إعداد: فاطمة شوربا
كثيراً ما نجد بعض العائلات تشكو من عادة الكذب عند بعض أطفالها. رغم الإرشادات والتوجيهات التي يواجهونها، والمساوىء التي يبينونها لهم من هذه الآفة الخطيرة، ورغم العقوبات التي يجرونها بحقهم بعد كل كذبة، إلاَّ أن ذلك يذهب أدراج الرياح، فلا حياة لمن تنادي.
في مقام العلاج لهذا الداء الخبيث والمعضلة الخطيرة، لا بد أولاً من الوقوف على الأسباب والعلل الكامنة وراءه، ومعرفة القنوات المؤدية إليه، لنتمكن من خلال ذلك من وضع الحلول الناجمة في هذا المجال.
فالكذب بوجه عام واحد من الانحرافات النفسية، يتستَّر فيها الكاذب ويخفي بها أخطاءه وعثراته، وقد شبّه الكذب بالرداء. فكما أن الرداء يخفي معالم الجسد، كذلك الكذب يخفي معالم النفس.
وهناك نوعان من الكذب: كذب عادي أو اعتيادي: ومن الممكن أن يقع فيه أي إنسان بشكل عارض. وكذب مرضي: وهو الذي يبتدئ بكذبة أولى ثم يتفاقم ويتفاقم إلى درجة يصبح فهيا حالة مرضية يصعب تخطيها. ويصبح الكذب ملح الكلام لصاحبه يمارسه من دون وعي وإدراك منه وبطريقة لا شعورية. وهذا هو موضوع بحثنا.
يقول أحد المختصين في تربية الأطفال "أنه خلال الثلاثين سنة التي قضاها في مهنته وهو يراجع الآباء والأمهات بصدد عيوب أطفالهم، لا يذكر حادثة واحدة كذب فيها الأطفال بدون سبب".
فما هي إذاً الأسباب المؤدية إلى الكذب عند الأطفال؟
1- نقل الواجبات التي يكفلون بأدائها:
حيث يتشدد الأولياء في تحميل أطفالهم أعباءً لا طاقة لهم بها، ويطلبون منهم الإتيان بأعمال ليست بمقدورهم، ما يقودهم إلى الكذب ويوقظ فيهم هذه الصفة الرذيلة.
ونضرب مثالاً على هذه الحالة كيفية تعاطي الأهل مع طفلهم والمعدل الذي يفرضون عليه تحصيله في "دراسته، فهم لا يقبلون درجة دون الدرجة الأولى، ويأخذون بممارسة الإرهاب النفسي عليه من هذه الناحية، حتى لو حصل على درجات جيدة في هذا المجال، كالثانية والثالثة.. وهكذا فإنهم يضطرونه إلى الكذب. في حال لم يحصّل المعدل الراغبين هم بتحصيله- خوفاً من العقاب الذي ينتظره آنذاك.
وقد ندَّد الإسلام- كما العلم- بهذا الأسلوب حيث أمر المسلمين بعدم الشق على أنفسهم حتى في مسألة العبادة التي تعتبر من أوجب الواجبات، بل طلب إليهم الرفق بها حتى لا يكرهوا لأنفسهم ولغيرهم العبادة. فقد قال رسول الله (ص): "إن هذا الدين منين فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله" فكيف بباقي المسائل وهذه المسألة بالخصوص حيث أمر (ص) الوادين أن يراعيا جانب اللين في تربية أبنائهما فقال: "رحم الله من أعان ولده على برّه". وعندما سئل عن كيفية ذلك قال: "يقبل ميسور" ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به".
فيجب على الآباء والأمهات أن يقيموا القابليات الوسطى للأطفال ولا يحملوهم فوق ما يطيقون، لأن الطفل يخاف من إغضاب والديه ويحاول أن لا يصفه المربي بالكسل وعدم الكفاءة. وعندما يعجز عن أداء العمل الذي يفوق طاقته ومقدرته يلجأ في سبيل الحفاظ على شخصيته إلى الكذب، وبتكرر هذه الحالات ينشأ كذاباً.
2- التحقير من قبل الأهل والوسط الذي يعيش فيه:
فالطفل الذي يشعر بالحقارة والضعة والإهانة من قبل الأهل والآخرين، ويشعر بأنه كتلة مهملة لا قيمة لها لسبب من الأسباب. حتى ولو كان انشغال والديه الدائم. فإنه يسعى إلى الكذب بشكل لا شعوري منه وذلك ثأراً لكرامته ولجلب الأنظار إليه، ولجعل نفسه موضع اهتمام الآخرين.
والطفل بطبيعة ذاته يسعى إلى إظهار نفسه، ويجب أن يكون موضع اهتمام من قبل الآخرين، فإذا فقد هذا الاهتمام سعى إلى إيجاده بأي طريقة كانت كالصرخ بأعلى صوته، والطرق على الأبواب أو بكسر بعض الآنية. أو بقلب أثاث من أثاث المنزل.. وما إلى ذلك من الأمور التي تجعله محط أنظار الجميع.
