنصراً في خلق بيئة مربّية. وهنا، نتحدّث عمّن يتساوى لديه الظاهر والباطن، فهو يعكس صراحةً في التصرّف وصدقاً في المعاملة. لذلك من الجيّد أن يتمتّع الفرد بالتوازن في تصرّفاته الظاهريّة مع ما يضمره باطنه، ما يعطي نوعاً من السلامة والأمانة للفرد نفسه.

يعتبر الشيخ الحمود أنّ المطلوب هو الموازنة في الشخصيّة، فكما ينبغي الاهتمام بالظاهر لا بدّ من الاهتمام بالباطن، فعن أمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً كميل بن زياد: "يا كميل، ليس الشأن أن تصلّي وتصوم وتتصدّق، الشأن أن تكون الصلاة فُعلت بقلبٍ نقيّ، وعملٍ عند الله مرضيّ، وخشوعٍ سويّ"(2)، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي، ولكنّ الإيمان ما خلص في القلوب وصدّقته الأعمال"(3).

فيما يؤكّد الأستاذ "عجرم" أنّ على الأهل تربية أولادهم على المعايير الدينيّة الصحيحة الثابتة وغرس الصدق والنزاهة فيهم. فالمجتمع لم يتغيّر، بل نحن من نسعى لتغييره عبر معاييرنا الخاصة. في الماضي، كانت المرأة تتحدّى كلّ الصعوبات لارتداء الحجاب، والمحافظة عليه، والشاب الفتيّ لا يبالي بشيء مقابل الذهاب للصلاة في المسجد. كانت للدين أهميةٌ كبيرةٌ تظهر في التمسّك به. أمّا الآن قد تجد من يصلّي الظهر في المساجد بشكلٍ يوميٍّ فقط ليظهر ذلك للمجتمع، ولكن عندما يأتي الأمر لصلاة الصبح، يعجز عن رفع اللحاف عنه.

ويضيف الأستاذ عجرم: "يجب، على سبيل الوقاية، إخضاع ما يتلقّاه الطفل من الوسائل الإعلاميّة المختلفة للرقابة. كما يجب إعادة العمل بسياسة الدروس في المساجد ومواظبة جيل الشباب عليها، لتوسيع معارفهم الدينيّة، كما يمكن شراء كتب فقهية ليقرأها الأولاد، تشرح لهم معايير الدين الصحيح وتعاليمه ليتبعوه جيداً، بعيداً عمّا يظهره لهم المجتمع من مظاهر وسلوكيّات قد لا تمّت في بعض الأحيان إلى الدّين بصلة".

* العلاج العمليّ
يختم فضيلة الشيخ "الحمود" بتقديم نصيحةٍ تتلخّص في المبادرة إلى علاج النفس، كما قال الإمام الخمينيّ قدس سره في كتابه (الأربعون حديثًا): "يتحقّق العلاج العمليّ بأن يراقب [المرء] حركاته وسكناته بكلّ دقّةٍ لفترة من الوقت، ويعمد إلى العمل بما يخالف رغبات النفس وتمنّياتها، ويجاهد في جعل أعماله وأقواله في الظاهر والباطن واحدةً، فيبتعد عن التظاهر والتدليس في حياته العملية... فإذا ثابر على ذلك بعض الوقت، كان له أن يرجو لنفسه الصفاء والانعتاق من النفاق وحالة ذي الوجهين".

لكن في النهاية يجب لفت النظر إلى أنّ هذه الأحكام لا تنطبق على المجتمع ككلّ، فهناك الكثير من الأشخاص الصادقين الذين تنعكس مظاهر الالتزام على محياهم، وبالتالي مهما صادفنا نماذج سيّئة في المجتمع، يجب أن يبقى حسن الظنّ هو الأساس في تعاملنا مع الناس وعدم إصدار الأحكام المسبقة على الفرد قبل اختباره ومعرفة حقيقة تصرّفاته.


(1) الأمالي، الطوسي، ص284.
(2) بحار الأنوار، المجلسي، ج74، ص273.
(3) (م.ن)، ج66، ص72.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع