نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

رؤية الإمام إلى الغرب: حدود المواجهة وشروط التفاعل

الأستاذ عادل رؤوف


هذا المقال هو جزء من بحث قدمه الأستاذ عادل رؤوف لمؤتمر الجهاد والنهضة في فكر الإمام الخميني قده الذي انعقد مؤخراً بمناسبة الذكرى الأولى لمئوية ميلاده الشريف.

جاءت نظرة الامام الخميني إلى الغرب والحضارة الغربية مبثوثة في كل نصوص المشروع التغييري – الثوري له، لا سيما وأن النص الخميني، نص ترابطي مركب مازج بالعادة لأكثر من مفهوم ومعنى ودلالة، ويغطي أكثر من مجال من مجالات الحياة.. وهو نص امتاز بقدرة الاختزال والتركيز في آه معاً بحيث يمكن الجزم أن هذه القدرة شكلت خصوصية من خصوصيات خطابه التغييري انفرد بها عن باقي الخطابات، ونعني بالاختزال هنا: هو اختزال مضمون المشروع التغييري له في النص الواحد، مهما كان حجم هذا النص... وبمعنى آخر القدرة على إعطاء "هوية" للنص – إذا صح التعبير – تعكس الجزء الأكبر من مضمون أو مضامين مشروعه التغييري، ومشروع الامام "قدس" – كما هو معلوم – ارتبط ارتباطاً جدلياً برؤيته حول الغرب والحضارة الغربية، وهذا الارتباط كان نابعاً من طبيعة مشروع الامام النظرية والميدانية.

أولاً: بما أنه مشروع سعى إلى تحرير ايران الشاه من النفوذ الغربي والتبعية الغربية، وإعادتها إلى أحضان الاسلام.
ثانياً: وبما أنه مشروع يختزن قضية الاسلام المركزية "قضية فلسطين"، ويضع القضاء على "إسرائيل" في سلم أولوياته وأهدافه، بلما تعنيه مواجهة "اسرائيل" من مواجهة للغرب واستراتياجياته إزاء العالم الاسلامي.
ثالثاً: وبما أنه مشروع أسس في جزء المواجهة منه على محاربة البتعية الثقافية والاقتصادية والسياسية والنفسية للغرب أو الشرق، لوما كان العالم الاسلامي واقع تحت الهيمنة الغربية بجزئه الأكبر، فلقد جاءت ثقافة المقاومة في مشروع الامام مستهدفة للغرب أكثر من الشرق كتحصيل حاصل. مع التركيز على وحدة موقفه من القوى الطاغوتية في العالم.
رابعاً: وفي البعد الانساني لمشروع الامام "قدس" وهدف تحرير الإنسانية المستضعفة من ربقة الاستكبار العالمي، تساهم مئات أن لم نقل الآلاف النصوص الخمينية التي استهدفت تجليات الطاغوتية الغربية، وزعيمتها الولايات المتحدة الأميركية.

وفي ظل ما تقدم، فلا مجال لافتراض خطوط مواجهة محددة مع الغرب، إنها مواجهة بقدر ما هي شمولية بكل ما تتسع له هذه الشمولية من أبعاد فكرية وثقافية وعسكرية واقتصادية ونفسية واعلامية، فإنها أيضاً مواجهة مفتوحة ما دام العقل الغربي نازعاً نحو الهيمنة وإستعباد الشعوب والسيطرة على مقدراتها، وهي مواجهة مرتهنة إلى مجموعة من الشروط والعوامل.
أولاً: إنها مرتهنة إلى القضاء على تيار التغريب داخل أوساط الأمة الاسلامية.
ثانياً: ومرتهنة إلى تحقيق الاستقلال الحقيقي.
ثالثاً: ومرتهنة إلى إيجاد علاقات متوازنة لا مجال فيها إلى الاستغلال الغربي والسكوت إزاء هذا الاستغلال.
رابعاً: وهي مواجهة مشروطة بانتباه الدول الكبرى إلى خطاياها.. وهذا أمر مستبعد.

وربما أن هذه الشروط والعوامل هي ذاتها التي يتوقف عليها التفاعل مع الغرب من الناحيتين النظرية والعملية، فتجربة إيران الاسلامية الثورية، وبعد أن تحولت إلى دولة عكست شكلاً من أشكال التعامل والتفاعل مع الغرب على المستويات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية وهي لم تعش قطيعة كاملة، وعزلة تامة عن العالم الغربي، إلاّ أن ذلك خضع إلى قراءة دقيقة ورصد دقيق، فهو لم ينضبط نظرياً بما "انضبطت" به أشكال العلاقات الدولية والأعراف السائدة عالمياً في الخطاب الدبلوماسي، فهذه العلاقات والاعراف رفضها خطاب الامام "قدس سره" واعتبرها جزءً من منظومة النظام العالمي القائم على منطق التبعية، ولذا فإن الإمام مارس التفاعل مع العالام الغربي انطلاقاً من مقاييس خاصة به ترصد حركة التعامل الدولي والغربي مع الدولة الاسلامية وقضايا المسلمين وقضايا المستضعفين في العالم. فهو تفاعل لم يعطل أولاً ماهية الخطاب الثوري الذي اعتمده الامام تحت ثقل "الضرورة" الدبلوماسية، بل بقي خطابه يسير على وتيرة ثابتة من حيث ماهيته الثورية وما يصبو إليه من أهداف، وهو تفاعل – ووفق المقاييس الخاصة – قاوم أي محاولة للمناورة والابتزاز الغربي للثورة وثوابتها وقيمها.

إن التعامل والتفاعل مع الغرب لم يتوقف على طول عمر المشروع الاسلامي بعدما تحول إلى دولة لأنه نابع أساساً في حسابات الغرب من مصلحته الذاتية وحاجته الخاصة في العلاقات مع الأمر الواقع الذي تخلقه الحالات الاسلامية الثورية في سياق حركة المشروع الاسلامي الكلي، والامام الخميني "قدس سره" كان مدركاً لهذا المنهج الغربي فهو منهج تتعدد آلياته في استيعاب الانهيارات التي تتعرض لها مصالحه في مناطق نفوذه، ولأنه منهج يتحرك أساساً على إمكانات مادية وعلمية حقيقية زائداً امكانات وهمية كاذبة يوحي بها وتعكسها استراتيجية الردع والتخويف التي يعمل بها، والامام الخميني قدس سره عندما اكتشف بحسه السياسي هذه الاستراتيجية الغربية وعمل على مقاومتها، فهو من ناحية أخرى يدرك امكانية تعامل الغرب مع الثورة انطلاقاً من الأمر الواقع. وبهذا التشخيص الدقيق "استطاعت الثورة الإسلامية الإيرانية أن تمر بذكاء من خلال مضيق التنافس السياسي بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية دون أن تنزاح إلى هذه الكتلة أو تلك".

وعودة إلى كيفية تعاطي الامام قدس سره مع منعطفات الابتزاز الغربي ربما يتبلور شكلاً من مقاييس التفاعل التي اعتمدها مع الغرب فلنقرأ النص التالي حول قضية المرتد سلمان رشدي والابتزاز الذي مارسته الدول الغربية من خلال سحب سفرائها من طهران، يقول الامام قده: "لا ضرورة أبداً أن نهتم في هذه الظروف والأجواء بعلاقات وروابط واسعة، إذ قد يتصور الأعداء إننا أصبحنا نهتم بالعلاقة معهم والحاجة إليهم بحيث أننا نسكت ولا نحرك ساكناً عند إهانة معتقداتنا ومقدساتنا الدينية، أولئك ما يزالون يعتقدون ويحللون إننا كنا بسطاء في سياستنا ومبادئنا الدبلوماسية وأنه ينبغي أن نعيد النظر فيها وأن لا نكرر الأخطاء السابقة، ويعتقدون أن شعارات الحرب الحادة سبّبت اساءة ظن الغرب والشرق بنا، مما أدى في نتيجيته إلى انزواء البلد، ولو أننا كنا اعتمدنا سياسة واقعية لكانوا عاملونا معاملة انسانية وكانوا احترموا الاسلام والمسلمين كما احترمناهم.

يوضح هذا النص طبيعة التفاعل والتعامل المفترض مع الغرب ويوضح لنا "لسنا بحاجة إليهم" بل إن حاجة الغرب إلى هذا التفاعل والتعامل أكبر من حاجتنا، كما أنه نص يكشف أيضاً عن استراتيجية الردع الوهمية المتبعة من جهة، وعن الحرب النفسية واسقاطاتها في إطار شروط التفاعل مع الغرب من جهة أخرى، فمقولة "الانزواء" في إطار هذه الحرب النفسية والتي ولدت تخوفاً لدى تيار من الاسلاميين من وقوع الاسلام وكياناته في عزلة عن العالم، هذا "الانزواء" أعطاه الامام قده معنى آخر في ذات الاطار النفسي، يقول الامام قدس سره: "ومع الأسف يفكر البعض بأننا منزوون بسبب مخالفتنا لأميركا، كلا إن أميركا هي المنزوية، إن الميزان عندنا هو الشعوب".
وهكذا يسحب الامام قده مضمون موقلة الانزواء من يد الخصم ليستخدمها ضده بطريقة مشروعة وتقوم على مصاديق في سياق المواجهة النفسية وبما يبلور الأطر السليمة للتفاعل والتعامل مع الغرب.

وعودة إلى نموذج النص الأصل المتعلق بقضية المرتد سلمان رشدي تصلح لأن تكشف وتثبت موضوعين في آن واحد، فلنقف على تكملة هذا النص الذي يقول الإمام فيه "إن سفراء دول المجموعة الأوروبية يعيودون إلى ظهران مجللين بالعار نادمين على ما فعلوا، وربما أن دول المجموعة الأوروبية لم تكن تتوقع هذا الخزي والعار في محاولة تحقيق هدفها المشؤوم.

أولاً: إن هذا النص يأتي منسجماً مع خطاب الاما الثورة الذي كما أشرنا سار على وتيرة مضمونية واحدة بعيدة عن المجاملة الدبلوماسية، وهو نص كما النصوص الأخرى التي ترتقي بالخطاب النظري للإمام قده في سياق المواجهة مع الغرب إلى حالة عدم ربط ثوابت هذا الخطاب بمجاملات واقع التفاعل الميداني مع الغرب بحجج الحاجة إلى مبدأ العلاقة مع الدول الغربية، فهذه الحاجة – كما أشرنا – هي حاجة غربية قبل أن تكون حاجة اسلامية وهذا المعنى بدوره يرتبط بمعنى آخر.

ثانياً: والمعنى الآخر الذي يوحي به النص أيضاً يتجاوز الكشف عن استراتيجية الردع الغربية إلى إثبات المضمون الوهمي الذي تتحرك به هذه الاستراتيجية.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع