مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام الخامنئي: السيّدة فاطمة القدوة المشرقة(*)

 


هي الزهراء عليها السلام، بنت الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، الفتاة التي كان يقبّل والدها صلى الله عليه وآله وسلم يدها ويقف لقدومها. والتي كان يتّخذ من بيتها محطة له لوداعها عند كلّ سفر، ومقصداً أول عند رجوعه؛ ليلقي عليها تحيّة السلام. 

•نسلٌ مبارك
من ناحيةٍ، هي سيّدة معصومة. وإنّ رتبة العصمة رتبة عجيبة؛ إنّها منزلة استثنائيّة. ومن ناحيةٍ ثانية، هي كفؤ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ذلك الرجل العظيم، الذي لم ترَ عيون العالم شبيهاً له بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ومن ناحيةٍ أخرى، هي أمّ لأربع شموس ساطعة، اثنان منهم من الأئمّة المعصومين عليهم السلام. وهي أيضاً، رأسُ السلسلة للنسل المبارك للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والذي بعد 1400 عام، يفتخر به ملايين البشر حول العالم اليوم، بفضل الله. 

•سيرتها عليها السلام متطابقة مع رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

تنطبق سيرة هذه العظيمة مع سيرة الرسالة تماماً؛ أي أنّ هذه العظيمة أشرقت بعد بعثة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في وقت قصير، وغرُبت بعد وقت قصير من وفاة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. في طفولتها، تشعر بمحنة شِعب أبي طالب عليه السلام وتدركها، فتدخل وسط ميدان الحياة الصعب، [بعد أن] تفقد والدتها، وهو أمر صعب للغاية على فتاة في هذا العمر، لكنّها تقوم بعمل رائع إلى جانب تحمّل هذه الصعوبة؛ وهو المواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بعدما فقد خديجة عليها السلام وأبا طالب عليه السلام. استمرّت هذه المواساة له بالطريقة نفسها حتّى زمان المدينة المنورة، وكذلك في أُحُد، والخندق، وأماكن أخرى كثيرة، حتى قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينذاك: "فاطمة أمّ أبيها"(1)؛ لقد قامت مكان الأمّ له صلى الله عليه وآله وسلم. ثمّ ظهرت مساندتها ومواساتها في قضيّة الهجرة، والامتحانات الفريدة من نوعها في زمن المدينة المنوّرة. كذلك ساندت زوجها عليّاً بن أبي طالب عليه السلام ؛ إذ كان لها قدمٌ في البيت بصفتها زوجة وأمّاً ومربيّة، وقدمٌ أخرى في ميدان الجهاد؛ أي في تحمّل هذه الصعوبات مع زوجها بالصبر والجلد والمواساة، ثمّ تحفل مسيرة حياتها أيضاً بتربية هؤلاء الأطفال الأربعة الرائعين، ثمّ تقديم أوّل قربان بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، محسناً عليه السلام، وأخيراً، استشهادها صابرةً ممتحنةً بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ببضعة أشهر.

•الهويّة الحقيقيّة للمرأة
لقد كانت تلك السيّدة عليها السلام تجسيداً لأسمى المفاهيم الإنسانيّة والإسلاميّة حول المرأة، والتي يجب الالتفات إليها. فالزهراء عليها السلام تجسّد في قضايا، مثل الأمومة والزواج والتدبير المنزليّ وتربية الأبناء، القدوة للنساء والمثل الأعلى لهنّ. فقد أثبتت عليها السلام أنّها حالة فريدة ويُثنى عليها جدّاً، في مجال تربية الأبناء، والتعاون مع الزوج، ثمّ في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد؛ أي الحضور العاصف والعجيب بتلك الخطب العجيبة، في ذلك الميدان العجيب، الذي كان سيحدّد مصير أمّة الإسلام. وكذلك في الأمور المشتركة بين الرجل والمرأة، مثل عبادة الله، والتي هي واجبات عظيمة، وثمّة شواهد كثيرة حول ذلك، نذكر منها:

1. يقول الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إنّ أمّه عليها السلام كانت تقضي ليلة الجمعة في العبادة حتّى الصباح، وكلّما سمع صوتها، كانت تدعو للآخرين. حتى قال لها يوماً: "يا أمّاه! لم لا (تدعين) لنفسك كما (تدعين) لغيرك؟! فقالت عليها السلام: يا بُنيّ، الجار ثمّ الدار"(2)؛ فهذا درس لنا. كذلك [قوله تعالى]: ﴿إِنَمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ (الإنسان: 9)، هو درسٌ للأمّة الإسلاميّة وللمجتمع الإسلاميّ، وفيه أنّه ينبغي أن يُؤدّى العمل بإخلاص.

2. يقول الحسن البصريّ، وهو واحد من الزهّاد الثمانية، ولكن لم يكن من موالي أهل البيت عليهم السلام، "ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة؛ كانت تقوم حتّى تتورّم قدماها"(3). إنّ هذا التعبير، "ما كان أعبد من فاطمة"، لا يعني أنّه ليس ثمّة شبيهاً بها، أو من هم في مقدار عبادتها. لا! هذا يعني، في اللغة العربيّة، أنّه لا يوجد أحد في الأمّة مثلها في العبادة! هذا ما يقوله البصريّ، الذي لم يُدرك عهد فاطمة الزّهراء عليها السلام! وعندما يقول ذلك بحسمٍ، فهذا يدلّ على أنّه أمرٌ من المسلّمات والمتواترات الموجودة في ذلك الحين. 

استطاعت السيّدة فاطمة الزّهراء عليها السلام أن تجمع بين كلّ تلك المهام، وأثبتت أنّ المرأة يمكن أن تصل إلى أعلى درجات العصمة، وهذه كلّها من خصوصيّات هذه المرأة العظيمة.


(*) من كلمة لسماحته دام ظله، بتاريخ: 2021/02/03م.
1.الريشهري، موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ج 1، ص 100.
2.الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 7، ص 113.
3.العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 43، ص 84.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع