مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أهل الحق وأهل الباطل

الشيخ شوقي خاتون


إن من يقوم بدراسة لحالات الإصلاح الكبرى التي كان يقوم بها الأنبياء والأئمة عليه السلام أو بعض المصلحين الكبار الذين يمن اللَّه بهم على الإنس آنية في فرات من الركود لكي يصححوا مسارها ويعيدوا إليها قيمها ومبادئها وينفضوا عنها غبار الذل والتبعية والقهر والاستبداد فإنه يجد المجتمع بأسره (مصلحين وغيرهم) منقسماً إلى فئات ثلاث.

الفئة الأولى: هي التي تقف مع الحق وتنذر نفسها للقيام بأعباء النهضة وتضع على عاتقها مهمة إيصال المجتمع والأمة إلى المجد والرقي ولا تبالي بما يكتنف تلك المهمة من تضحيات بالنفس والنفيس.

الفئة الثانية: هي التي تقف سداً بوجه الحق ورقي الإنسان وتحاول تضليل الرأي العام من خلال التلبيس والتدليس على الناس.

الفئة الثالثة: وهي الأغلبية الساحقة ولا تبالي بما يحصل ولا يهمها من ينتصر وقد تكون قلوبها مشدودة إلى الحق وأصحابه لما يعلمونه من صدق مواقفهم ونبل أهدافهم وقوة عزائمهم وابتعادهم عن زخارف الدنيا وبهارج الحياة الفانية. ولما يلمسون فيهم من تعلق باللَّه سبحانه، وإخلاص في العمل وصفاء في النوايا ونكران للذات في سبيل قضيتهم الكبرى. تماماً كما كان المجتمع الكوفي في عصر الحسين عليه السلام (قلوبهم معك وسيوفهم عليك).

وإذا رجعنا إلى الأسباب الكامنة خلف انقسام المجتمع إلى هذه الفئات الثلاث نلاحظ أن هناك منطلقات لدى كل فئة منها، هي التي تحدد مسيرتها وترسم خطاها.
فنلاحظ أن الفئة الأولى تنطلق من عقيدتها الراسخة بوجود حياة أخرى أهم من هذه الحياة التي يعيشونها بل هي الحياة الحقيقية {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (العنكبوت/ 64) التي تشتمل على الثواب والعقاب ومن إيمانها بوجود قيم ومُثل وحقائق ثابتة تستحق أن يبذل الإنسان دمه وينهي حياته الفانية في سبيلها كتطبيق العدالة ونشر راية التوحيد ومحق الكفر والظلم.
أما الفئة الثانية فتنطلق من إيمانها بأن الحياة التي يعيشونها هي كل شيء ولا شيء وراء ذلك {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (الجاثية/ 24).

ولذلك فهم يحاولون الحصول على أكبر قدر ممكن من ملذات الدنيا وجاهها فنرى أنهم غير مستعدين للتضحية بشيء من قمامات دنياهم بل على العكس من ذلك فهم مستعدون لفعل أي شيء يقف بوجه طموحاتهم وآمالهم الدنيوية حتى لو اضطروا لقتل الأنبياء وأبناء الأنبياء، وإذا كانت الدنيا تمثل أكبر همهم بل كل همهم، لعدم إيمانهم بالحياة الأخرى فلا قيم ولا مثل عدهم إلاّ بما ينسجم مع طموحاتهم وأهدافهم الدنيوية.
وأما الفئة الثالثة والتي قلنا بأنها تمثل الشريحة الكبرى من المجتمع فهم يعيشون حالة من التذبذب النفسي الذي ينعكس على سلوكهم بخلاف الفئتين الأولتين اللتين كان سلوك كل منهما منسجماً مع منطلقاته العقيدية والإيمانية التي ينطلقون منها.
فإن المتأمل يشعر بأن أصحاب الفئة الثالثة يعيشون حالة من التناقض في شخصياتهم ففي حين أن العقيدة التي يجاهرون بها وقد يعملون وفقها أحياناً هي ما يتناسب مع الفئة الأولى نجدهم في حالة احتدام الصراع وأوان تقديم التضحيات فإنهم يتخذون موقف المراقب والمتفرج. وهكذا نرى أن حالة التذبذب هي التي تسم مواقفهم وتطبع سلوكهم.

والمشكلة التي تكمن عند هؤلاء هي أنهم لا يشعرون بأن هناك واجب ملقى على عواتقهم تجاه دينهم وإذا ما شعروا بهذا فهو ليس الأول في سلم أولوياتهم وما دام الأمر كذلك فهم غير مستعدين للتضحية البت لأن الواجب الأول عندهم هو تأمين متطلبات حياتهم الدنيوية والاهتمام بمصالحهم الفردية {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} (الفتح/ 11) ولذلك نجد بأنهم إذا توقفت مصالحهم الدنيوية على نصرة الباطل فقد ينصرونه متعللين بالاضطرار وما إلى ذلك.
والسر في حالة التذبذب التي تعيشها هذه الفئة هو أن إيمانهم أشبه ما يكون بمعادلة رياضية يعتقدون بصحته اعتقاداً جافاً، أو باكتشاف علمي أثبته العلماء المختصون فنجد أن إيمانهم بمعتقداتهم تلك كإيمانهم بكروية الأرض، وأن الحرارة تبخر الماء وما شابه. فهم يعتقدون بذلك اعتقاداً جازماً ولكن لا أثر يرتّبونه على معرفتهم بتلك الحقائق فلم يلامس الإيمان با واليوم الآخر شغاف قلوبهم ولم يعيشوا حالة الانجذاب الروحي للَّه ولم يعيشوا لذة القرب من اللَّه والالتذاذ بعبادته سبحانه التي تضمحل معها كل لذات الدنيا وتصغر حيالها كل مصائبها لأن من يعيش تلك الروحية الخاصة يرى المصيبة في الدنيا ابتلاءً يسأل اللَّه أن يلهمه تأدية شكره.

وهنا نود إلفات النظر إلى أمور:
الأول: إن هذا التقسيم الثلاثي ينقلب في حالة احتدام الصراع من حيث النتيجة إلى تقسيم ثنائي وذلك ون وقوف الفئة الثالثة موقف المراقب هو بالنتيجة وقوف إلى جانب الفئة الثانية شعروا أم لم يشعروا.
وذلك لأن موقفهم هذا هو من الأسباب التي تقوي الفئة الثانية من ناحية وتصور المعركة والصراع أنه بين الفئتين الأولى والثانية. مع أن هدف الفئة الأولى الدفاع عن معتقدات الفئة الثالثة المتفرجة وهدف الفئة الثانية هو القضاء على تلك الفئة المتقاعسة وهذا بالنتيجة قد يشكل نقطة ضعف على المستوى المادي للفئة الأولى التي قد يشعر بعض أفرادها بالغبن لولا أن معتقداتهم العميقة بالحياة الآخرة تجعلهم يتمثلون قوله تعالى: {لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (الدهر/ 9) ولولا إيمانهم الجازم بحقانية قضيتهم.

الثاني: بما أن عقيدة أصحاب الفئة الثالثة: التي لا تنسجم مع سلوكهم تتوافق مع عقيدة أهل الحق في بعض مفرداتها فإن بعض الصدمات التي قد تحصل لهم تكون في كثير من الأحيان نقطة تحول عندهم فتستفيق أرواحهم من سُباتها وقلوبهم من غفلتها فيتجهون إلى نصرة الحق وأهله طائعين ويتحولون إلى صفوفها مطمئنين ويعتبرون أنفسهم مقصرين. وقد تكون تضحياتهم وعطاءاتهم سريعة بسبب اشتعال جذوة المحبة الإلهية في قلوبهم أولاً وليغسلوا ما يشعرون به من تقصير سابق ثانياً.

الثالث: إن الفئة الأولى ينبغي لها أن تلتفت إلى عدة أمور:
أ ـ إن هناك واجب آخر ملقًى على عواتقهم مضافاً إلى ما يقومون به من تضحيات وبذل وهو مهمة إيقاظ الفئة الثالثة وإخراجها من سباتها.
ب ـ إن واجبهم هو الجهاد وليس النصر {وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ} (آل عمران/ 126) وإن النصر ليس دائماً بالسيف بل قد تكون دماؤهم عي المنتصرة كما انتصر دم الحسين على سيوف بني أمية.
ج ـ إن هناك شروطاً للنصر ينبغي أن يحافظ عليها، من أهمها الإخلاص، روح الشهادة، التوكل، الصبر، الانقياد، ونزع الخلافات.
وأخيراً إن قضية الصراع التي تعيشها أمتنا ضد إسرائيل تمثل واحدة من مفردات الصراع بين الحق والباطل الذي كان الكلام عنه.
ولا يخفى على أحد أن أصحاب الطائفة الأولى في قضيتنا هم المجاهدون والشهداء والداعمون لهم والذين يسعون لنصرتهم ومؤازرتهم وشرح أهدافهم للفئة الثالثة.
وبعبارة مختصرة، الذين يعيشون همّ هذه القضية ويعملون مخلصين في سبيلها، وأصحاب الفئة الثانية: هم العدو الصهيوني وعملاؤه والاستكبار العالمي وكل من يمد لهم يد العون أو يزرع بعض العقبات في طريق المجاهدين.
وأصحاب الفئة الثالثة هم الشريحة الكبرى من أمتنا الذين يقفون موقف المتفرج بانتظار ما يسفر عنه الصراع من نتائج، وهُم من يتوجب على المجاهدين إيقاظهم لكي يعوا ويعملوا في مقارعة عدوهم.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع