الشيخ علي نور الدين
يقول اللَّه تعالى في محكم كتابه العزيز:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا
..﴾
ويقول النبي محمد صلى الله عليه وآله فيما ينقل عنه: "علموهم سبعاً وأدبوهم
سبعاً وآخوهم سبعاً". انطلاقاً مما ورد أعلاه نعرف أن للوالدين دوراً كبيراً هاماً
في تربية وصياغة شخصية ولدهما وفق الآمال والطموحات، فيجب على الأبوين أن يُبديا
حبهما وتفهمهما لولدهما، ويقيما معه تلك العلاقة الطيبة المتبادلة التي تمكّنه من
تنمية قدراته والسير على خطى والديه.
فالوالدان يؤهلان ولدهما لدخول معترك الحياة
من خلال ما يؤمنان به من آداب أو تقاليد اجتماعية خاصة بعد عدة سنوات. وقد يظن كثير
من الآباء والأمهات أن مسألة التربية من أبسط الأمور وأسهلها، وهذا ناتج إما عن
الجهل أو الاستخفاف، ولدى ملاحظة الكثير من التجارب بين الأهل والأبناء، نجد نوعاً
من التوتر والنفور المتبادل، فالأب مثلاً يشقّ عليه هضم أفكار وتصرفات ولده، وكذلك
الولد لا يتقبل أسلوب الأب الفوقي في العلاقة معه، عندما يوجّه له الأب سيلاً من
النصائح والمواعظ المستمرة، فما هو الحل؟ وكيف السبيل لإعادة اللحمة والتماسك، ليقف
كل في مكانه المناسب يمارس دوره؟ أمام هذه الأزمة العابرة، والتي قد تتأصل إن لم
يُحسِن الوالدان تداركها، فتترك بصماتها السلبية على الوالدين من جهة وشخصية
ومستقبل الولد من جهة أخرى. وبما أن هذا الموضوع يدخل في صميم التربية، اقتضى الأمر
توضيح صورة التربية ودورها، ثم استعراض ما يعرض للشباب في فترة البلوغ والمراهقة،
وما هو الموقف السليم إضافة إلى بعض النصائح والإرشادات.
* ما هي التربية؟
إن التربية تعني بذل الجهد والعمل الواعي من قبل الإنسان لإيجاد التغييرات المنشودة،
فالمربّون الواعون يسعون من خلال التربية إلى تعليم الطفل أسلوب الاستمتاع بالحياة،
وتنمية قواه الجسمية وملكاته الروحية، لبلوغ الكمال المنشود، إنهم ينقلون إليه أسس
التفكير والشعور والعمل المدروس، ويعملون على كشف الاستعدادات والقدرات والملكات
الكامنة لدى الطفل وتوجيهها صوب الجوانب المراد تحقيقها. فالعمل التربوي له عدّة
أبعاد منها التربية الجسمية والأخرى التربية الذهنية وثالثة التربية الروحية
والعاطفية، فإذا حسنت وتكاملت هذه الأبعاد الثلاثة كان يمكن لنا صياغة شخصية طفل
ناجح يراد له أن يكون رجل المستقبل. والتربية في الرؤية الإسلامية هدفها كيان
الإنسان وبناؤه وفق مقوّمات تقوم على العقيدة الإسلامية الصحيحة والثقافة الواعية
والعاطفة الإنسانية والتوازن بين الإرادة والسلوك. فالمسلم بالدرجة الأولى مكلّف
بتربية ولده تربية صالحة ليكون مصداق قوله تعالى:
﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
﴾. فهذه مهمة صعبة وشاقة وحساسة وليست مجرد تسلية عقيمة.
* الولد في فترة المراهقة والبلوغ:
وضمن هذه الفقرة لا بد لنا من الوقوف قليلاً عند ظاهرة البلوغ: فالبلوغ هو من
علامات النمو الطبيعي، فالذكور والإناث يبلغون متى ما وصلوا إلى سنّ معيّنة، فيقال
إنهم انضّموا إلى عالم الرجال أو النساء، ويتمّ تحديد السنِّ للإناث ب(14) وللذكور
ب(16) سنة، وحتى يكتمل البلوغ ويصل الشخص إلى مرحلة الكمال، فإن ذلك يتم للذكور في
سن 18 سنة وللإناث في سن 16 سنة، وبالتأكيد فإن هذا البلوغ يصاحبه عند الذكور
والإناث علائم معينة يعرفها الوالدان جيداً. ولا بدّ للوالدين من فهم هذا التطوّر
الحاصل عند الولد، ليكون التعامل معه بطريقة وأسلوب يتسم بالحكمة ويراعي هذا التطور.
وهو ما يشير إليه ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وآله قوله: "إنا معاشر الأنبياء
أمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم". ويقول د. علي القائمي(1)، بأن الأولاد في
أغلبهم يعيشون في فترة المراهقة والبلوغ اضطراباً شديداً للأسباب التالية:
1 - شعورهم بشخصياتهم قوي جداً، ويرون لأنفسهم اعتباراً غير عادي.
2 - مهاراتهم الاجتماعية قليلة ولا يعلمون كيف يجب أن يتغيّروا.
3 - ليسوا مطّلعين على فنون الحياة الجماعية ولا يعلمون كيف يجب أن يكون نمط
تصرفاتهم.
4 - يعتبرون كثرة التوبيخ سبباً للإستهانة ويحبون أن تبقى كرامتهم مصانة.
5 - يشعرون أنهم كبار ويجب أن لا يقبلوا بأي كلام ويستسلموا له.
6 - يضخمون الأشياء الصغيرة.
7 - يمتازون بالتكبّر والغرور وهم قلقون من احتمال النيل من كبريائهم.
8 - إن افراز الهرمون الجنسي ودخولهم في مرحلة البلوغ والتحوّل الناتج عن ذلك له
دور في ايجاد هذه المشاعر.
كما ويقول أيضاً: "وتظهر عنده رغبة في المخاصمة والقيام بأعمال كبيرة، ويتبدّل
تصوّره لوالديه، حتى قد يظنّ بأنهما جاهلان وغافلان، وذلك نتيجة الغرور والخيال،
إلا أن هذه الحالة تتغيّر وتتعدّل بالتدريج من خلال تحمل الأبوين، وقد ذُكر أن
العالم والمؤرخ مارك تواين، كان في مرحلة البلوغ يعتبر أباه جاهلاً وصاحب أفكار
بالية، وأنه أكثر الناس جهلاً، مع أن والده كان أستاذاً جامعياً، لكنه عند سن
الحادية والعشرين، أصابته الدهشة من كثرة المعلومات، والمستوى العلمي الذي كان لدى
أبيه"(2).
* نصائح للوالدين:
فيما يلي بعض النصائح حري بالوالدين مراعاتها في تربية ولدهما خاصة وهو في سن
المراهقة:
1 - يجب ملاحظة التطوّر على مستوى بدن ولدكما، فبدنه كتلة من الطاقة التي تحترق
وتنشط.
2 - حاولا أن تصوِّبا القابليات التي لدى ولدكما، والتي تظهر في هذه المرحلة،
واجعلاها في الاتجاه السليم.
3 - تتميّز هذه المرحلة بظهور الغريزة الجنسية، فيجب السيطرة على العوامل المثيرة.
4 - الصراع النفسي يكون شديداً في هذه الفترة، ومن الواجب تهيئة الأرضية لرفع
الاضطرابات والحصول على السكون النفسي.
5 - تظهر في هذا السنّ كثير من الانحرافات، فيجب العمل على أن لا يتحوّل هذا الأمر
إلى عادة.
6 - توجد لدى الفتيان والشبان قابلية للنمو وبروز العاطفة، لذا من الضروري توجيه
عواطفهم بشكل سليم عند التربية.
7 - يجب ملء وقت الفراغ عن طريق وسائل الترفيه السليمة حتى لا يبقى موجب للفساد.
8 - لا تنعته بأوصاف ونعوت قبيحة مثل المؤذي أو المشاغب أو غيرهما لأن مثل ذلك يؤدي
إلى تثبيت تلك الصفة في نفسه.
9 - لا تفرط في العقوبة إن كانت ولا بد، بل اجعلها بحجم الإساءة، فالولد يتقبل
العقوبة العادلة.
10 - عدم الإكثار من الأوامر والنواهي، وحاولا أن لا تكون الأوامر قاطعة وحادة،
فيجب أن تكون العلاقة من الأب لولدهما لا على نحو السيد والعبد.
11 - إن الأساليب المستبدة في التربية، قد شارفت على الزوال، فقد اكتشف الناس منذ
سنوات متمادية أن الاستبداد مصيره الفشل، وهو وإن كان ظاهره اليوم ناجحاً ومجدياً
إلا أن نتائجَهُ المستقبلية باهتة ومحدودة.
إن الضغط والإكراه على الولد يؤثر سلبياً ويقتل استعداده الفطري، والولد الذي يؤدي
الأعمال تحت إكراه الوالدين والمربين يتحوّل في المستقبل القريب إلى شخص ضعيف
الإرادة.
12 - لا ينبغي الإمتعاض كثيراً بسبب وجود حالة عدم الاستقرار عند أولادكما فليس
أكثرها سوى عاصفة تهبّ فجأة وما تلبث أن تزول آثارها بعد أيام معدودة.
13 - أسلوب التدقيق وإمعان النظر في سلوك الأولاد وأعمالهم وتصرفاتهم غير مرغوب
فيه، وإثارة استيائهم بين الفينة والأخرى عمل غير لائق ولا ننصح به.
14 - إن أسلوب العطف واللين أنجح من الإكراه والعنف، ويجب غضّ النظر في بعض الحالات
عن أخطاء الأولاد لكيلا تدفع بهم نحو مزيد من التمرّد والعناد.
15 - تجنّب أيها الوالد الكثير من حالات الغضب والفوران لأن ذلك يجعلك أكثر قبولاً
عند ولدك.
وأخيراً لا بدّ من الاهتمام بشخصية الولد، والتعامل معه لا بد وأن يكون عقلانياً
ومدروساً بعيداً عن الاستهزاء والاستخفاف بمشاعره وأفكاره. افتح له أيها الوالد
والوالدة افتحا لأولادكما عقلكما فاسمعا أفكارهم وافتحا لهم قلبكما حتى يتسع لكل
تصرفاتهم، حتى يعبروا بسلامٍ مرحلة المراهقة.
(1) الأطفال ومشاعر الخوف والقلق. الفصل الرابع ص176 -
180 ط أولى.
(2) ن.م.