نهى عبد الله
أطفأ "سمعان" هاتفه وعلامات الرضا تزهو على وجهه, بعدما كتب تغريدته على صفحته الخاصّة: "هكذا لن يسبقني أحد"، وخلد إلى النوم مرتاح البال مزهوّاً. لكنّه ما إن غفا للحظات حتّى أيقظه صداعٌ أمسك برأسه، وأصواتٌ غاضبة تزجره: "تحرّك بسرعة". شعر بذراعيه أخيراً مقيّدتين، ويمسك به رجلان ضخما البنية، بدَوَا كأنهما شرطيّان، اقتاداه خلال ممرٍّ طويل.
كان منهكاً مصدوماً، فنبس مرتجفاً بسؤالٍ يتيم: "أين أنا؟" أجابه أحدهما بصوتٍ أجشّ: "لا تعجل، عندما يتحدّثون ستعلم جرمَك". صاح سمعان: "أيّ جرم؟ لم أفعل شــ.." قاطعه رجلٌ أسود الوجه، ظهر أمامه يبتسم بخبث وحيلة: "لم تتعرّف إليّ سيدي؟! أنت من أرسلني إلى هنا من هاتفك، صنعتني من رسائلك وأخبارك... أنا كذبك وخادمك المطيع".
في البداية، خُيّل إليه أنّها مسرحية، فحضر رجلٌ ثانٍ يضع تاجاً ويرتدي ملابس رثّة، نظر إليه بعجرفة: "لا تقل إنّك لم تعرفني! أنا سيدك وغرورك، أنا سِبَاقُك في نقل كل ما تسمعه، مهما كان خطراً ومؤذياً". أشاح سمعان بوجهه عنه، فتراءى له في آخر الممرّ شيخٌ مريضٌ هرم يسير بعكازين، صاح به من بعيد: "لن أسامحك، أوهنتني بكذبك، أفي الدين تكذب؟! كم دعاءً أرسلته ووضعت له جزاءً؟! ما أسفَه عقلك!".
لم يصدق سمعان أن يصبح هؤلاء حقيقةً إلى هذا الحدّ! لكنّه أدرك ذلك مع حضور الرابع، الذي يعرفه سمعان جيداً دون أن يتحدّث.. بل اكتفى بأن ناوله كأساً تنضح بأحمرَ قانٍ.. كان نصيبه من دم صديقه[1]، حين نقل بطولاته وصوره في عالم الدنيا.
ربما بعضُ ما ننقله بتهوُّرٍ وتسرُّع، لن نعرف نتائجه إلّا يوم القيامة.
1.مفاد رواية عن الإمام الصادق عليه السلام في الحساب: "فيقول : يا رب إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول : بلى سمعت من فلان رواية كذا وكذا فرويتها عليه فنُقلت حتى صارت إلى فلان الجبار فقتله عليها. وهذا سهمك من دمه". الكافي، الكليني، ج2، ص 371.