الشيخ أكرم بركات
مرَّ في الحلقات السابقة جملة من الأمور التي لها دخل في بناء الولد الصالح من دون أن تدخل في دائرة التربية المباشرة، والآن نشرع في الحديث عن دور التربية في بناء المستقبل الصالح للأولاد.
فقد دعا الإسلام إلى تأديب الأولاد بالآداب الحسنة وأوجب على ذلك مغفرة الله تعالى، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "أكرموا أولادكم، وأحسنوا آدابهم يغفر لكم"(الطفل 324).
* مراحل التربية:
لكن هذه المهمة التربوية للأولاد فصّلت في الأحاديث الشريفة من خلال ثلاث مراحل يمر بها الولد وهي السبع السنين الأولى ثم السبع الثانية ثم الثالثة ووجهت روايات الإسلام الوالدين إلى أهمية ترك الولد بحريته في السبع الأولى ثم تأديبه ومراقبته ومحاسبته على أفعاله في السبع الثانية ثم مصاحبته وإشعاره بنوع من الاستقلالية في السنوات السبع الثالثة. فقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "الولد سيد سبع سنين وعبد سبع سنين ووزير سبع سنين". وعن الإمام الصادق عليه السلام: "دع ابنك يلعب سبع سنين ويؤدب سبع سنين وألزمه نفسك سبع سنين".
من هنا سنسير في البحث ضمن هذه المراحل الثلاث:
والبدء مع السبع سنين الأولى:
دعا أهل البيت العصمة إلى مزيد الحلم والرحمة والحب في هذه المرحلة الحساسة من عمر الولد، فإن أهم ما يحتاج إلى الطفل في هذه السنوات هو ملء الجانب العاطفي الذي له أثر كبير في مستقبل الأولاد، فقد يولِّد الفراغ العاطفي وعدم الاهتمام بالطفل وملء كيانه بالحب والحنان آثاراً لا تحمد عقباها في المستقبل مثلما حدث مع أحد الأشخاص الذين ابتلوا بالتعاطي بشرب المخدرات وقد تعالج من مشكلته عند أحد الأطباء النفسيين، الذي قسَّر بأن من الأسباب الرئيسية لتعاطيه المخدرات هو أن والديه لم يكونا مهتمين به عاطفياً وهو صغير فلجأ في شبابه إلى المخدرات، وقد اعترف الشاب بذلك.
من هنا نجد الروايات تشدد على موضوع ملء هذه الجانب الإحساسي في الطفل فعن الإمام الصادق عليه السلام قال موسى عليه السلام: يا ربِّ أي الأعمال أفضل عندك؟ قال: حبِّ الأطفال. فإني فطرتهم على توحيدي فإن أمتهم أدخلتهم جنتي برحمتي.
وورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبوا الصبيان وارحموهم" وعن الإمام علي عليه السلام: "ليرأف كبيرهم بصغيرهم".
* مظاهر الحب للأطفال:
وقد تحدث أهل البيت عليهم السلام عن بعض مظاهر الحب المطلوبة في التعامل مع الطفل نعرض منها:
نظرة المحبة:
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا نظر الوالد إلى ولده فسرَّه كان للوالد عتق نسمة، قيل: يا رسول الله، وأن نظر ستين وثلاثمائة نظرة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الله أكبر".
* تقبيل الطفل:
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: زمن قبَّل ولده كتب الله له حسنة، وفي روضة الواعظين عنه عليه السلام: "أكثروا من تقبيل أولادكم: فإن لكم بكل قبلة درجة في الجنة مسيرة خمسمائة عام".
ولم يكتف الإسلام بالحث على تقبيل الأطفال بل ذم أولئك الذين تحجّرت قلوبهم فامتنعوا عن تقبيل أولادهم، فقد ورد أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "ما قبَّلت صبياً لي. فلما ولجى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا رجل عندي أنه من أهل النار".
وفي نصِّ آخر يرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مقولة كهذه: "من لا يرحم لا يرحم".
* مسح رؤوس الأولاد:
فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أصبح مسح على رؤوس ولده(1).
محبة أمير المؤمنين عليه السلام لأولاده عليهم السلام:
وقد أراد الإسلام أن تكون مظاهر الحب التي ذكرنا بعضها منطلقة من إحساس عميق لدى الوالدين كما نلاحظ هذا بشكل واضح في كلام الإمام علي عليه السلام الذي وجهه لابنه الإمام الحسن عليه السلام إذ يقول له: "وجدتك بعضي، بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنَّ الموت لو أتاك أتاني".
وأراد الإسلام أن يكون حب الوالدين منطلقاً للصبر على أطفالهم.
لا سيما في السنين الأولى التي يصدر فيها من الطفل ما يرهق الوالدين ويشغل بالهما فكثيراً ما قد يبكي وكثيراً ما قد يمرض وكثيراً ما قد يشاغب في لعبه وعلى قاعدة أن الولد سيد سبع سنين فقد أمر الإسلام أن يصبر على ما قد يصدر منه مبنياً بذلك الأجر للوالدين أو المصلحة للطفل حينما يكبر.
* الصبر على بكاء الأطفال:
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تضربوا أطفالكم على بكائهم، فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله وأربعة أشهر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله (عليهم السلام)، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه، وقد نقل لنا التاريخ عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الممتلئ رحمة مع بكاء الأطفال وصراخهم وذلك حينما كان يصلِّي بالناس صلاة الظهر فخفف من الركعتين الأخيرتين وأسرع فيهما فلما أنصف قال الناس: "هل حدث في الصلاة شيء؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم "ما ذاك؟ قالوا: خففت في الركعتين الأخيرتين، فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: أوما سمعتم صراخ الصبي".
* الصبر على مرض الأطفال:
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ المرض الذي يصيب الصبي يكون كفارة لوالديه".
* الصبر على عرامة الأطفال:
يلاحظ أن بعض الأهل ينهون أولادهم عن المشاغبة في اللعب التي يعبِّر عنها بالعرامة ويحبون أن يبقى الولد هادئاً كل فترة طفولته. إلاّ أن ما ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام يقف ضد هذه الحالة إذ يبيِّن عليه السلام أن لهذه العرامة أثراً إيجابياً في مستقبل الطفل وهو حلمه حينما يكبر فعنه عليه السلام: "يستحب عرامة الغلام في صغره ليكون حليماً في كبره".
* تفهم مرحلة الطفولة:
وإضافة إلى ما مرّ فقد أكّد الإسلام على لزوم تفهُّم الوالدين لمرحلة طفولة الوالد فينبغي أن لا يتعامل الوالد مع ولده، وهو مقيَّد بما يمليه عليه عمره وشأنه ومقامه الاجتماعي بل لا بدّ أن يتنازل عن كل ذلك ليلاعب ولده بعطف ورحمة وهذا ما بيَّنه حينما قال: "من كان عنده صبي فليتصاب له".
* مؤثرات سلبية في التعامل مع الأطفال:
وكون الولد صغيراً في السنين الأولى من مراحل حياته لا يعني أن تعامل الوالدين معه لن يكون له الأثر السلبي على سمتقبله بل إن قلب الطفل في مراحله الأولى يكون كالصفحة البيضاء التي تقبل الصور بشكل سريع. لذا دعا الإسلام إلى اجتناب جملة من الأمور في التعامل مع الأطفال نذكر منها:
1 - الخلف في الوعد:
فقد يعد الوالدان الطفل بوعود كثيرة لا يفون بها ظناً منهم أن هذا لا يؤثر على مستقبل الولد، إلاّ أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حذَّر من عاقبة الخلف في وعد الأطفال، وذلك لأن الطفل ينظر إلى الوالدين على أساس أنهما سبب الرزق وهي نظرة كبيرة جداً على المستوى النفسي. فإذا أخلف الوالدان وعدهم فإن نكسة بحجم النظرة ستكون في كيان هذا الطفل مما يسبب الآثار السلبية على الطفل من ناحية عدم الثقة بالناس. بعد أن فقد الثقة بالقدوة الأولى عنده إضافة إلى آثار غيرها.
من هنا قال نبيُّنا الكريم فيما ورد عنه: "أحبوا الصبيان وارحموهم وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم، فإنهم لا يرون إلاّ أنكم ترزقونهم".
2 - عدم المساواة بين الأولاد:
ونبَّه الإسلام الوالدين إلى لزوم التسوية في إظهار المحبة للأولاد فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى رجل له ابنان فقبِّل أحدهما وترك الآخر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فهلا واسيت بينهما.
وينقل الإمام الصادق عليه السلام عن والده الإمام الباقر عليه السلام أنه كان يصانع بعض ولد فيجلسه على فخذه ويكسر له السكر مع أن الحق كان في ولد آخر ويعلِّل الإمام ذلك بقوله: "لا يصنعوا به ما فعل بيوسف وإخوته وما أنزل الله سورة إلاّ أمثالاً إشارة إلى حسد أخوة يوسف له نتيجة الاهتمام الخاص والملفت الذي ميزه به أبوه النبي يعقوب عليه السلام.