الشيخ علي إبراهيم الهادي(*)
غسلَ النورُ للأنام دجاها يوم نجل الهادي أنار فناها
كبّر المسجد العتيق وطوبى فرحاً بالذي أقام لواها
لا تلمني بفرحتي لإمامٍ والدٌ للذي يقيم عُلاها
في أجواء الولادة الميمونة للإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، نضع بين أيدي القرّاء الأعزّاء نبذةً عن سيرته المباركة وعرضاً لأهم مراحل حياته الشريفة، منذ الولادة حتّى الشهادة.
* نسبه الشريف
هو الإمام الحسن بن الإمام عليّ بن الإمام محمّد بن الإمام عليّ بن الإمام موسى بن الإمام جعفر بن الإمام محمّد بن الإمام عليّ بن الإمام الحسين بن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.
وأمّه أمّ ولد يُقال لها: حديث(1)، أو سليل، وذكر سبط ابن الجوزيّ: أنّ اسمها سوسن(2). وكانت من العارفات الصالحات، وكفى في فضلها أنّها كانت مفزع الشيعة بعد وفاة أبي محمّد في تلك الظروف الحرجة(3)، وكان له من الإخوة الحسين، ومحمّداً، وجعفراً، وأخته عائشة(4).
وقد اختلف العلماء في سنة ولادته عليه السلام، فمنهم من قال إنّ ولادته كانت سنة (230هـ)(5)، وقيل سنة (231 هـ)(6)، وقيل أيضاً إنّه ولد في سنة (232هـ) في شهر ربيع الآخر، مع عدم تحديد اليوم(7)، ومصادر أخرى ذكرت في سنة (232هـ) من دون تحديد الشهر(8)، أو سنة (233هـ)(9).
وروي أنّ ولادته كانت في شهر ربيع الآخر، وقيل في السادس من ربيع الأوّل، أو السادس أو الثامن(10) أو العاشر من ربيع الآخر(11)، وكانت ولادته في سامرّاء في مكان الإقامة الجبريّة لأبيه الإمام الهادي عليه السلام.
أمّا هذا الاختلاف فليس غريباً، فربّما يُعزى إلى إجراءات كان الإمام الهادي عليه السلام يقوم بها من أجل المحافظة على حياة الإمام العسكريّ عليه السلام(12).
وكانت مدّة إمامته ستّة أعوام تقريباً؛ فقد استشهد والده الإمام الهادي عليه السلام وكان عمره 22 سنة تقريباً، وعاش 28 سنة(13).
* ألقابه وكناه
لُقّب الإمام العسكريّ عليه السلام بألقاب عدّة، وهي: الناصح، والمفتاح، والنقيّ، والمرتضى، والمتوكّل، وكان يخفي ذلك ويأمر أصحابه أن يُعرضوا عنه؛ لأنّ لقب الخليفة آنذاك كان النقيّ والزكيّ(14).
ومن أشهر ألقابه عليه السلام "العسكريّ"، وقد لُقّب به؛ لإقامته في سامرّاء مجبراً في حيّ يسمّى بـ"العسكر" بناءً على أوامر الخليفة العباسيّ(15)، وكان انتقال الإمام عليه السلام إليها مع أبيه الإمام الهادي عليه السلام بأمرٍ من المتوكّل العباسيّ(16).
* نشأته المباركة
نشأ الإمام العسكريّ عليه السلام في دار أبيه الإمام الهادي عليه السلام، دار النبوّة والإمامة، في بيت أذن الله أن يُرفع ويذكر فيه اسمه، وقد تربّى على يدي والده عليه السلام، وأخذ من معين علمه، وسموّ أخلاقه، وفضله، وسعة صدره، وتحمّله الأذى من قبل الحكّام العباسيّين، الذين عاصر عليه السلام ثلاثة منهم، وقد كان كلّ منهم أشدّ ظلماً، وبطشاً، وفتكاً بالإمام عليه السلام من الآخر، وهم: المعتزّ بالله (252هـ-255هـ)، والمهتدي بالله (255هـ-256هـ)، والمعتمد بالله (256هـ-279هـ).
ففي زمن المعتزّ، سيطر الأتراك على مقاليد الحكم في الخلافة العباسيّة، وأصبح الخليفة تحت إمرتهم. وبسبب كثرة الاختلافات بين الأتراك والمعتزّ، قاموا بإخراجه من القصر جرّاً برجله، وضربوه حتّى قُتل، وقد قام المعتزّ باعتقال الإمام عليه السلام وسجنه(17)، حتّى أنّه أمر سعيداً الحاجب بحمل الإمام عليه السلام إلى الكوفة، وأن يقتله في الطريق، إلّا أنّ مقتل المعتزّ على يد حاشيته خلّص الإمام عليه السلام(18) من القتل.
ثمّ تولّى المهتدي الخلافة، ولم يختلف حاله عن أخيه في عدم قدرته على السيطرة على الحكم، وإدارة شؤون البلاد الإسلاميّة بسبب سيطرة الأتراك ونفوذهم القويّ في أجهزة الحكم. وقد حاول المهتدي إحداث بعض الإصلاحات في أجهزة الحكم، ورغم ذلك كلّه، أدرك أنّ شخصيّة الإمام العسكريّ عليه السلام كانت تشكّل خطراً على حكمه، فبادر إلى اعتقاله عليه السلام وسجنه، وكان ينوي قتله عليه السلام، وقد بقي الإمام معتقلاً في سامرّاء حتّى قُتل المهتدي(19).
