الشيخ أكرم بركات
ذكرنا في الحلقة السابقة الأثر الكبير للولد الصالح في حياة المجتمع ومصير والديه، ليكون ذلك مدخلاً لفهم التأكيد الوارد في تعاليم الاسلام على الاهتمام ببناء الولد الصالح، وذلك عبر مراحل يسبق بعضها الزواج وانتهينا بالحديث عن الرضاع وأثره المهم على الولد الرضيع.
من هنا شجع الاسلام على أن تكون الأم هي المرضعة للولد - كما يصرّ على أهمية ذلك الطب الحديث – وبيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما ورد عنه ثواب الأم المرضعة بقوله: "إذا حملت المرأة كانت بمنزلة الصائم القائم المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، فإذا وضعت كان لها من الأجر ما لا يدري أحدٌ ما هو لعظمه، فإذا أرضعت كان لها بكل مصَّة كعدل عتق محرر من ولد اسماعيل فإذا فرغت من رضاعة ضرب ملك كريم على جنبها وقال: استأنفي فقد غفر لك".
* تسمية الولد
واهتم الاسلام بتسمية الولد لما للتسمية من أثر على نظرة الولد ومن حوله لمن اشتهر بذلك الاسم، من هنا كان نبيُّ الاسلام يدعو الى اختيار الأسماء الحسنى للأولاد ويعتبرها من الحقوق الأساسية.
فقد ورد أن رجلاً جاء الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسأله: ما حق ابني هذا فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم: "تحسِّن اسمه وأدبه وتضعه موضعاً حسناً".
وحسن الاسم في أكثر الحالات تابع لحسن المسمَّى بذلك الاسم، فنحن نرى في مجتمعاتنا أن كثيراً من الناس يسمّون بأسماء من يحبُّون.
فقد يختار الوالدان لولدهما اسم زعيم محبوب أو عالم كبير أو فنان مشهور أو ممثلة معروفة، ولكنهم قد لا يلتفتون للأثر السلبي على الأولاد نتيجة الاختيار غير الصحيح، لأن التسمية باسم إنسان قد تجعله قدوة في حياة الطفل. فإذا كان فناناً فقد يتحوَّل الفنان الى قدوة المسمَّى باسمه، وإن كان زعيماً ظالماً فقد يؤثر ذلك على نظرة الولد لظلم الناس.
وقد يختار الوالدان بعض الأسماء من دون ملاحظة الأثر السلبي لصورة تلك الأسماء ومضمونها كاختيار بعض الأسماء الأجنبية غير العربية التي قد تؤدي الى التعلق بتلك المجتمعات الأخرى والانفصال عن المجتمع الإسلامي والعربي وكاختيار بعض الأسماء التي تحمل مضامين سيئة كـ"ظالم" و "غوى" ونحوهما.
لذا نلاحظ أنّ الاسلام دعا الى التسمية بنوعين من الأسماء
النوع الأول ناظر الى المضمون الإسمي، فدعا الى التسمية بالأسماء التي تحمل معنى العبودية كـ"عبد الله" فعن الامام أبي جعفر (عليه السلام): "أصدق الأسماء ما سمّي بالعبودية".
ونهى الاسلام عن التسمية بالأسماء التي تحمل المضامن السيئة، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ألاّ إن خير الأسماء عبد الله و... وشر الأسماء ضرار ومرة وحرب وظالم".
النوع الثاني الذي دعا الإسلام إلى التسمية به هو اسم القدوة الصالحة والأسوة الحسنة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتحدث عن أفضل الأسماء قوله: "وأفضلها أسماء الأنبياء" وبيَّن النبي أثر ذلك بقوله: "إذا كان اسم بعض أهل البيت اسم نبي لم تزل البركة فيهم".
* اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
وبما أن خاتم الأنبياء محمداً صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضل قدوة في بني البشر فقد ورد الحث الأكيد أن يسمِّي المسلمون باسمه صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من ولد له ثلاث بنين ولم يسمِّ أحدهم محمداً فقد جفاني".
وبيِّن الإمام الرضا عليه السلام أثر الخير في التسمية بمحمد بقوله: "البيت الذي فيه محمد يصبح أهله بخير ويمسون بخير".
وقد وصل تشديد أهل البيت على التسمية بمحمد إلى حدٍّ قال فيه الإمام الصادق عليه السلام: "لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمداً، فإذا مضى سبعة أيام، فإن شئنا غيرنا وإلا تركنا".
* أسماء أهل البيت (عليهم السلام):
وكما حبَّذ الإسلام على التسمية باسم محمد لما لذلك من أثر طيب وتعزيز للقدوة الصالحة فقد حبّذ على التسمية بأسماء أهل بيته الكرام لنفس ذلك السبب، فقد ورد أن أحدهم قال للإمام جعفر الصادق عليه السلام جعلت فداك إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك، فقال: "أي والله وهل الدين إلا الحب".
وعن الإمام أبي الحسن عليه السلام قوله: "لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفراً أو طالباً أو عبد الله أو فاطمة من النساء".
* اسم علي:
ومن بين أسماء أهل البيت (عليهم السلام) أكد أهل بيت العصمة على اسم علي عليه السلام، فقد ورد أن الإمام الباقر عليه السلام قال لابن صغير "ما اسمك؟ قال محمد. قال: بم تكنّى؟ قال: بعليّ. فقال الإمام عليه السلام: لقد احتظرت من الشيطان احتظاراً شديداً، إن الشيطان إذا سمع منادياً ينادي يا محمد أو يا علي ذاب كما يذوب الرصاص".
وقد أدرك الأمويون الخطر الكامن في اسم "علي" الذي يمثل الحق كلَّ الحق على عرشهم المبني على الباطل والظلم، فمنعوا الناس أن يسمّوا أبناءهم باسم "علي".
بل روى ابن حجر أن بني أمية كانوا إذا سمعوا بمولود اسمه "علي" قتلوه.
وقد كان بعض الناس يتقرَّبون إلى الأمراء ببغض الاسم، كذلك الناصبي الذي جاء إلى الحجاج وقال له: "أيها الأمير إن أهلي عقّوني فسموني علياً، وإني فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج" فتضاحك له الحجاج وقال له: "للطف ما توسَّلت به، وقد وليتك موضع كذا".
نعم كانت المعركة تشمل الأسماء لأسر الاسم الكبير على المجتمع، وقد كان الإمام الحسين عليه السلام يقابل ذلك بالدعوة إلى التسمية باسم "علي" فقد سمّى أولاده الثلاثة كلٌ باسم علي عليه السلام فكان عنده علي الأكبر وعلي الأصغر (عبد الله الرضيع) وعلي زين العابدين عليه السلام وكان عليه السلام يقول: "لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلاّ علياً".
* كنية الولد:
وكما للتسمية من أثر على الولد فإن الكنية أيضاً كالتسمية، لذا كانت الدعوة من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكنية الحسنة فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ويسمّى بأحسن الأسماء ويكنّيه بأحسن الكنى".
ولأجل أن يزيد الإسلام من دافع البرّ من الولد لأبيه دعا إلى الكنية باسم الأب فإذا كان اسم الأب "علي" يكنى ابنه "بأبي علي" ليشعر أنه يحمل اسم أبيه وهذا ما يزيده علاقة محبته به فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "السنة والبرّ أن يكنّى الرجل باسم أبيه".