الشيخ بسّام محمّد حسين
في يومٍ من أيّام السنة الثالثة للهجرة، كان البيت الفاطميّ العلويّ ينتظر مولوده الثاني، بعدما تزيّنت أركانه بالمولود الأوّل: الإمام الحسن عليه السلام.
وبالفعل، ولد المولود الثاني، فحملته أكفُّ عليّ وفاطمة عليهما السلام وهما يردّدان كلمات الشكر لله تعالى على ما أنعم عليهما، لكنّهما كعادتهما لم يكونا ليقوما بمراسم الولادة ويتقدّما بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحمله أمير المؤمنين عليه السلام وجاء به إلى جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أخذه بين يديه فرحاً به، مقبّلاً إيّاه، وأذّن له في أُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وسمّاه حسيناً ممتثلاً بذلك للأمر الإلهيّ باسمٍ لم تعرفه العرب قبل ذلك، له ولأخيه الحسن عليهما السلام.
ولمّا وضعه في حجره، حانت التفاتة ممّن كان في مجلسه؛ وإذا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبكي ودموعه على خدّيه تجري؛ يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، أَفي هذه اللحظة السعيدة حزن وبكاء؟! لم نرَ مولوداً يُحزن عليه حين ولادته، إلّا أن تكون دموع السرور والفرح. لكنّ دموع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تشبه تلك الدموع: "يا نبيّ الله، بأبي أنت وأمّي، ما لك؟!"، قالت أمّ الفضل بنت الحارث، فأجابها الذي لا ينطق عن الهوى: "أتاني جبرائيل عليه السلام فأخبرني أنّ أمتي ستقتل ابني هذا"، فقالت: "هذا؟" فقال: "نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء"(1).
لم تكن هذه الساعة تشبه ساعات الولادة الأخرى؛ فأيُّ مولود يُقام له المأتم والعزاء يوم ولادته؟! وتجري الدموع على الخدود لمصائبه وشهادته؟! ولكنّه الحسين عليه السلام الفريد في كلّ خصائصه حتّى في ولادته.
وتكرّرت هذه الحادثة من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حقّ حفيده السبط الشهيد مرّاتٍ ومرّات، وكان يقصد من خلالها تنبيه الأمّة على عظيم ما سيرتكبه بعضها من قتله، في يومٍ سيبكي عليه كلّ من خلق ربّنا ممّا يُرى وما لا يُرى، علّها ترتدع عن تلك الجريمة النكراء، التي آلمت قلب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبل وقوعها وأبكت عينيه، ولم ترعَ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقّاً ولا حُرمة.
كما آلمت قلوب آل بيته عليهم السلام وشيعتهم، وأجرت الدموع من مآقيهم، وستبقى كذلك إلى يوم القيامة، كما ورد عن إمامنا الرضا عليه السلام: "إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرّمون فيه القتال، فاستُحلّت فيه دماؤنا، وهُتكت فيه حُرمتنا، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرمت النيران في مضاربنا، وانتُهب ما فيها من ثقلنا، ولم تُرعَ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حُرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام"(2).
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "يا بن شبيب، إنّ المحرّم هو الشهر الذي كان أهل الجاهليّة فيما مضى يحرّمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الأمّة حُرمة شهرها ولا حُرمة نبيّها، لقد قتلوا في هذا الشهر ذرّيّته، وسبوا نساءه، وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً"(3).
ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
1- معالم المدرستين، العسكريّ، ج3، ص28.
2- الأمالي، الصدوق، ص 190.
3- (م.ن)، ص 192.
النبطية-رومين-الساحة العامة-ملك احمد شكرون
علي شكرون
2022-07-30 13:49:06
السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ الله وَعَلى الأَرواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ اللهِ أَبَداً مابَقِيتُ وَبَقِيَ اللَيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ الله آخِرَ العَهْدِ مِنِّي لِزِيارَتِكُمْ. السَّلامُ عَلى الحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ وَعَلى أَوْلادِ الحُسَيْنِ وَعَلى أَصْحابِ الحُسَيْنِ.