وهكذا فإن لذة الطفل العظمى تكون- في حال إحساسه بالحقارة. بلغت أنظار الآخرين وبإظهار شخصيته، فيضطر إلى الكذب وإلى اختلاق أشياء لا وجود لها، وكذبات تحيّر الأذهان لعدة دقائق وتبعث القلق والحيرة في نفوس أفراد الأسرة.
فقد يأتي ويقول: لقد صدمت أختي سيارة ونقلوها إلى المستشفى أو وقع فلان عن الشرفة، وعندما يهرع أعضاء الأسرة خائفين مضطربين، ينتعش هو لذلك، ويتلذذ لأن كلامه آثار هذا الاضطراب والاهتمام... إنه يفرح لأنه خدعهم وشفى قلبه مما لإقاء منهم من السخرية والاحتقار.
3- الخوف من العقوبة:
فقد يضطر الطفل إلى الكذب على والديه تفادياً للعقاب الشديد الذي سيناله في حال اعترافه بالحقيقة. وقد ينكر ارتكابه لخطأ معين.
فقد ينكر إتلافه لأثاث من أثاث المنزل أو أي شيء آخر ويضطر إلى الكذب نتيجة خوفه من العقاب الشديد من قبل والديه في حال اعترافه بذلك. ويكون ذلك صيانة لذاته ودفاعاً عن نفسه التي يجدها ضعيفة جداً في مقابل صفعات الأم والأب القاسية.
فالعقوبة الشديدة جرَّاء ارتكاب الأخطاء والهفوات تؤثر تأثيراً سلبياً في نفسية الطفل فتجعله يميل إلى الكذب إنقاءً للعقوبة. ولتصبح هذه الحالة في ما بعد عادة اعتادها.
4- ملوك الآباء والأمهات الخاطئ تجاه مسألة الكذب:
ومن العوامل المؤثرة جداً في مسألة كذب الأطفال، السلوك الخاطئ الذي يتبعه الأبوان أمام الطفل تجاه مسألة الكذب، حيث يأمرانه بالتحلي بالصدق من ناحية، ويمارسان موبقة الكذب أمام ناظريه وتحت سمعه من دون أي وازع من ناحية ثانية. ولا شك ولا ريب في أن الاهتمام بالظروف والعوامل النفسية للوقاية من الكذب في أسرة كهذه يصبح عقيماً لا جدوى فيه ولا طائل منه.
وقد اعتاد الكثيرون أن يقولوا للأطفال: (افعل ما أقوله لك! لا تلتفت إلى ما أفعل) "في حين أنهم يجهلون أن هذه النصيحة نستتبع مأساة عظيمة"، إن الطفل لا يخضع للنصيحة التي لا يعبرها الوالدان أهمية ما، وعلى فرض أنه استطاع أن يتوصل من فعل الكبار إلى أن السلوك المفصل للأطفال يختلف عن السلوك المفضل للكبار، فإنه سيحطم تلك القيود في أول فرصة يدرك فيها الحرية، ويخرج عن تلك التعاليم التي وجهت إليه في صباه..
وأخيراً نقول:
إن الأطفال أمانة الله تعالى في أعناق الوالدين، ويجب عليهما حفظ هذه الأمانة حتى لا يعتبرا في عداد الخائنين في نظر الله سبحانه وفي نظر المجتمع، وعليهما أيضاً عدم دفع أولادهما إلى الكذب عن طريق العوامل المذكورة آنفاً. بل عليهما رعايتهم وتربيتهم تربية سليمة خالية من هذا المرض الفتاك. ومن كل الأمراض النفسية الأخرى. فنحن نعرف أن الكذب من المحرمات في الشريعة الإسلامية وله انعكاساته السلبية على الفرد والمجتمع.
وبذلك تصبح من أهم مسؤولياتهم تجاه أطفالهم:
1- التخفيف عنهم وعدم الشقة عليهم أو تحميلهم ما لا يطيقون.
2- احترام شخصية الطفل وإحياؤها بتوفير المحبة والاهتمام واللطف والرعاية له، وإشعار الطفل بأنه إنسان له وجوده وكيانه، وليس شاة أو دجاجة جلَّ احتياجها إلى الطعام أو الشراب، فإن ذلك يصقل شخصيته وينمّي مواهبه ويجعله إنساناً سوياً وذخراً نافعاً للمجتمع.
2- إظهار اللين لهم وتربيتهم على أساس الحب والحنان والرأفة والعطف، فإن ذلك يكون بمثابة حافز قوي لهم في تخطي مسألة الكذب هذه حيث أنهم لا يكونون مضطرين له في حال كسروا أو أتلفوا شيئاً.
4- توفير المحيط التربوي السليم البعيد عن الكذب لهم. وتنمية فطرة الصدق عندهم عن طريق التزام الأبوين به. فإن الطفل في هذا الجو ينساق تلقائياً إلى التزام الصدق والاستقامة.