وبعد تولّي المعتمد الحكم، الذي كان معروفاً بفساده وانحرافه الأخلاقيّ، مولعاً باللهو والخلاعة والمجون(20)، لاحظ ازدياد شعبيّة الإمام عليه السلام ومحبوبيّته ومكانته في قلوب المسلمين، فلم يبادر إلى اعتقاله وسجنه، بل عمد إلى اغتياله بالسمّ(21). وممّا يؤكّد استشهاده على أيدي العباسيّين، هي المحاولات التي قام بها المعتمد لإظهار أنّ موت الإمام عليه السلام حصل بشكلٍ طبيعيّ(22).
* تهيئة الشيعة لغيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
عمل الإمام العسكريّ عليه السلام على إعداد الشيعة وتهيئتهم لغيبة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عبر خطوات عدّة، وهي:
-الأولى: النصّ والتبشير بولادة الإمام المهديّ عليه السلام.
- الثانية: الإشهاد على الولادة.
-الثالثة: الإخبار بالولادة ومداولة الخبر بين الشيعة بشكلٍ خاصّ من دون رؤية الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
-الرابعة: الإشهاد الخاصّ والعام بعد الولادة، ورؤية شخص المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
-الخامسة: التمهيد لرؤية الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف خلال خمس سنوات من قِبل بعض خواصّ الشيعة، والارتباط به عن كثب، وتكليفه بمسؤوليّة الإجابة عن أسئلة شيعته المختلفة. وهذا خير دليل على إمامته، وأنّه حجّة الله الموعود والمنتظر.
-السادسة: التخطيط للارتباط بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بواسطة وكلاء الإمام العسكريّ عليه السلام، الذين أصبحوا فيما بعد وكلاء للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف باعتماد الأسلوب نفسه الذي كان معلوماً لدى الشيعة، والذي كانوا قد اعتادوا عليه في حياة الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام.
-السابعة: البيانات والأحاديث التي أفصحت للشيعة عمّا سيجري لهم ولإمامهم الغائب في المستقبل، وما ينبغي لهم أن يقوموا به(23).
* انتقاله عليه السلام إلى جنان الخلد
قبض عليه السلام يوم الجمعة لثمان ليالٍ خلون من شهر ربيع الأوّل سنة 260هـ، وله يومئذ ثمان وعشرون سنة، ودُفن في داره بسرّ من رأى في البيت الذي دُفن فيه أبوه عليه السلام(24)، وقيل إنّ شهادته كانت في اليوم الأوّل من شهر ربيع الأوَّل(25)، ولعلّه في هذا اليوم كان قد بدأ مرضه عليه السلام(26). "ولمّا رُفع خبر شهادته، ارتجّت سرّ من رأى، وقامت ضجّة واحدة: "مات ابن الرضا"، وعُطّلت الأسواق، وغُلقت أبواب الدكاكين، وركب بنو هاشم والكتّاب والقوّاد والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى أن حضروا إلى جنازته، فكانت سرّ من رأى في ذلك (شبيهةً) بالقيامة"(27).
(*) أستاذ في الحوزة العلميّة.
(1) الشيخ المفيد، الإرشاد، ج 1، ص 313.
(2) ابن الجوزي، تذكرة الخواصّ، ص 324.
(3) الشيخ القمّيّ، الأنوار البهيّة، ص 151.
(4) الشيخ المفيد، مصدر سابق، ج 2، ص 312.
(5) أبو الفرج الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ج 7، ص 126.
(6) الشيخ الإربلي، كشف الغمّة، ج 3، ص 192.
(7) الشيخ المفيد، مصدر سابق، ج 2، ص 313.
(8) النيسابوري، روضة الواعظين، ص 251.
(9) الطبري، دلائل الإمامة، ص 223.
(10) النيسابوري، مصدر سابق، ص 251.
(11) الشيخ الطوسي، مصباح المتهجّد، ص 792.
(12) السيّد منذر الحكيم، أعلام الهداية -الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، ج 13، ص 30.
(13) الشيخ المفيد، مصدر سابق، ج 2، ص 336.
(14) الشيخ الإربلي، مصدر سابق، ج 3، ص 166.
(15) الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج 1، ص 503.
(16) الشيخ المفيد، مصدر سابق، ج 2، ص 311.
(17) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 50، ص 311.
(18) المصدر نفسه، ج 50، ص 313.
(19) المصدر نفسه، ج 50، ص 313.
(20) السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص 363.
(21) العلّامة المجلسيّ، مصدر سابق، ج 50، ص 114.
(22) المالكي، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، ج 2، ص 1088.
(23) راجع: السيد منذر الحكيم، مصدر سابق، ج 13، ص 132.
(24) الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج 1، ص 503.
(25) الشيخ الطوسي، مصدر سابق، ص 791.
(26) الشيخ الطبرسيّ، إعلام الورى بأعلام الهدى، ج 2، ص 151.
(27) المالكي، مصدر سابق، ج 2، ص 1088.