تحقيق: نانسي عمر
"منذ صغري وأنا أشعر بصداع في رأسي، خاصّة أثناء الدوام المدرسيّ. وكنت إذا تأخّرت عن موعد نومي أو فطوري، أشعر فوراً بنوبة الصداع المؤلمة تلك، ولا أرتاح حتّى أدخل إلى غرفة هادئة. لكن ما زاد من قلقي، هو أنّني بعد مدّة من الزمن، بدأت بتناول أحد الأدوية، فتزايدت قوّة النوبات، وأصبح الألم لا يفارقني. وعندما راجعت الطبيب وأجريت الفحوصات اللازمة، تبيّن أنّني أعاني من الصداع النصفيّ".
هي معاناة أصبحت اعتياديّة عند معظم الذين يعانون من الصداع النصفيّ أو ما يُعرف بالشقيقة أو الـ"migraine" في اللغة الأجنبيّة. فما هو هذا المرض؟ وكيف يتمّ تشخيصه؟ وما هي درجة خطورته؟ وما هي طرق الوقاية منه وعلاجه؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيبنا عنها الدكتور علي المقداد، المتخصّص في طبّ الأعصاب.
* ما هي الشقيقة؟
يعرّف الدكتور علي المقداد مرض الشقيقة بأنّه الصداع الشريانيّ الذي يصيب الرأس، وتحدث نوباته عندما يتقلّص الشريان أو يمتدّ، فيشعر المريض بنبض في الرأس يشبه نبض القلب ولكنّه مصحوب بألم شديد وعوارض مختلفة. وغالباً ما ينحصر هذا الصداع في جهةٍ واحدة من الرأس (اليمنى أو اليسرى)، ولهذا يُعرف بالصداع النصفيّ. وهو مرض وراثيّ غير معدٍ، وشائع جدّاً بين الناس، وليس ضمن قائمة الأمراض الخطيرة، شرط أن يلتزم المريض بتعليمات الطبيب.
* كيف يتمّ تشخيص المرض؟
يذكر الدكتور المقداد خطوات عدّة ينبغي اتّباعها في طريق تشخيص المرض، وهي كالآتي:
1. البحث في تاريخ الأمراض الوراثيّة في عائلة المريض، لأنّ الشقيقة مرض وراثيّ.
2. إطلاع الطبيب على كلّ العوارض كي يتسنّى له التشخيص بشكلٍ دقيق.
3. إجراء بعض الفحوصات والتحاليل المخبريّة، والاستعانة بصورة مغناطيسيّة للرأس في حال الضرورة للتأكّد من حمل المرض أو عدمه.
4. في حال تأكيد الإصابة بالشقيقة، يجب أن يتّبع المريض تعليمات الطبيب بدقّة.
* أنواع الشقيقة
لهذا المرض أنواع عدّة، منها:
1. الشقيقة غير المصحوبة بالأورا: صداع لا تصاحبه عوارض قويّة، ولا تسبقه عوارض تنذر بقرب بدء النوبة.
2. الشقيقة المصحوبة بالأورا: النوع الثاني هو المصحوب بعوارض واضطرابات عصبيّة تسمّى الأورا، وهي بمثابة إنذار يسبق حدوث النوبة، حيث يشعر المريض بوميض في وجهه وغشاوة في عينيه قبل بدء نوبة الصداع، وقد يترافق ذلك مع الغثيان والدوَار وفقدان القدرة على التركيز والقراءة. وهو النوع الأكثر شيوعاً.
3. الشقيقة العنقوديّة: صداع يصيب المريض بشكلٍ موسميّ في فترة محدّدة من السنة وينتهي فجأة، ليعود ويصيبه في الفترة نفسها أو الموسم نفسه من العام الذي يليه.
4. الشقيقة العينيّة أو الشبكيّة: صداع يصيب منطقة العين ألم شديد أكثر من بقيّة أعضاء الرأس، وكذلك يحصل ضغط فيها أو في قعرها.
5. الشقيقة المشابهة لأعراض السكتة الدماغيّة: وهو الصداع الناتج عن إصابة الشريان القاعديّ للدماغ المعروف بـ (Basilar artery).
* مدّة المرض والفئات المستهدفة
ولكن هل تستمرّ الشقيقة طوال الحياة؟ وهل تصيب فئات عمريّة محدّدة؟
يجيب الدكتور المقداد أنّ الشقيقة مرض لا ينتهي، بل تنقص عوارضه مع تقدّم العمر. وقد يصاب به الأطفال منذ عمر الخمس سنوات، ويستمرّ عند النساء حتّى عامهنّ الـ 45 تقريباً، وعند الرجال أكثر من ذلك، مشيراً إلى أنّ الدراسات تؤكّد أنّ إصابة النساء أكثر من الرجال بهذا المرض.
* محفّزات النوبة
ثمّة محفّزات متنوّعة، تختلف من شخص إلى آخر، وهي:
1. التعب والإرهاق والسهر.
2. التعرّض للبرد الشديد أو أشعّة الشمس القويّة.
3. آلام أعضاء الوجه (آلام الأسنان مثلاً).
4. التوتّر الشديد وضغوطات الحياة المرهقة.
5. الدورة الشهريّة عند النساء.
6. عدم الانتظام في مواعيد النوم والطعام.
7. تناول بعض أنواع الطعام كالشوكولا والبيض والجبنة وعصير الليمون، خصوصاً على معدة فارغة.
8. تناول بعض أنواع الأدوية، ومنها أدوية منع الحمل بالنسبة إلى النساء.
* كيف نقلل من آلام الصداع؟
بعد أن يشعر المريض بعوارض الأورا، تبدأ نوبة الصداع، التي تسبّب ألماً شديداً في الرأس، فتجعله في حالة انزعاج من كلّ صوت أو ضوء قريب منه. ففي هذه الحالة، من الافضل أن:
1. يلجأ إلى غرفة هادئة تخلو من أيّ صوت.
2. يطفئ الأضواء.
3. يأخذ المسكّنات المطلوبة.
4. يحاول النوم.
5. يقلل من الأعمال المرهقة.
6. يلتزم بتناول الأدوية الموصوفة من قِبل الطبيب، والتي قد تطول لسنوات، تفادياً لحصول الكثير من المضاعفات.
* العلاج الوقائي
يؤكّد د. المقداد ضرورة أن يراقب المريض الأمور والتصرّفات التي تسبق حصول النوبة، حتّى يتمكّن من تحديد الحوافز التي تؤدّي إلى حصولها. والأهمّ، بحسب الدكتور، أنّ على المريض الالتزام بالحمية الوقائيّة التي تقلل من إصابته بنوبات الصداع، والتي تتضمّن:
1. المحافظة على النظام اليوميّ للاستيقاظ والنوم، إضافةً إلى النوم بانتظام لساعات معتدلة.
2. تنظيم مواعيد تناول الطعام.
3. تناول المنبّهات (قهوة- شاي) باعتدال دون إفراط، فالإفراط فيها يؤدّي إلى نوبة صداع.
4. تجنّب تناول المأكولات والمشروبات المحفّزة للنوبة.
5. تجنّب التعرّض للتوتّر والإرهاق والضغط الحياتيّ، وأخذ قسط كافٍ من الراحة، واللجوء إلى جلسات استرخاء أو الخلوة.
6. عدم التعرّض للحرارة العالية أو للبرودة القارسة.
7. ممارسة الرياضة بانتظام.
كانت إطلالة سريعة على هذا المرض الشائع ومسبّباته وطرق الوقاية منه، علّها تحمل بعض الإفادة إلى كلّ من يعاني من هذا المرض المؤرق.