نسرين إدريس قازان
اسم الأمّ: آمال أبو طعام.
محلّ الولادة وتاريخها: جويّا- 20/4/1988م.
الوضع الاجتماعيّ: عازب.
مكان الاستشهاد وتاريخه: زيتا – 16/2/2013م.
أشياءُ كثيرة تكشّفت بعد رحيله، زادت أهله ثقةً أنّه كان صاحب مشروع واضح. ولم يكن ذلك الصمت الذي اشتهر به، والكتمان الذي وضعه أساساً في حياته، إلّا شرنقة إخلاص حاكها حول روحه التي أحبّت التحليق في فضاء العشق قرب النور الأعظم.
* الابن المسؤول
"حيدر"، وهو الابن البكر لوالديه، حمل منذ طفولته همّ رعاية الآخرين، ونصّب نفسه مسؤولاً عنهم. ولأنّه كان جديراً بالثقة، كان والداه دوماً يتركان إخوته الصغار الثلاثة معه؛ لتعامله المسؤول معهم، وخوفه الدائم عليهم. فمثلاً: في أحد الأيّام، لمّا عادا من زيارة اجتماعيّة، لاحظت أمّه اختفاء علب الكبريت من المطبخ، فأخبرها أنّه خبّأها خوفاً من أن يمسّها أخوه الصغير.
هذا الحسّ بالمسؤوليّة، مع الحنان الفائض، كبرا معه، فطعّمهما بالوعي؛ إذ إنّ حيدر، لم يكن شخصاً يسلكُ طريقاً في الحياة دون التفكّر في معانيه، ولم يخطُ خطوة إلّا وكان مدركاً لمرادها، وهذا ما خفّف عن والديه الكثير من أعباء التربية، فهو أدرك باكراً مسؤوليّته تُجاه إخوته، فواكبهم وأرشدهم دينيّاً وثقافيّاً وأخلاقيّاً، كما عمل على تدريسهم ومتابعتهم للنجاح في المدرسة.
* مجدّ ومجتهد
لم تحل الظروف الماديّة الصعبة بينه وبين طموحه، بل على العكس، فقد استغلّ الفقر لنحت شخصيّته؛ فهذا الفتى الذي تربّى في حيّ السلّم، والتحق بمدرسة خاصّة، لم يتبدّل إصراره على تحصيل علامات عالية. وقد تميّز بذكائه في المواد العلميّة، وقدرته على الحفظ السريع، مضافاً إلى جدّيّته في كلّ سنة دراسيّة، حتّى التحق بمعهد فنيّ لدراسة المحاسبة والمعلوماتيّة، فنجح بجدارة، وكان من بين الأوائل في محافظة جبل لبنان، ثمّ خطّط لاستكمال مرحلة الـ LT في السنة ذاتها التي استشهد فيها، ولأجل ذلك بدأ العمل في فترة الصيف بغية ادّخار المال وتأمين القسط الدراسيّ المطلوب، ولتخفيف الأعباء الماليّة عن والده.
وكان حيدر قد بدأ العمل مع والده وهو في التاسعة من عمره، ثمّ عمل في مجال الألمينيوم، وبعدها في تركيب البرادي، ولم يرَ يوماً أنّ العطلة للراحة، فهي بالنسبة إليه فرصة للجدّ والعمل.
* المقاومة.. الحلم
التحق، وهو في سنّ الثالثة عشر، بأولى دوراته العسكريّة، حيث شجّعه والده على ذلك، وواكبه، فكان بين المتدرّبين فتىً صلباً شجاعاً، استطاع رغم صغر سنّه إصابة الأهداف بدقّة، ما عزّز ثقته بنفسه. وبعد أن أنهى الدورات الثقافيّة وترفّع إلى التعبئة العامّة، بدا التغيّر واضحاً في فهمه للأمور وتحليله وقراءته لها؛ فقد كان يغذّي معلوماته بشكلٍ مستمرّ، ويرفع مستوى ثقافته. حتى ظهرت عليه علامات الوعي والإدراك وأصبح أكثر معرفة بحقيقة المقاومة، التي أصبحت بالنسبة إليه ذات قيمة كبرى، وقد ترجم ذلك بفكره وسلوكه من خلال التحاقه بالدورات العسكريّة.
* عمل وتطوير مستمرَّين
سار حيدر في حياته وفق قاعدة الحديث القائل: "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً"؛ فكان يدرس بجدّ ويلتحق بالدورات التأهيليّة الخاصّة باختصاص المحاسبة، ويسعى إلى تأمين وظيفة. وكان في الوقت نفسه يعيش حياةً طيّبة ومرحة مع أهله وأقاربه، ويخرج مع أصدقائه في نزهات، ويهتمّ بأمور الجميع، ويصل رحمه. ومع كلّ اهتماماته ونشاطاته، كان حريصاً على الالتحاق بالدورات العسكريّة في فترات العطلة.
* كتمان وحرص
لم يستطع أحد أن يعرف أيّ تفصيل عن عمله الجهاديّ؛ فقد عمل جاهداً على أن يكون عمله مكلّلاً بالإخلاص والكتمان. ففي إحدى المرّات، التحق أخوه الصغير بدورة لمدة خمسة أيّام، فشعرت والدته بالقلق إزاء ذلك، ومع علم الشهيد بتأثر والدته لغياب أخيه، إلا أنّه لم يفصح لها أنّه يراه، وأنّه مدرّب في تلك الدورة.
* مدرّس ناجح
مدرّبٌ عسكريّ، وأستاذٌ في المعهد، هذا ما عرفه عنه أهله بعد استشهاده؛ إذ كان قد بدأ بتعليم رفاقه، الذين يحتاجون إلى دعم دراسيّ، لتجاوز الامتحانات الرسميّة في المعهد، وذلك بطلبٍ من أفراد الإدارة. فهو إلى جانب اجتهاده، امتلك أسلوباً تعليميّاً تميّز بالسلاسة والمرونة في إيصال المعلومة وترسيخها في ذهن الطالب. لقد كانت نباهته وسرعة بديهته دافعاً لاجتياز سنوات في بناء شخصيّته.
* تميّز دائم
وإذا كان الجميع يغبطُ والديه عليه، كان هو بدوره يحفظ جميلهما، ولا يعصي لهما أمراً، بل كان مطيعاً إلى حدّ لا يتصوّره أحد. وكان من عادته في ما يخصّ علاقته بالآخرين، أنّه إذا خاض نقاشاً محتدماً مع أحدهم، ينسحب مباشرةً لمدّة معيّنة، حتّى يمنح نفسه ويمنح الآخر فرصةً للتروّي والهدوء، منعاً لوقوع نزاع ما بينهما.
في الشهر الأخير له قبل شهادته، تغيّر حيدر بشكلٍ لافت؛ إذ ازداد هدوؤه هدوءاً، وأصبح معظم الوقت صامتاً شارد الذهن. ولم يدرك أحد سرّ هذا التغيير إلّا حينما زفّه رفاقه شهيداً، وقالوا لذويه: "لقد كان حيدر شهيداً قبل أن يستشهد"؛ فما رأوه منه في الجبهة كان لافتاً جدّاً.
* المهمّة الأولى والأخيرة
إنّها المهمّة العسكريّة الأولى والأخيرة له. كان قد التحق حيدر بالمرابطة في بلدة زيتا الحدوديّة، حيث كانت جبهة النصرة قد عاثت فيها وبأهلها فساداً وتنكيلاً، فشارك في تحريرها، واستشهد أثناء الهجوم.
* وتحقّقت الرؤيا
لمّا وقفت أمّه- وهي قارئة عزاء- أمام جثمانه، تذكّرت رؤيا رأتها لمّا كان حيدر في الثامنة من عمره، وهي أنّ جثمان أخيها الشهيد حسين أبو طعّام، الذي استشهد في العام 1990م، قد وُضع في كيسٍ ومعه حيدر، حينها أدركت أنّ حيدر سيمشي على نهج خاله. وبالفعل، سنوات مضت وكأنّما الرؤيا قد تحقّقت.